زاوية العقائد الدينية

العلمانية أم الإسلام

المقولة الأساس التي تتقوم بها العلمانية هي مقولة فصل الدين عن الدولة ، وهذه المقولة تعني في أبعادها الحقيقية أن العلمانية نظام حياة لا يؤمن بعقيدة دينية محددة ، ولا يتقيد بفلسفة أو آراء اجتماعية معينة ، فما يدعو له العلمانيون هو (( دولة علمانية تقوم على أساس مجتمع مدني وعقد اجتماعي يضمن الحريات وحقوق الإنسان ، وديمقراطية يبنونها على أساس الحرية والإخاء والمساواة في دولة قانون ومؤسساته )) ويروج العلمانيون لفكرتهم بالقول أن (( العلمانية هي كما نوهنا إذا آلية لفصل الدين عن الدولة والقضاء على الطائفية المذهبية المقيتة ، والمحافظة على جميع الديانات وأتباعها ، في وفاق ووئام وشرف وكرامة . . ولكنها في نفس الوقت ” أساس ” يقوم عليه المجتمع المدني والديموقراطية بكل ما يحملانه من فلسفات عميقة ، أخلاقية كانت أم اجتماعية ، أم تربوية ، أم إنسانية . . . العلمانية لا تنفي أي طرف من أطراف المجتمع ، بل هي مجتمع يتحلى بجميع أطياف اللون . هي مجتمع بشري يمارس فيه كل شخص عقيدته بحرية وكرامة

وشرف دون أن يفرض ما يظنه حقيقة في عرفه على الأشخاص الآخرين . . أما الرئيس العلماني أو الوزير فإنه يحكم بموجب ” الدستور ” والعقد الاجتماعي والديموقراطية التي يبنيها المجتمع المدني الذي لا يستطيع أن يقوم بغير العلمانية . والدستور والديموقراطية مبنيان على ” العقل ” و ” الإرادة العامة ” لأبناء هذه الدولة الدولة العلمانية دولة محايدة على الصعيد الديني . . دولة لكل أبنائها لا تجعل من واحد منهم ابن حرة والآخر ابن أمة . . ليس هناك دين للدولة العلمانية ، فدينها هو حقوق أبنائها وواجباتهم تجاهها ، وحقوقها وواجباتها تجاه أبنائها . . وليس من مهام الرئيس أو الوزير أو القائد في الدولة الديموقراطية العلمانية أن يحكم بموجب عقيدته ، بل هو يخرج عن مضمون الدولة والنظام ويتنكر لأصولهما عندما يفعل ذلك )) .  

لعله واضح تماماً أن الطرح الذي بين أيدينا ينهل من منابع اليوتوبيا أو الخيال فهو يصور المجتمع الإنساني الذي تتحرى العلمانية تحقيقه مجتمعاً سعيداً ، ينعم فيه الجميع بالحقوق والحريات المتساوية ، وإذا كنت استخدمت كلمة يوتوبيا هنا فلأني أرى اليوتوبيا أو الحلم أو الطموح والتطلع محركاً جوهرياً للحياة ، فالإنسان في الحقيقة لا يكف عن اليوتوبيا حتى تكف الإبل عن الحنين ، وليس ذلك إلا لأنه لا يمكنه الكف عن التطلع للكمال والمطلق والمثال ، هذا ما دعاني لتصوير ما يفترضه العلمانيون مجتمعاً تحققه العلمانية باليوتوبيا ، وإلا إذا شاءوا الحديث عن الخرافة فلا أدري كيف تكون الخرافة إن لم تكن بالصورة التي يراها العلمانيون لمجتمعهم الحلم الذي لا نجد نظيراً له حتى في حكايات الجنيات !

نعم الحق إن العلمانيين وإن ظنوا أن عقولهم تتحرك وفق معادلات الكيمياء والفيزياء والرياضيات ، إلا أنهم مثلنا نحن البشر المساكين تسرح بهم الأحلام وقد تنأى بهم بعيداً في مسافات الخيال القصية ما أن يتحسسوا مرارة الشرط القاسي لوجودنا المادي ، وهم شأنهم شأن أفلاطون والفارابي حاولوا بناء مدينتهم الفاضلة ولكنهم لقصور في عقولهم ضلوا الطريق ، ولعلهم في دخيلتهم يشعرون بفشلهم هذا ولكن قوة الحلم كانت دائماً ما تبتكر لهم من المعالجات ما يحثهم على مواصلة الطريق .

هل تساءل العلمانيون يوماً لماذا كان البشر دائماً يملكون عقائد دينية وفلسفات وآراء إجتماعية ، وهم على استعداد كامل لتقديم أعز ما يملكون دفاعاً عنها ؟ أليست العلمانية تقدم نفسها على أنها الحل الناجع لمشكلات التجمع البشري الناشئة من تعدد الإعتقادات وتناقضها ، فعلى أي أساس فكري أو عقائدي يتخلى الناس عن عقائدهم لمصلحة فكرة اللاعقيدة أو العقيدة العلمانية ؟

قد تجادل العلمانية بالقول إن ضرورة التجمع البشري تقتضي مثل هذا التخلي أو التنازل عن العقيدة ، فأقول على الرغم من إننا قد لا نعثر على مثال واحد لإنسان – حاكم أو محكوم – تخلى عن عقيدته تماماً بسبب إيمانه بالعلمانية ، بل الأمثلة على العكس لا تحصى ، أقول رغم ذلك فإن العلمانية – كما هو واضح – تختصر الوجود الإنساني بالوجود المادي فقط ، وهذا يعني إنها تعاني قصوراً كبيراً في ما يتعلق بتحقيق واقعية الوجود الإنساني ذي الإمتداد الذي يتجاوز كثيراً وجوده المادي .

ولن يكون حلاً صحيحاً ما تفترضه العلمانية من إمكان أن يحل الإنسان مشكلته مع خالقه بعيداً عن الشارع الإجتماعي ودون أن يتدخل في شؤون الآخرين أو يحاول إقناعهم برؤيته الكونية أو فرضها عليهم فالإسلام على سبيل المثال ليس ديناً ذا طقوس ومراسيم فردية وعبادية فحسب ، بل هو دين حياة شامل ، وتعطيل أي حد من حدوده يعني إفراغه من روحه وحقيقته ، فالإسلام من هذه الناحية نقيض للعلمانية ، وهي نقيض له تماماً ، فالإسلام لا يمكنه إلا أن يتدخل في الحياة وتصريف شؤونها وبالنتيجة ينفي العلمانية ، والعلمانية هي بدورها تسعى لنفيه عبر تعطيله أو حرفه .

وليس صحيحاً ما يقال إن العلمانية والديمقراطية مبنية على العقل فالحقيقة إن مصدر القوانين الوضعية هو أحكام عقلائية لا عقلية والمقصود من الأحكام العقلائية هي تلك الأحكام العملية التي تستند إلى عرف العقلاء ، فهي ناتجة من تفكير العقلاء لا من ذات العقل (( واصل المشكلة إن الإنسان لم يعرف نفسه فتكبر وتجبر ، وظن أن ظل العقل الذي أودع فيه هو عقل تام فتوهم أن عقله معصوم أو انه يستطيع أن يعصم عقله بعقله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:6-7) ، فتوهم بديهية ( كما ادعاها كفرة اليونان ) ووضع نظرية قال إنها الحق المبين والصراط المستقيم ، لا يخالفها إلا جاهل أو مجنون ، لان أكثر الناس قبلوها ، والله يقول : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الأنعام:116) .

ويقول : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) (المؤمنون:70)

فالأنبياء والأوصياء بحسب هؤلاء جهلة ومجانين ، حاشاهم من ذلك وصلوات الله عليهم فقد عاشوا غرباء بين الناس فليت شعري من المجنون ومن العاقل ، فعند أهل الأرض أنهم هم العقلاء ، والأنبياء (ع) مجانين وعند أهل السماء الأنبياء (ع) الغرباء هم العقلاء ، فنبي الله ذو الرس لم يصدقه ولا واحد من أهل زمانه بل كذبوه بأجمعهم وبحسب نظرهم أنهم هم العقلاء العلماء وهذه هي آفة بني آدم التي أردتهم في هاوية جهنم وجعلتهم يحاربون الأنبياء والأوصياء على مدى العصور ويتهمونهم بالجهل والجنون ومخالفة العقلاء كما أوهمهم الشيطان (لعنه الله) بذلك (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:36) ، (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) (الدخان:14) ، (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذريات:39) ، ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذريات:52) ، (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (القمر:9) ، والله يقول (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) (الطور:29)

فبربكم من تريدون أن نصدق الله وسكان سماواته أم أهل الأرض ،لا والله لا نختار على تصديق الله سبحانه وتعالى شيئاً صدق الله ورسوله هذا ما وعدنا الله ورسوله ، فأهل الأرض هم المجانين على كثرتهم والأنبياء الغرباء هم العقلاء على قلتهم .

والحق ولا أقول إلا الحق إن ظل العقل الذي عند بني آدم ترد عليه أوهام الشياطين من الأنس والجن كما يرد عليه الحق من الملائكة والصالحين فلابد للإنسان من عاصم يميز به الحق ليتبعه فان كان نبياً أو وصياً كان العاصم هو الله سبحانه وتعالى

(إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجـن:27-2 .

أما غير الأنبياء والأوصياء (ع) فلا عصمة لهم إلا بالأنبياء والأوصياء (ع) ، ولا حيلة لهم إلا إتباعهم واقتفاء آثارهم فان اعرضوا عنهم (ع) تخبطوا العشواء وخاضوا في الجهالات والأوهام ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف: 104) ، ويحسبون جهالاتهم وأوهامهم هي تمام العقل والعلم والكمال وهي الشيطنة والجهل والنقص ، وكما عبر الإمام الصادق (ع) عن عقولهم بأنها النكراء والشيطنة (راجع الكافي ج1) .

لان العقل ما عبد به الرحمن واكتسبت به الجنان ، ولا تكسب الجنان ولا يعبد الرحمن إلا بإتباع واقتفاء اثر صاحب العقل الكامل المعصوم من الله وهو حجة الله على خلقه ولا يكون إلا نبي أو وصي وبإتباعه واقتفاء آثاره تكمل العقول وتعصم بفضل الله وفضله (ع)

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) .

فهذا ظل العقل إن أودعه ابن آدم الجواهر من العلم والمعرفة بالله والحق من إتباع حجة الله واقتفاء أثره ارتقى به في ملكوت السماوات الست حتى يصل إلى تمام العقل في السماء السابعة الكلية فيكون من المقربين . سبحان الله إن وعد ربي كان مفعولا .

ومع الأسف كل الناس يعملون لإطعام أجسادهم وقليلون هم الذين يطعمون أرواحهم ، وأكثر الناس لا يهتمون لمعرفة الحقيقة ويهتمون للدنيا ولانفسهم وقليلون هم الذين يهتمون لمعرفة الحقيقة واقل منهم الذين يعرفون الحقيقة واقل الذين يعملون للوصول للحقيقة وقليلون يصلون للحقيقة )) . من هنا نحن نقول بمبدأ حاكمية الله وإن (( الذي يضع القانون هو الله سبحانه وتعالى وهو الخالق لهذه الأرض ومن عليها ويعلم ما يصلح أهلها وسكانها من إنس وجن وحيوانات ونباتات وغيرهم من المخلوقات التي نعلمها ولا نعلمها ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل وما يصلح الجسم والنفس الإنسانية وما يصلح الجنس الإنساني ككل فالقانون يجب أن يراعي الماضي والحاضر والمستقبل والجسم والنفس الإنسانية ومصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ومصلحة باقي المخلوقات بل يجب أن يراعي حتى الجماد كالأرض والماء والبيئة …الخ ومن أين لغير الله سبحانه وتعالى أن يعرف تفاصيل كل هذه الأمور مع أن كثير منها غائب عن التحصيل والإدراك أي لا يمكن العلم به ومعرفة صفاته ..الخ ثم لو فرضنا أن أحد ما عرف كل هذه التفاصيل فمن أين له أن يضع قانون يراعي كل هذه التفاصيل مع أن بعضها يتناقض في أرض الواقع فأين تكون المصلحة ؟ وفي أي تشريع ؟ من المؤكد أنها لن تكون إلا في القانون الإلهي والشريعة السماوية لأن واضعها خالق الخلق وهو يعلم السر وأخفى وهو قادر أن يجري الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون . كما إنه لاشك إن القيادة كيفما كانت ضمن نطاق حاكمية الناس دكتاتورية أو ديمقراطية أم ضمن نطاق حاكمية الله سبحانه وتعالى فهي تؤثر تأثير مباشر في المجتمع الإنساني لأن المجتمع مقهور على سماع هذه القيادة على الأقل فطرياً لأن الإنسان مفطور على إتباع قائد معين من الله سبحانه وتعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) وهذا القائد هو ولي الله وخليفته في أ رضه فإذا دُفع ولي الله عن حقه وتشوشت مرآة الفطرة الإنسانية بغبش هذه الحياة الدنيا قبل الإنسان بأي قيادة بديلة عن ولي الله وحجته على عباده ليسد النقص الواقع في نفسه وأن كانت هذه القيادة البديلة منكوسة ومعادية لولي الله في أرضه وحجته على عباده فالإنسان عادة يستمع للقيادة المتمثلة بالحاكم ولن تكون القيادة إلا أحد أمرين أما ولي الله وحجته على عباده وهو الحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى وإما غيره سواء كان دكتاتوراً متسلطاً بالقوة الغاشمة أم منتخباً انتخابات ديمقراطية حرة , والحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله لأنه لا يتكلم إلا بأمر الله ولا يقدم ولا يؤخر شيء إلا بأمر الله , أما الحاكم المعين من الناس أو المتسلط عليهم فهو لا ينطق عن الله سبحانه وتعالى قطعاً , وقد قال رسول الله (ص) مامعناه ( من أستمع الى ناطق فقد عبده فأن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وأن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) فلا يوجد إلا ناطق عن الله وناطق عن الشيطان لا ثالث لهما وكل حاكم غير ولي الله وحجته على عباده ناطق عن الشيطان بشكل أو بآخر وكل بحسبه وبقدر الباطل الذي يحمله . وقد ورد عنهم (ع) هذا المعنى ( إن كل راية قبل القائم هي راية طاغوت ) أي كل راية صاحبها غير مرتبط بالقائم (ع) . إذن فالحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله والحاكم غير المعين من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الشيطان ومن المؤكد أن الناطق عن الله يصلح الدين والدنيا والناطق عن الشيطان يفسد الدين والدنيا .

بقي إن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في النفوس ويعلم الصالح من الطالح، فهو يختار وليه وخليفته ويصطفيه ولا يكون إلا خيرته من خلقه وأفضل من في الأرض وأصلحهم وأحكمهم وأعلمهم ويعصمه الله من الزلل والخطأ ويسدده للصلاح والإصلاح .

أما الناس فإذا عارضوا تعيين الله سبحانه وتعالى فلن يقع اختيارهم إلا على شرار خلق الله بل إن في اختيار موسى (ع) وهو نبي معصوم لسبعين رجلاً من قومه أعتقد صلاحهم ثم ظهر وبان له فسادهم عبرة لمعتبر، وذكرى لمدكر، وآية لمن ألقى السمع وهو شهيد . وبما أن القانون والحاكم في حاكمية الله سبحانه يتمتعان بالكمال والعصمة فعلى هذا يترتب صلاح أحوال الناس السياسية الاقتصادية والاجتماعية , وهذا لأن جميع هذه الجوانب في حياة الناس تعتمد على القانون والحاكم لأن القانون هو الذي ينظمها والحاكم هو الذي ينفذ فإذا كان القانون من الله سبحانه كان التنظيم لهذه الجوانب هو الأفضل والأكمل وإذا كان الحاكم هو ولي الله وخليفته في أرضه وخيرته من خلقه، كان التطبيق للقانون الإلهي كامل وتام وفي أحسن صورة .

وبالنتيجة فإن الأمة إذا قبلت حاكمية الله في أرضه فازت بخير الدين والدنيا وسعد أبناءها في الدنيا والآخرة وبما أن الأمة التي تقبل حاكمية الله في أرضه يرتفع من أبناءها خير ما يرتفع من الأرض إلى السماء وهو تولي ولي الله والإخلاص له فإنه ينزل عليها خير ما ينزل من السماء الى الأرض وهو التوفيق من الله سبحانه وتعالى وتكون هذه الأمة من خير الأمم التي أخرجت للناس لأنها قبلت ولي الله وخليفته في أرضه . ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (الأعراف:96) وتتفاضل الأمم على قدر قبولها لخليفة الله في أرضه والانصياع لأوامره .

ومن هنا كانت الأمة التي تقبل الإمام المهدي (ع) هي خير أمة أخرجت للناس ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ) (آل عمران: من الآية110) . وهؤلاء هم الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب القائم ومن يتبعهم .

أما إذا رفضت الأمة ولي الله وخليفته في أرضه فإنها تكون ارتكبت أكبر حماقة وخسرت الدنيا والآخرة ففي الدنيا ذل وهوان وفي الآخرة جهنم وبئس المهاد .

وما أريد أن أؤكد عليه أخيراً هو أني لا أعتقد أنه يوجد من يؤمن بالله سبحانه وتعالى ثم إنه يعتقد أن القانون الذي يضعه الناس أفضل من قانون الله سبحانه وتعالى و أن الحاكم الذي يعينه الناس أفضل من الحاكم الذي يعينه الله سبحانه وتعالى .. والحمد لله وحده .. ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) ( الفرقان 41 – 42 ) )) .

………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….

(صحيفة الصراط المستقيم-العدد 3-السنة الثانية-بتاريخ 10-8-2010 م – 29 شعبان 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى