الإمام الصادق (ع) نهر ماء الحياة والعلم
السيد محمد الموسوي
استلم الإمام جعفر بن محمد الصادق ( ع) الخلافة الإلهية سنة 114هـ وهو الإمام السادس من ائمة أهل البيت عليهم السلام في وقت شيخوخة الخلافة الأموية وبداية الدولة العباسية الفتية والقوية، في ظروف صعبة جدا من الناحية السياسية والاجتماعية، فتحمل الإمام الصادق عليه السلام مسؤولية الإمامة في هذه الظروف الصعبة، حيث الانتفاضات تنشب في طول البلاد وعرضها، والولاة منهمكون بجمع الأموال، والمرض والقحط يضرب مناطق واسعة منها خراسان والعراق، والنظام الحاكم يبطش دون رحمة، ويخلق حالة من الذلّ والخنوع بين الناس. والمنشغلون بالعلوم الإسلامية من فقه وحديث وتفسير، وهم الذين يُفترض بهم أن يكونوا ملاذ الناس وملجأهم، كثير من هؤلاء يدبّجون الفتاوى ليرضوا السلطان. وكثيرٌ منهم كانوا يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بتوافه الأمور ويثيرون النزاعات الكلامية الفارغة التي لا تمتّ بصلة إلى الإسلام وإلى معاناة الناس.
فكانت مهمة الإمام الصادق ع، تتلخص في بيان الإسلام كما جاء في القران وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، مع مكافحة كل الانحرافات والتشويهات الجاهلة، ليكون الدين واضحا وجليا لمن يريد الحق إلى يوم القيامة، وهو الإمامة الإلهية لرسول الله (ص) ولمن بعده من الأئمة المنصوص عليهم بنص من رسول الله (ص). فيكفي المسلم هذا الاعتقاد، وعدم الجدال في العقائد من أجل المراء، وبهذا يقضى على الفرقة والتناحر بين المسلمين، مادام الكل معتقد بالحاكمية الإلهية، فعليه ان يرجع إلى الأمام لمعرفة تفاصيل العقيدة، ولا يسع من له تفاصيل ومعلومات عقائدية بمستوى أعلى مما عند غيره من المسلمين ان يتبرأ منهم او يتكبر عليهم. فيكفي لسلامة المعتقد اعتقاد الإمامة.
فقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) الدين بصورة واضحة لا لبس فيها فقال : (أَنَّ الدِّينَ وَأَصْلَ الدِّينِ هُوَ رَجُلٌ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ هُوَ الْيَقِينُ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَهُوَ إِمَامُ أُمَّتِهِ وَأَهْلِ زَمَانِهِ ، فَمَنْ عَرَفَهُ عَرَفَ اللَّهَ وَدِينَهُ ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ أَنْكَرَ اللَّهَ وَدِينَهُ ، وَمَنْ جَهِلَهُ جَهِلَ اللَّهَ وَدِينَهُ . وَلَا يُعْرَفُ اللَّهُ وَدِينُهُ وَحُدُودُهُ وَشَرَائِعُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ .) البحار : ج24، ص290. عن بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار . ص 549.
وفضح الإمام الصادق ع الغلاة وتبرأ منهم كما ناظر بحكمة وادب المخالفين من المسلمين وغيرهم من الزنادقة والملحدين، واهتم بالعلوم الدينية كما باقي العلوم المفيدة من طب وكيمياء وغيرها وتتلمذ على يديه الكثير، وكان الأجدر بمن يدعي حضور درس الإمام الصادق (ع) هو اخذ الدين عنه، بوصفه أماما معصوما، وعدم مخالفة أوامره ونواهيه من عدم الافتاء بالقياس والرأي، كما هو حال أبي حنيفة النعمان، أو تأسيس فرقة كلامية كما فعل واصل بن عطاء بتأسيس مذهب المعتزلة.
أما سجية الإمام (ع) الاجتماعية فالرحمة بالناس، فكان حريصا على إصلاح ذات البين بين المؤمنين ويفتديها بماله الخاص، وكان يوصي أصحابه بذلك، فعن المفضّل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي»
فكان الإمام الصادق ع فعلا نهر ماء الحياة والعلم الذي يحي به الأرواح كما بين ذلك السيد أحمد الحسن ع واقتبس جزا من كلامه( ع) في بيان معنى قوله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾.
[(ص): هو حرف من الحروف المقطعة، وهو يشير إلى أحد الأئمة، وهذا أمر بيّنته سابقاً، وهو أنّ كل حرف منها يشير إلى أحد المعصومين (ع).
و(ص): هو اسم نهر في الجنة، وهو نهر ماء الحياة والعلم الذي يحيي القلوب والأرواح،…. …..
وتجلى هذا النهر – نهر العلم والحياة – بوضوح في الإمام الصادق (ع) بالخصوص، وشاء الله أن ييسر من خلاله (ع) نشر علم آل محمد وبثه بين الناس، فهذا الحرف (ص) يشير إلى الإمام الصادق (ع).
والعلم والمعرفة هي ثمرة اليقين والصبر بالخصوص، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾، فهذا الحرف يشير إلى الصبر أيضاً.]اللهم احيي قلوبنا و أرواحنا بالعلم والمعرفة
420 2 دقائق