أخبار سياسية منوعة

نظرية المؤامرة

يميل الكثير من المحللين الى انتقاد ما يسمى بنظرية المؤامرة من منطلق اعتقادهم أن تفسير الحوادث اعتماداً على هذه النظرية ينبثق عادة من كسل فكري يطلب السهولة في التعليل وحسم النتائج ، كما أن النظرية تم توظيفها بصورة مسرفة من قبل طواغيت الحقبة القومية لأغرض شتى ؛ فعلى الدوام كان ثمة عدو متربص متأمر يتسبب في كل المشكلات التي يعانيها الوطن والمواطن ( على حد تعبير الإصطلاح السياسي المعاصر ) ، وعلى الدوام كانت كل فكرة مغايرة أو جديدة تخبئ وراءها مؤامرة أمريكية أو صهيونية بالنسبة للأنظمة ذات التوجهات اليسارية ، وسوفييتية بالنسبة للأنظمة ذات التوجه اليميني ( تعبيرية المصطلحات على ذمة ثقافة القرن العشرين ) ، وهذه المؤامرات تصب دائماً في مصلحة العدو المتربص وعملائه المحليين الأشرار !! وهكذا واجهت النظرية في الوعي السياسي العربي والإسلامي نفوراً جماهيرياً وسخرية .

بيد أن النظرية بعيداً عن أفق التعامل النفسي معها ، وإذا ما أحسن توظيفها ، أو قل فيما لو لم يتم التعامل معها بطريقة التوظيف المسبق ذي الدوافع التضليلية ، تمتلك من الوجاهة حظاً وافراً ، إذ إن من مداليلها المهمة إشاراتها الى أن ثمة دائماً ما هو مغيب أو كامن وراء الظواهر الطافية على السطح ، وبهذه الدلالة تجد نظرية المؤامرة إطارها الفكري الذي يحددها بوصفها حركة وعي صحيحة .

والحق إن ثمة مفارقة عجيبة يعيشها الوعي العربي والإسلامي فيما يتعلق بالموقف من نظرية المؤامرة ، فالصيحات الرافضة ارتفعت في وقت تكاد تكون فيه نظرية المؤامرة التفسير الوحيد لما يجري على المنطقة ، ففي العراق على سبيل المثال لا يمكن لأحد استبعاد نظرية المؤامرة في تفسير الموقف الخياني الذي يقفه السيستاني والحكيم والهاشمي وبقية شلة مدعي الفقاهة والسياسيين العراقيين من الإحتلال الأمريكي .

الحق إن ما دعاني للكتابة عن نظرية المؤامرة هو بعض الكتابات التي وصفت اجتماع الطالباني والبرزاني بطارق الهاشمي وعادل عبدالمهدي في دوكان بأنه مؤامرة يتم التحضير لها للإطاحة بالمالكي ، وهو توصيف أراه صحيحاً ليس لأن الكثير من المعطيات تدل عليه فقط ، بل وهو الأهم لأن السياسة العراقية في فترة ما بعد الإحتلال لا يمكن لها أن تنتهج غير سبيل المؤامرة في تحقيق غاياتها .

ففي ظل الإحتلال وسطوته من جهة ، وفي ظل آلية المحاصصة والرغبة في تقطيع أوصال الوطن الى إقطاعيات وإمارات من جهة أخرى ، تكون اللعبة السياسية لعبة مداهنة وخداع يحاول كل طرف فيها تحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب الأطراف الأخرى ، ويسعى لكل ما يقربه من المحتل ( سلطان اللعبة وعرابها ) .

فالمؤامرة ليست وسيلة طارئة بل ، إنها جوهر اللعبة ، وكل الإبتسامات والمصافحات التي يظهرها الإخوة الأعداء ما هي إلا قناع هو بدوره جزء أصيل في لعبة التآمر والمخاتلة .

وفي نفق المؤامرة الذي ولجه العراق مرغماً لن يجد الشعب الذي لا يرى من الصورة غير ظاهرها المخادع ، لن يرى ضوءاً حقيقياً حتى تمزق سواعد أبنائه الشرفاء كل الصورة ظاهرها والباطن ، والى أن يتحقق هذا الحلم السعيد يبقى الشعب نفسه شريكاً في لعبة المؤامرة التي بوعي منه أو بغير وعي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى