أخبار سياسية منوعة

علمانيون هواة

الدخول إلى غرفة ( العراق شمس الحرية ) على البالتوك مناسبة طيبة للتعرف على التوجهات الفكرية لمثقفي عراق اليوم، عراق ما بعد الدكتاتورية، العراق المحتل الذي بدأت شرائحه المختلفة تراهق الفكر، وتحاول بنوايا قد لا تكون سيئة أن تشكل طبيعة مغايرة لتلك التي حاولت الفترة الديكتاتورية تكريسها.
الانطباع الأول، الذي لا يلبث أن يجد له شواهد تُظهره بصورة الرأي الحصيف، يُطلق في المخيلة صورة لشباب يتقاذفون الكلمات والمقولات بسليقة محتدمة بمشاعر التمرد، وبشيء غير قليل من الثورية غير المثقفة.
ولن يفوت عين مدربة ذلك الإحساس القوي بغياب الروح الحقيقية المفترض حضورها في مثل هكذا فضاءات معرفية، فالغرفة لا تشبه بأي وجه مطبخاً تشوى فيه الأفكار.
ادخل الغرفة، وستجد في نفسك رغبة عارمة، كالتي تساور قلمي الآن، في قول بعض الكلمات، بشأن مدير الغرفة. هذا الرجل الذي أتخيله سميناً بعض الشيء، يحاول جاهداً، بحزمه المشوب بنكهة المرح العراقية تذكير رواد وضيوف غرفته بأن الهوية ليست أبداً قميصاً يمكن أن نستبدله بقميص آخر، وليست الحرية نافذة نرسمها بقالب الطباشير على الجدران الصماء لنسرّح أبصارنا بمروج الوهم الخضراء الممتدة خلف زجاجها الطباشيري الشفاف.
ولكن كأي جهد مخلص لا تسعفه اللحظة المناسبة ترتطم كلماته بالقوقعة الصلدة التي قرر العلمانيون الهواة، وبقرار ديكتاتوري مسبق، أن يغلقوها إلى أجل غير مسمى.
نحن إذن بإزاء واحدة من أعقد لحظات الوعي البشري، حين يقرر العقل المقموع المضطهد، أن يعوض كل الخسارات التي لحقت به بحركة بهلوانية واحدة.
وإذا كان التعويض لابد أن يمر عبر جريمة قتل الأب الثقافي، فإن لحظات الثورة العشوائية ستجد دائماً مبرراً أخلاقياً، وسيكون وصف الأب بالطاغوت مسرباً مناسباً.
ذكاء وهو أحد رواد الغرفة وصم الأب الثقافي بالخرافة، وساق في الطريق مجموعة من الاستدلالات أقرب ما تكون إلى الخراف الهزيلة، التي تساق كقربان تكفيري ( من تكفير الخطيئة ).
ولأن ( ذكاء ) يختلف عن مدير الغرفة، إذ تنقصه الحصافة المرحة، فهو يلجأ دائماً إلى التورية من أجل أن يغطي على هزال خرافه، فيحاول تقديم نمط عصابي من الخطاب مغلفاً بورق السيلفون الساخر، ولكنه يفشل دائماً، فيرى نفسه مضطراً لطلب المايك، وأحياناً اقتناصه، ليجرب محاولة فاشلة أخرى.
( ذكاء ) نموذج في الغرفة، ولكن في الغرفة نموذجاً مقابلاً يمثله ( إسرافيل )، والأخير مثقف، ولكنه حريص على تمرير ما يرده على الرقيب الروحي الذي لم يقمع صوته.
في الغرفة أيضاً سيدة شاعرة، سمعتها تتحدث عن كتب ورثتها من آبائها، ولكن كما قال الشاعر، الذي لا أتذكر بالضبط ما قاله- صوبي خطأي أيتها الشاعرة – : ( وعند الشيخ كتْب من أبيه  مسطرة ولكن ما قراها ).             
كانت الشاعرة حريصة إلى حد بعيد وهي تنتقي كلماتها .. حريصة على إثبات إنها قد انتهت منذ زمن من دفن أباها، ولا أدري هل ألقت على قبره الزهرة الأخيرة أم لا ؟
إذن العلمانيون الهواة يجربون ارتكاب جريمة قتل الأب، فهل تنجح الغرفة في ثنيهم، أم إنها …..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى