أخبار سياسية منوعة

السيستاني بوصفه ظاهرة إنتخابية

قبل كل شئ لابد من التوضيح بأن ما يصدر عن بعض وكلاء السيستاني من بيانات إعلامية تتحدث عن رفضه استخدام صوره في الدعايات الإنتخابية ، والزعم بأن السيستاني لا يدعم قائمة معينة ، وأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع ، هذا الحديث لا يصدقه أحد .

السيستاني بوصفه ظاهرة إنتخابية

أبو محمد الأنصاري

قبل كل شئ لابد من التوضيح بأن ما يصدر عن بعض وكلاء السيستاني من بيانات إعلامية تتحدث عن رفضه استخدام صوره في الدعايات الإنتخابية ، والزعم بأن السيستاني لا يدعم قائمة معينة ، وأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع ، هذا الحديث لا يصدقه أحد .

ومعنى أن أحداً لا يصدق عدم انحياز السيستاني لجهة معينة على حساب جهة أو جهات أخرى ، هو إن الساسة السيستانيين وجمهور السيستانية على حد سواء يعلمون جيداً أن مثل هذه الكلمات تقال لأهداف معينة ليس من بينها التعبير عن الحقيقة مطلقاً . وما أقوله هنا يرتكز على معطيات وسوابق تأريخية يعرفها الكثيرون ، فالسيستانية ظاهرة انفصامية أو ثنائية ، بمعنى أن الخطاب المعلن لا يُعبر بالضرورة عن الحقيقة ، وهذا له شواهد كثيرة ، ويعرفه جيداً متلقو هذا الخطاب ، فعلى سبيل المثال كانت الفتاوى قبل الغزو الأمريكي للعراق تتجه الى ضرورة الجهاد والمقاومة ، ولكن ما تحقق على الأرض غير هذا تماماً .

ما يهم في هذا الصدد هو أن يعلم الجميع أن ثمة شفرات يعرفها جمهور السيستانية ، ومن خلال هذه الشفرات يقرؤون مواقف السيستاني وفتاواه وبياناته ، وهذه الشفرات تستند على تأريخ طويل من العلاقة ، أنتج فهماً متبادلاً ، ومعرفة من لدن الجمهور خاصة لحقيقة المواقف والتوجهات الفكرية التي تتبناها المرجعية ، كما أن جهاز الوكلاء الطويل العريض ، الذي تعتمد عليه المرجعية في مهمة التفسير والتوضيح وبيان الموقف الحقيقي لها ، يلعب دوراً أكثر أهمية بكثير من البيانات العلنية التي يصدرها السيستاني أو وكلاؤه الإعلاميون أو مكتبه ، وهكذا حين تتحدث بيانات مكتب السيستاني عن عدم تدخل السيستاني في الإنتخابات ، وعدم انحيازه لطرف ما ، فإن الناس تقرأ كلمات أخرى وتسمع مواقف مغايرة .

إن مقاربة ما يمثله السيستاني والظاهرة السيستانية بالنسبة للناس ، والوصول الى حقيقة الفهم الذي تنطوي عليه عقولهم ومشاعرهم لها ، يفيد كثيراً في تحديد حقيقة السيستانية ، وبدرجة لا يمكن تحقيقها فيما لو تمت هذه المقاربة من خلال الخطاب العلني والموقف الإعلامي للسيستاني ولرموز السيستانية . ويمكن القول في هذا الصدد إن السيستانية تحقق المعادلة الصعبة ، بل المستحيلة التي يتطلع لها الناس ! فإذا كان الناس من جهة بفطرتهم التي فطرهم الله عليها موقنين تماماً من وجود الله عز وجل وأنه الحاكم ، وإذا كانت الثقافة التي تؤطر وجودهم ترسخ فيهم هذا الشعور الفطري ، وإذا كان الناس من جهة أخرى كل الميل للدنيا وشهواتها ، الأمر الذي ينتج عن تناقضه مع فطرتهم شعور قاس بالذنب ينغص عليهم دنياهم ، فإنهم قد وجدوا في السيستاني والسيستانية ما يتخلصون به من شعورهم بالإثم ، فالسيستانية تقلب لهم كل المعادلات الدينية ، فهي لا تقدم الدنيا وما فيها من منظور ديني بل تقدم لهم الدين من منظور دنيوي ، فالمصالح المادية العاجلة ( إن كانت هي مصالح في حقيقتها ) تحكم الشرع في عرف السيستانية ، فعلى سبيل المثال تتعامل السيستانية مع العملية السياسية التي يشهدها العراق من خلال تبني منظور هذه العملية واسقاطه على الدين ، لا العكس ، أي إنها لا ترى لهذه العملية من منظور الدين وتتغافل تماماً عن رأي الدين في هذه العملية ، وبدلاً من هذا كله تحاول عزل النظرة الدينية عنها وتحييدها ، فالسيستاني يكرر دائماً أنه لا يتدخل بشؤون الساسة وكثيراً ما يترك لهم تقرير ما يرونه ، دون أن ينسى الإشارة الى مباركته لكل ما قد يصدر عنهم دون قيد من الدين أو شرط من الضمير ، وهذا الموقف منه يفهم على مستوى الناس بأن مرجعهم الديني راض عن كل ما يخرج عن الساسة ، وإن كان قيحاً وصديداً !

السيستانية إذن توهم الناس أو قل توزع عليهم الأفيون الديني المجاني الذي يتطلعون له ، فالدنيا بكل شهواتها وآثامها تمر من تحت عمامة السيستاني ليتلقفها أهل الدنيا على أنها الدين المسلفن الذي يبحثون عنه . لكل هذا كانت السيستانية رقماً إنتخابياً صعباً يخطب وده كل الساسة من أهل الدنيا .

Aaa-aaa9686_(at)_yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى