الإفتتاحية

ذبها برقبة عالم

imagesمن منكم لم يسمع بهذا المثل السيئ ذائع الصيت؟

لا أظن أحداً لم يسمع به، فإن لم يكن أحد منكم سمع به مرة أو مرتين، فلابد أن يكون قد سمع به مرات كثيرة!

وإذا كانت الأشياء تتوفر بكثرة إذا ما كثُر الطلب عليها، واشتدت الحاجة لها، فإن كثرة تداول هذا المثل السيئ تدل حتماً على كثرة استعماله، وطلب متزايد عليه.

وبطبيعة الحال التشبيه كما يقرب من جهة يُبعّد من جهة أخرى، فتشبيه كثرة دوران المثل بالتداول السلعي يبعدّ بعض الشيء باعتباره ربما يوحي بأن الناس هي من تطلب المثل، وهي من تحتاج للمعنى الأفيوني الذي ينطوي عليه، بينما الحقيقة أن من يحتاجه كثيراً، ويسوّق له ليلاً ونهاراً هو فئة قليلة معروفة، ذات مصلحة تقتضي نفي وعي الناس بعيداً جداً عن شمس الله المنيرة.

المثل – كما أتوقع أن يلاحظ بعضكم – يمكن الدفاع عنه، وتقديم فهم غاية في الروعة له، بأن يُقال أن مصداق العالم فيه هو من لا يدخل الناس في باطل ولا يخرجهم من حق، وهو المعصوم وحده. ولكنكم – كما أتوقع أيضاً – لن تجادلوا بهذا المعنى، بل ربما لن يفكر أيّ منكم بعتابي حتى لو كنت قد تجاهلته، ولم أنوه عنه، فأنتم تعلمون جيداً أن المخادعين الذين أعدوا لكل حق باطلاً، ولكل عدل مائلا، لا يقصدون هذا المعنى المحترم بكل تأكيد.

فإذا كان هذا المعنى مبني على مقدمات سليمة للغاية، تتمثل بمعرفة عصمة العالم ثم بعد ذلك التسليم له، فإن الجهة المسؤولة اليوم عن كثرة تداول المثل تستغله لتمرير معادلة مقلوبة تماماً. فهم بعد أن كرسوا في أذهانكم عبر سنوات طويلة بعض المفاهيم غير الدقيقة، بل المغلوطة عادة، من قبيل الصاق لقب (عالم) بأشخاص لا يوجد ما يثبت أنهم يستحقونه سوى تسربلهم بزي فلكلوري ما، أو دراستهم في مدرسة، أو مؤسسة ما، وبعد أن أفهموكم – بعيداً عن البرهان، بل بعيداً عن عين وعيكم النائمة – بأنكم مجموعة من الرعاع التي لا يحق لها أن تقرر أي شيء يتعلق بمصيرها، يريدون منكم أن تسلموا للمعادلة التالية: إن كل من أفهموكم أنه عالم فهو لا يدخلكم في باطل، وعليكم بالتالي تسليمه الزمام، والحبل المعلق بالخطام!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى