زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد السنة

إبليس يـقــود الجاهــلية الأولى فــي الانـــقــلاب الاول ..وشــعاره حســــبنا كـــــتاب اللّـه الحلقة(1)

بسم اللّـه الرحمن الرحيم

وصلى اللّـه على محمد وال بيته الأئمة والمهديين الطيبين الطاهرين

إبليس يـقــود الجاهــلية الأولى فــي الانـــقــلاب الاول ..وشــعاره حســــبنا كـــــتاب اللّـه 1(قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر 39)

إبليس هنا يضع خطته لغواية الناس، ويستوعب مكامن الضعف في نفسه وفي نفس الإنسان، المكلف الأخر في العمل ين يدي اللّـه سبحانه وتعالى كما هو إبليس وقبيله من الجن، فالأمر الإلهي بالسجود لولي اللّـه ادم عليه السلام جاء لاختبار طاعة المكلفين بالعبادة من الأنس والجن، وبنفس الوقت فأن إبليس يراهن على حثالة الناس (وما أكثرهم) في مواجهة رسالة السماء وحملتها من الأنبياء والمرسلين، وسلاح إبليس في الأخذ بيد من يواليه إلى الهاوية هو (بِمَآ أَغْوَيْتَنِي)، أي (يقول إبليس) بالذي أغويتني به وقادني إلى التكبر على ادم وهو الجهل، فالجهل هو السلاح الذي يستخدمه إبليس وجنده ليزيّن لهم في الأرض وليغوينّهم اجمعين، فسلاح إبليس الحقيقي أن يجعل الناس تنظر لعقلها القاصر بأنه القادر على القيادة، والقادر على توجيه الأمور لمسارها الصحيح (كما يظن الناس) حتى بدون الحاجة للأنبياء والمرسلين. ولأجل ذلك يضع إبليس معادلات مغلوطة ولكنها مرتبه بتشكيل ظاهره تبدو عليه الدقة والطريق السليم وباطنه طريق الانحراف والهاوية، معادلات بتركيبه فيها الطرف الأيمن يساوي الطرف الأيسر، ليعتمدها مواليه على إنها الصراط المستقيم فتزيدهم بعدا عن اللّـه وخط الهداية الذي كلفوا التمسك به والعمل بمقتضاه.

ومن غوايته للناس أن جعلهم يضعون قواعد لغوية لتحكم القران، وهم يعلمون إن القرآن كلام اللّـه سبحانه وتعالى ولابد أن يكون منزل من اللّـه بقواعد متقنه ومحكمة

(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّـه لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴿النساء82﴾

ولكنهم وبغواية الشيطان وجدوا في أنفسهم الإمكانية لإحكام كلام اللّـه بقواعد لغوية من وضعهم، ثم عادوا ليستخدموها لتفسير القرآن، وعندما وقفت القواعد اللغوية عاجزة عن أن تحكم لغة القرآن، لم يعترفوا بان النقص فيهم وبقواعدهم، بل قالوا إن القرآن فيه شواذ عن القواعد التي أحكمت اللغة والنص القرآني كما يدعي فطاحله النحو، رغم إنهم يقفون عند بيت من الشعر ويردون المعنى المشتبه عندهم إلى قلب الشاعر، لكنهم ربما وجدوا أنفسهم قريبين من اللّـه ولديهم (الميانه) الكافية ليؤولوا المعنى بما يناسب فهمهم للنص.

فهل إن من يحكم القرآن بما وضع هو من قواعد يكون تابع لأمر اللّـه الذي انزله على محمد المصطفى (صلى اللّـه عليه واله) أم انه جعل من القرآن تابع له ولقواعده الوضعية (كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم – من خطبة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام في ذي قار).

فالذي يرى انه بعقله هذا يستطيع الوصول إلى اللّـه، فأنه يجعل من بعث الأنبياء والمرسلين مسألة عبثية، فما الحاجة لهم إذا كان عقلنا يكفينا، بل جعل اللّـه سبحانه وتعالى صدق الولاء له بتبعية أنبياءه ورسله، وبإتباعهم يكون كمال العقل، واللّـه الرحيم بالعباد قد حذرنا من أنفسنا ومن الوقوع بالمعصية والابتعاد عن الدين المحمدي الحق بإتباع الأهواء بعد وفاة الرسول الكريم

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّـه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّـه الشَّاكِرِينَ) ﴿ال عمران144﴾.

ولكن القوم انقلبوا والرسول صلى اللّـه عليه وال لازال بينهم، فما أن أحسوا بقرب وفاة الرسول الكريم حتى بدأت النفوس تنقلب وتعود لجاهليتها، إذ إنهم نصبوا من أنفسهم قيّمون على الدين ولهم أن يحددوا المسار القادم، حتى إنهم رفضوا أن يكون للرسول الكريم مشاركة في الرأي معهم، بل قالوا إن الرأي ما نرى وليس لك يا محمد أن تحكمنا حياً وميتاً، نعم قالوا وفعلوا، وحديث رزية الخميس عن ابن عباس والمروي في كل كتب السنة والشيعة بل لايكاد كتاب معني بتاريخ المسلمين ان يخلوا منه.

