الإفتتاحية

حافة الانتظار الخطيرة

في ثقافتنا الشيعية لا يبدو مفهوم الغيبة ملتبساً للغاية فحسب، بل يتخذ في الغالب، وربما في الدائم، دلالات بعيدة كل البعد عن حقيقته، بل لنقل بكلمة صريحة إن فهمنا للغيبة منحرف، يستوي في هذا الكبير والصغير! بل لعل المسؤولين عن صناعة الوعي الشيعي وهم الطبقة المثقفة، أو العالمة، يقفون على رأس قائمة من أساءوا فهم الغيبة!

47191134781098547104224956789651653614فالجميع يتوهم الآن بأن الغيبة تمثل قدراً إلهياً خارج إرادة الناس، وخارج مسؤوليتهم، فلا علاقة لهم في صنعه، ولا باستمراره، وهذا انحراف ما بعده انحراف. لأنه ببساطة يلقي بمسؤولية الغيبة وما يترتب عليها من تأخير الفرج، بالمعنى الأوسع للكلمة، على عاتق الإمام الذي تخلى – وحاشاه – عن وظيفته!

وقد ترتب على هذا الفهم المغلوط للغيبة فهمٌ مغلوط للانتظار حيث اتخذ صورة بعيدة تماماً عن كل ما هو معقول.

فالإنسان الذي يؤمن في قرارة نفسه أن غيبة الإمام وظهوره بالتالي أمرٌ غير خاضع لإرادته على الإطلاق سيكون انتظارُه أشبهَ ما يكون بالمسير في نفق مظلم لا يوجد ما يدل على نهايته المقابلة، فهو بالنتيجة عذاب مستمر بلا أمل.

وبطبيعة الحال حين تصطدم أنوفنا بالجدار نغير الاتجاه دائماً، وهكذا يفرز الواقع المنحرف انحرافات أخرى، وتتناسل الانحرافات.

لا أريد الآن الخوض في موضوعة المؤسسات البديلة التي اقترحها الوعي المنحرف، ولعل الكثير منكم إن لم يكن يعرفها، فهو يشعر بما أعنيه على الأقل. ما يهمني الآن حقاً هو التركيز على مسألة الانتظار، وكيف استقرت أخيراً في الوعي الجمعي الشيعي، بعد إنتاج المؤسسات البديلة.

لا شك في أن المؤسسات البديلة التي شغلت كل مساحات الحاجة التي استشعرها الوعي الشيعي بعد الغيبة، قد وضعت الشيعي أمام حالة غريبة من نوعها، يمكن أن نصطلح عليها بالغياب / الحضور! فالوعي الذي يجد في الواقع الخارجي كل ما يلبي حاجاته الفعلية، أصبح يشعر بالظهور ويتعاطى معه لا على أنه ضرورة واقعية، وشوق يقض المضاجع، وإنما بوصفه حلماً ترفياً، أو أملاً بفردوس لا يجرؤ أحد على التفكير بأنه لن يتحقق يوماً ما، ولكن أيضاً لا أحد يجرؤ على التفكير بأنه سيحدث في أمد منظور. وباختصار أصبحت مسألة انتظار الإمام أشبه شيء بالغيمة الطافية في سقف الوعي، لا تنظر لها عيون الواقع المنشغلة بالضرورات، وإنما عيون الحلم، والخيال. ولهذا يكثر ذكر الإمام المهدي على المستوى النظري، في الفكر، وفي الشعر، ويغيب كلياً على المستوى العملي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى