أخبار سياسية منوعة

أرى أن اللعبة السياسية على المحك

حدثان يشغلان الساحة السياسية العراقية؛ أولهما الأيام السوداء التي لم تترك شاغراً في الجدول الأسبوعي العراقي، وثانيهما إخفاق الفعاليات السياسية المتكرر في التوصل لقانون انتخابات جديد.
مشكلتان جديدتان قديمتان إذن، فالسياسة العراقية منشغلة دوماً بمهرجانات الموت المتنقل وإخفاق السياسيين في الاتفاق على أي شيء.. ولكن إلى ماذا يشير هذان الحدثان ؟
إذا كان الرسميون الذين يمضغون السياسة كنبتة الأفيون المخدر يديرون اللعبة كما يفعل المهربون فينقلون الحدث عادة إلى مستودعات ما وراء الحدود ويعلقوا أوزارهم على مشاجب الجيران، ظناً منهم إن هذا يجعل المشكلة منتهية من جهة مفاعيلها المنعكسة على الوعي الشعبي، فإن عليهم هذه المرة أن يخفقوا !؟
فلم تعد مقنعة تلك القصة المستلة من جيب الخرافة الواسع، ومن حكاية الجنيات على وجه التحديد.. الموت الذريع يا أطفالي الصغار تنشره جنيات البعث القبيحة وذئاب الوهابيين الحاقدة.
تنويمة الأطفال هذه لا ينبغي أن تستمر طويلاً، فحكاية الجنيات لابد من فك رموزها وربطها بالواقع. وعندئذ ستبدأ حكاية أخرى عنوانها اللعبة السياسية التي لا نعرف شروطها ولا قوانينها، لأنها ببساطة شديدة ليست وليداً شرعياً، وإنما مسخ سِفاحيّ أُرغمنا على تبنيه.   
أية سذاجة تلك التي جعلتنا نستمرئ الخدعة القديمة قدم تأريخ الوعي البشري حيث يتم تهريب الحقيقة ونقل الوعي إلى واقع بديل ترقص فيه عرائس الوهم الجميلة، وكل شيء فيه واضح ومفهوم ومسيطر عليه، وينتهي دائماً بالنهاية التقليدية السعيدة ( وعاشوا بهناء وسعادة )؟
إن حكاية الجنيات البعثية تليق بأطفال تحرك وعيهم عقد الخوف من المجهول، ويبدو بوضوح أن ثمة قوى يهمها إبقاء العراقيين أسرى لمنطق الخرافة، وتجيير هذا المنطق بوصفه المحرك الوحيد الذي ينتج لهم وعيهم الزائف، ليبقى كل شيء ميتاً في الوعي العراقي الحاضر – الغائب لا يستثنى من هذا الحكم سوى الماضي – العقدة الذي يطفو كأسطورة تأبى الأفول.
ألم يكن هذا الوعي العصابي الذي يشبه الشمس السوداء هو الثقب الذي أتاح تمرير مؤامرة العملية السياسية ذات المواضعات الغامضة ؟
إذن هل يمكنني النطق بكلمة الرجاء القلقة ؟ هل سيرى الوعي الشعبي علاقة بين جدول الموت الأسبوعي المزدحم واللعبة البرلمانية المعلقة في زمن بعيد عن دائرة الزمن العراقي المحنط ؟
هل سيكون الرابط واضح تماماً، وهل يمكن هذه المرة متابعة الخيط لنهايته التي تقف عند رأس العملية السياسية ؟
التجربة التي عشناها في ظل واقع ثقافي وسياسي كالذي ابتلي به العراق علمتنا أن خيط الكلام ينقطع وللأسف الشديد على عتبة تلك الثقوب السوداء المعممة.
نعم .. كلام كثير كان يمكن أن يقال بخصوص ما يسمى بالعملية السياسية المزعومة .. كلام كثير مؤجل لأن تلك الثقوب السوداء قررت تكميم الأفواه وفرض إرادة الصمت المقيت.
منذ زمن بعيد كان جديراً بنا أن نكف عن أسلوب الهروب من مواجهة الحقائق ونصنع لأنفسنا حسنة وحيدة نستل خيوطها من جوف الشر التفجيري المطلق، ونتساءل المقتول: لماذا يحدث هذا الذي يحدث ؟؟
اللعبة التي مارستها الثقوب السوداء تمثلت بدفع وعينا لقبول ما يسمى باللعبة السياسية على أنها انتصار !! ولكنه انتصار في الماضي الذي يسجننا وانتصار للماضي بالنتيجة !!
كان الهدف إذن أن يبقى الوعي في قفصه القديم نفسه دون أن يلتفت ولو لبرهة خاطفة لينظر في اشتراطات هذه اللعبة وما عسى أن تخبئه من مفخخات سرعان ما بدأت بالانتشار على الساحة العراقية كطفح جلدي مفاجئ.
كان الهدف أن يبقى الوعي المأسور لعقده ذاهلاً تماماً عن هويته الأصلية والميكانزمات التي تحكم حركته ورؤيته للعالم.
إذن تحت هذه السماء السوداء المكفهرة ولدت أخطر لعبة يمكن للعراقيين أن يمارسوها، ولقد مارسوها على أنها جزء من الماضي.
لم تكن أبداً هذه اللعبة السياسية لحظة جديدة، بل كانت ماضٍ لبس إهاب الحاضر، ومن هنا أُريد لها أن تمر دون مساءلة عن هويتها، وعما إذا كانت نتيجة علاقة سفاح محرم أم لا؟
العمائم السوداء كما الثقب الأسود مارست أمهر أداور التهريب حين راوغت الوعي واستلبت هويته وباسم هذه الهوية المستلبة قررت مشروعية الوليد المسخ، وتبعتها جماهير المستلبين كما تتبع الجرذان مزمار الساحر. 
لو تساءلنا الآن هل ما يحدث عارض طارئ كما يحاول السياسيون إقناعنا، أم إن
الأمر خطأ بنيوي وخلل في هيكلية العملية نفسها ؟
يتحدث دقاقنة التضليل بثقة كبيرة حين يصفون الأمر بأنه عارض مرضي طارئ يمكن علاجه، والسبب البسيط هو أنهم يراهنون على دماء غيرهم وبدماء غيرهم.
في ذهنهم إن مفهوم الدولة العصرية قائم على أن الدولة هي الأرض في حقيقتها ولا يلتفتون إلى أن الخلاف الفكري العقدي ينسف هذا المفهوم. يقولون إن الدولة العصرية بالروح الديمقراطي العلماني تستطيع صهر هذه الخلافات دون أن يلتفتوا إلى أن التجربة العراقية تعلن فشلهم يومياً، وبجداول أسبوعية مكتظة بمواعيد الموت. لا يخطر في ضميرهم ممسوح الملامح احتمال لهذا الأمر أبداً لأنهم لا يدفعون ضريبة من أي نوع.
الموت اليومي بالنسبة لهم خطأ في القياس تصلحه التجربة اللاحقة ..
إذن هل نصرف ما تبقى من وقت قصير ريثما تجهز القنبلة الموقوتة بانتظار نتائج التجربة اللاحقة ؟؟ وكيف سنصرف وقتنا الثمين هذا ؟؟ سنكركر مرة أخرى في قفصنا، ولا بأس بنزاع أخوي حول عائدية البيضة الذهبية كركوك العزيزة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى