زاوبة الثقافة والأدبزاوية التاريخ

هل ترك النبي أعظم وأهم رسالة سماوية لتلاعبِ أهواء البشر ومحدودية عقولهم

في ذكرى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله يتكرر السؤال عن مصير الإسلام بعد النبي: هل ترك النبي، ومن باب أولى، هل ترك الله عز وجل أعظم وأهم وأعمق وأوسع وآخر رسالة سماوية لتلاعبِ أهواء البشر ومحدودية عقولهم، ولرياح التاريخ تتقاذفها كما تتقاذفُ الأمواج سفينة في بحر عاصف، دون أن يعيّن قيماً يشرف على تطبيق الاسلام وقيادة تجربته التي تستهدف الرقي بالحياة الى مصاف الحياة الانسانية الحقيقية؟
بعيداً عن الخوض في دوامة الجدل الطوائفي المدجج بالدوافع النفسية والمصلحية والفئوية وبشتى الامراض الفكرية والعاطفية التي تميز المعارك العقيمة بين الطوائف، ليكن منطلقنا ما بلغته التجربة الاسلامية في حاضرنا، الذي لن نكون متجنين حين نقول: إن الإسلام عاد فيه أثراً بعد عين. فهو ببساطة خارج التاريخ. إذ يشهد الجميع بأن الحضارة البشرية الحديثة تُصنع وفقاً لمصادر ليس من بينها الإسلام. فهل هذا نتيجة نقص أو قصور بالإسلام كدين، أم ثمة سبب آخر؟
على مستوى المنتسبين للإسلام ثمة ثلاثة أجوبة:
الأول يمثله جواب من يُصطلح عليهم بالعلمانيين، الذين يرون أن الإسلام وليد مرحلة تاريخية تصرمت، ولم يعد لائقاً بعصرنا الحاضر.
الثاني يمثله الاسلام السني، الذي يحدد مشكلة الاسلام والمسلمين بغياب ما يسمى بنظام الخلافة المعروف تاريخياً، فالاسلام – بزعمهم – تراجع لأن المسلمين تخلو عن نظام الخلافة.
الثالث يمثله الاسلام الشيعي، كما تبلوره رؤى وأفكار من يسمونهم بالمراجع والمجتهدين، الذين يحددون مشكلة الاسلام بغياب القيادة الشرعية المنصبة من قبل الله تعالى.
يمكن للمؤمنين بالإسلام كدين إلهي باقٍ إلى النهاية أن يستبعدوا الإجابة العلمانية على اعتبار أنها تنطوي على تشكيك في كون الإسلام دين إلهي، أو على الأقل في كونه باقياً وصالحاً مدى الزمان.
وبرأيي إن الإجابة السنية لا تقل ضعفاً باعتبار أن نظام الخلافة التاريخي لو كان معبراً حقيقياً عن الإسلام المتكامل المستوعب للتاريخ لما آل به الحال إلى الموت مع موت الدولة العثمانية. بل من الواضح أن هذا النظام كان من أهم أسباب تدهور التجربة الإسلامية.
الإجابة الشيعية المعتمدة على رؤى وأفكار من أشرنا إليهم لا تخلو بدورها من نقص كبير. فهي وإن كانت تتبنى الجواب اللائق بعظمة الإسلام، التي تقتضي حتماً وجود المطبق أو القيم على التجربة الذي يمكنه تحديد أجوبة الدين على مشكلات الحياة المتطورة والمتغيرة بتغير الأزمنة والظروف، إلا أنها – أي الإجابة الشيعية المذكورة – تهمل فترة طويلة جداً هي فترة الغيبة الكبرى. فهذه الفترة التي غاب – أو بالأحرى – غُيّب فيها الإمام تبدو ساقطة تماماً من حساباتهم. والسبب برأيي يعود إلى أن الفكر الشيعي اختطفه رجال غير معصومين وغير منصبين من الله تعالى فانحرفوا به عن حقيقته، وانحرافهم بالمناسبة يؤكد صوابية التشيع الإمامي وليس العكس باعتبار أن ما يقوله هذا التشيع الأخير هو أن تجربة الإسلام لا يمكن لغير من تسدده السماء أن يقودها، وبالتالي مهما كان، غير المسدد أو غير المعصوم، مخلصاً فإنه الانحراف بهذا القدر أوذاك مصيره المحتوم، وهذا الحكم يشمل الترقيعات التي حاولوها عن طريق ما يسمى بولاية الفقيه غير القائمة على دليل ابدا.
الإجابة الوحيدة الكاملة قدمها قائم آل محمد السيد أحمد الحسن الذي أثبت في كتابه “عقائد الإسلام” أن القائد الإلهي دائما بين الناس، وحتى في زمن الغيبة هناك من ينصبه الامام خليفة له او نائباً لكن غفلة الناس وانقيادهم خلف آخرين غير منصبين يبعدهم عنه.
أعتقد إننا الآن، كملسمين سنة وشيعة، يمكننا ببساطة غربلة الأفكار وتحديد أيها الصحيح من خلال عرضها على واقعنا. فكم نحن بحاجة إلى قائد عادل موجود بيننا لا تغريه المغريات ولا تؤثر في قراراته مناشيء الجهل الإنساني لينقذنا من حالنا المتردي، ويمكنه تقديم الأجوبة الإسلامية الصحيحة على كل أسئلة العصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى