الإفتتاحية

ثقافة الانتظار الحقيقي

163556_442024259223736_116320823_n (1)

ليس صحيحاً ما يُروج له من مفاهيم للانتظار يخرجونها بكلمات معسولة منمقة، فيتحدث البعض عن ما يسميه الانتظار السلبي والانتظار الإيجابي وما إلى ذلك من مصطلحات يراد منها الالتفاف على حقيقة الانتظار.

فالانتظار ليس فلسفة معقدة لا يُتوصل إلى مدلولها أو ثمرتها إلا عبر مسيرة طويلة من التحليلات الذهنية، كما يحاول البعض أن يظهره، وإنما هو كما يفهمه حتى الإنسان البسيط ترك الانخراط في كل ما يتسبب بغيبة الإمام عليه السلام.

ولكي تتضح هذه الحقيقة لمن ضيعوها بسيل الأفكار الغريبة التي اختلقتها أذهان غير المعصومين لابد أن نعرف لماذا غاب عنا الامام؟  

لو علمنا وتيقنا ان غيبة الامام سببها موقفنا منه، فالإمام غائب لأننا ببساطة معرضين عنه، والدليل على هذه الحقيقة ينبغي أن يكون واضحاً للغاية، فوجود الإمام لطف الهي اذا كان الناس يستحقونه فلا يمكن أن نتصور أن يظلمهم الله، أو يحرمهم منه.

هذه الغيبة المرتبطة بموقف الناس تبقى رهينة لعلتها، أليس يقولون في الفلسفة مثلا ان المعلول يدور مدار علته وجوداً وعدماً؟ فالمعلول يكون موجوداً طالما كانت علته موجودة وينعدم اذا ما انعدمت. إذن هذه الغيبة المرتبطة بموقف الناس يمكن ان تنتهي في أي لحظة فقط تنعدم العلة أي الاعراض عن الامام لينعدم المعلول وهو الغيبة.

اذن من يعي هذه الحقيقة عليه ان يعمل على ازالة العلة، عليه ان يعمل على اقناع الناس بالإيمان بالإمام وضرورة إطاعته وعدم القبول بغيره لتتحقق النتيجة المرجوة وهي حضور الامام بين الأمة. أي لابد ان تحضر الامة كمستوى ايماني كاف ليحضر الامام.

هذا ما كان ينبغي ان يحصل ولكن تم توجيه الناس بعيداً عن الإمام للأسف الشديد، وتم التعامل مع الغيبة وكأنها قدر محتوم منزل من فوق دون أن تكون للناس يد في صنعه، ولا علاقة لموقفهم من الامام به.

وهكذا حين يتكلمون عن ما يسمونه انتظاراً إيجابياً مثلاً فهم في الحقيقة يفرغون الانتظار من محتواه الحقيقي، بل يضيعون هويته تماماً.

فالانتظار الذي ثقفت به أحاديث أهل البيت عليهم السلام يُقصد منه ترقب الإمام وعدم القبول بأي بديل له، وبأي صيغة، أو ذريعة كانت، وبالتالي فهو الانتظار الكفيل بتربية وتثقيف الأمة على إزالة سبب الغيبة. ولكنهم – ومن خلال ما أسموه بالانتظار الايجابي – جعلوه مرادفاً لعدم الانتظار تماماً. فالانتظار الايجابي كما يسمونه يعني بالنسبة لهم الانخراط في المشاريع السياسية والفكرية التي تقع في صلب وظيفة الإمام، وبالتالي شغل منصبه من قبل أناس آخرين، وربط الناس بهؤلاء الناس، لتتحقق أكثر صور الإعراض بشاعة وقسوة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى