الجواد الواسع
سؤال/ 127: ما معنى ما ورد في الدعاء بوصف الله سبحانه وتعالى بالجواد الواسع ([1]) ؟ وهل صحيح بحسب ما يقول بعض العلماء إن الجواد الواسع هو لأن خزائنه لا تنفد وخزائن خلقه تنفد؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
خزائنه سبحانه وتعالى لا تنفد، لكن من هو الأعظم والأوسع جوداً الذي عنده دينار واحد فينفقه، أم الذي عنده أموال لا تعد ولا تحصى فينفق منها، ومهما أنفق منها فهي لا تنفد؟!
من المؤكد أن الذي عنده دينار واحد هو الأوسع جوداً؛ لأنه أنفق كل ما عنده، أما الآخر فهو ينفق من خزائن لا تنفد، فمهما أنفق فهو لا ينفق كل ما عنده، فلا يكون جواداً واسعاً، إلا إذا أعطى خزائنه التي لا تنفد، أي إنه يعطي نفسه، أي إنه يجود بنفسه، والجود بالنفس غاية الجود، وهذا يفسره حديث: (الصوم لي وأنا أُجزى به) ([2])، أي إن جزاء الصوم عن الأنا -أي ترك الأنا – هو الله سبحانه، ومعنى هذا أن يكون العبد لسان الله ويد الله . . . . . ([3])، أي أن يستكمل العبد درجات الإيمان العشر، فيكون منا أهل البيت ، قال تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ([4])، أي إنه يكون ممن أهلـه حاضرو المسجد الحـرام، أي من أهل بيت محمـد كسلمان الفارسي ع ([5.
فالجواد الواسع هو الذي يجود بنفسه، فالله سبحانه وتعالى يجازي عباده المخلصين الذين أعرضوا عن الأنا بعد إعراضهم عن الدنيا وزخرفها، وبعد طاعتهم له سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، بأن يجعلهم مثله في أرضه ، فقولهم قوله، وفعلهم فعله ، وهذا ما ورد عنهم إن قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا ([6])، وإنّ روح ولي الله تصعد إلى الله سبحانه، فيخاطبه الله سبحانه فيقول له: أنا حي لا أموت، وقد جعلتك حياً لا تموت ([7]).
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه﴾([8]). فيكون العبد ممن شاء الله أن لا يصعق ولا يموت إلا الموتة الأولى، وهي نوع ارتقاء وليست موتاً حقيقياً، إنما الموت الحقيقي هو موت الروح لا الجسد: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ ([9]). هذه هي حقيقة الجواد الواسع، أسأل الله أن يجعلكم ويجعلني ممن عرفوا الجواد الواسع حقيقة لا لفظاً ومعنى.
من كتاب المتشابهات للسيد أحمد الحسن
[1]- إقبال الاعمال لابن طاووس : ج2 ص74. [2]- الكافي : ج4 ص63 ح6 . وتقدم شرح الحديث في المتشابهات : ج1 / سؤال رقم (13) . [3]- عن حماد بن بشير قال : سمعت أبا عبد الله ع يقول: قال رسول الله : (قال الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي وما تقرب إليَّ عبد بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ) الكافي : ج2 ص352 ، فالحديث يشير إلى أن التقرب بما افترض الله أعظم من التقرب بالنوافل . [4]- البقرة : 196. [5]- سبق الكلام في هذه النقطة بشرح تفصيلي في المتشابهات : ج3 / سؤال حول سر الأربعين برقم (93) . [6]- جاء في الحديث عن الإمام المهدي ع: (يا كامل بن إبراهيم . . . وجئت تسأله عن مقالة المفوضة ، كذبوا عليهم لعنة الله، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا، والله عز وجل يقول: وما تشاءون إلا أن يشاء الله) دلائل الإمامة للطبري : ص506. [7]- ورد في الحديث القدسي : (يا ابن آدم أنا غني لا أفتقر، أطعني فيما أمرتك أجعلك غنياً لا تفتقر. يا ابن آدم أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك أجعلك حياً لا تموت. يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون) بحار الأنوار : ج90 ص376. [8]- الزمر : 68. [9]- الدخان : 56.