حديث رزَّيَّة الخميــــس المروي عن ابن عباس

عن عبيد اللّـه بن عبد اللّـه، عن ابن عباس قال: لما حُضِرَ رسول اللّـه صلى اللّـه عليه واله وسلم وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى اللّـه عليه واله وسلم: “هَلُمَّ أكْتُبْ لَكُم كِتاباً لاتَضِلّوا بَعدَهُ“. فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّـه. فَاختلف اهل البيت فَاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى اللّـه عليه واله كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والأختلاف عند النبي صلى اللّـه عليه واله، قال رسول اللّـه صلى اللّـه عليه واله “قوموا” قال عبيد اللّـه: فكان ابن عباس يقول: إن الرَّزيَّة كل الرَّزيَّة ما حال بين رسول اللّـه صلى اللّـه عليه واله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب، من إختلافهم ولغطهم[1]. (  صحيح البخاري حديث رقم (114، 4432، 5669، 7366    صحيح مسلم حديث رقم (4234)    طبقات ابن سعد ج2 ص 188)

إن واقع حالهم على لسان عمر يقول: يا محمد قد انتهت أيامك، واكتفينا منك، فأذهب إلى ربك ودعنا بسلام، ودع عنك الدواة والكتب، فإننا اعرف بأمورنا، ولا حاجة لنا بكتابك. ولكي يصبغوا قولهم بالإيمان قال عمر (يكفينا كتاب اللّـه).

عمر يعلم، ومن سار على نهجه يعلم أيضا، إن الكتب السماوية (التوراة والإنجيل) التي جاء بها الأنبياء والمرسلين الذين سبقوا الرسول الكريم محمد صلى اللّـه عليه واله وسلم، كانت موجودة بين يدي قريش قبل مجيء الرسول الكريم، وكانت موجودة بين يدي عمر، واللّـه يعلم ذلك، ولكنه بعث محمد صلوات اللّـه عليه واله للناس.

فهل اللّـه لا يعلم ما يعلمه عمر من إن الناس يكفيها كتاب اللّـه وموجود عندهم التوراة والإنجيل وهي كتب سماوية؟ أم انه يعرف هذه الحقيقة التي نطقها عمر ومع ذلك بعث لهم محمد صلى اللّـه عليه واله وأنزل عليه القرآن؟ أم إن محمد صلى اللّـه عليه واله لا يعلم ما يعلمه عمر؟ وإن عمر قال سرا من أسرار السماء لم يطلع عليه الرسول الكريم. أليس الرسول لازال قائما بالأمر وهو ولي أمر المسلمين وعليهم الطاعة التامة له والتسليم لأمره؟ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللّـه إِنَّ اللّـه شَدِيدُ الْعِقَابِ) ﴿الحشر7﴾. أليس كتاب الرسول الكريم الذي حاول الناس يقودهم عمر منعه من كتابته يدخل ضمن إتيان الرسول للناس؟ أليس الراد على الرسول الكريم كالراد على اللّـه والراد على اللّـه في النار.

إنها غواية إبليس، وهذا هو الجهل سلاح إبليس يرد على رسول اللّـه صلى اللّـه عليه واله، الذي (مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ﴿النجم 3-4﴾.

سيقول البعض إن الرسول لاينطق عن الهوى في أمور التبليغ، أو بمعنى آخر إن الرسول معصوم في أمور التبليغ، ومجاراةً لذلك نقول: أليس الكتاب لهداية الناس، هل كان الرسول يقصد الهداية في الهندسة المعمارية أم في الهندسة المدنية أم كان يقصد الهداية في طرق الصناعات البتروكيمياويات، أم كان يقصد إبعادهم عن الضلال في الحسابات الكمركية وتجنب الازدواج الضريبي، أم كان يريد أن ينبههم إلى وفرة الإرباح في العمل في شركات الاتصالات وخدمات الأقمار الصناعية، ترى ماذا سيكون القول منكم، وما عساكم أن تقولوا، فقد منع صاحبكم الرسول الكريم من الحديث ولم يبقى لكم إلا أن تخمنوا لتحاولوا جاهدين ان تبعدوا عن صاحبكم رده على اللّـه ورسوله.

انه الجهل المتسافل في المعصية مقابل العقل الكامل ذو الخلق العظيم محمد صلى اللّـه عليه واله، وهكذا هي المواجهة دوما بين العقل والجهل، ولكل جنود وعاملين، وحدث عند هذه المواجهة الانقلاب العسكري الأول على رسالة السماء، الذي أعقبته انقلابات عدة، وهي في كل مرة تزيد الهوة بين طريق الناس والرسالة المحمدية كما أتى بها الرسول الكريم صلى اللّـه عليه واله.     

(يَظُنُّونَ بِاللّـه غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (من الاية 154 سورة ال عمران)

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 4/سنة 2 في  17/08/2010 – 6 رمضان 1431هـ ق)


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى