خبر عربي وإسلامي

عن الصغير والإنتخابات والسيستاني

هل تذكرك المواسم الإنتخابية بشئ ؟ 
ليس مهماً بالنسبة لمقالي أن تكون الإنتخابات مرتبطة بذاكرتك بشئ ، فبقدر تعلق الأمر بما أريد كتابته يهمني حقاً أن أتصور حجم القلق الذي تسببه الإنتخابات لجلال الصغير ومن يقف وراءه وأمامه . 

فالإنتخابات بالنسبة للصغير هي موسم حضور الأسئلة الصعبة .. مع موسم الإنتخابات تحضر الأسئلة المؤجلة كغيمة قلق غامضة ؛ ما الذي قدمناه للناس ؟ ما الذي يدور في أذهانهم ؟ بأي شعار أو قضية نخاطبهم ؟ 
أسئلة بالغة الصعوبة بلا شك بالنسبة لرجل لا يملك الإجابة ، بل إنه بقليل من مصارحة الذات يملك إجابات سلبية تماماً . 
أتذكر كتاباً قرأته لجان بول سارتر يقول فيه ما مضمونه : إن الإنسان يحاول التخلص من الأسئلة الصعبة ، أو المواقف المحرجة التي يدرك تماماً عدم قدرته على مواجهتها من خلال اجتراح حل سحري يتمثل آلية الهروب ، وليس بالضرورة هو الهروب المادي ، بل هو بالأحرى الهروب النفسي ، فإذا كانت شروط الواقع صعبة لا تطاق يتم ترحيل الوعي الى عالم آخر نقيض تماماً ، ولكنه هذه المرة عالم موهوم .. عالم أحلام اليقظة ، وأتذكر أنه يضرب مثلاً مفاده إن الإنسان حين يواجه أسداً ( أسد حقيقي وليس أسد العراق الكبير ) يُغمى عليه من شدة الخوف وهذا الإغماء هو الحل السحري الذي يواجه العقل به الموقف الصعب ، فالإغماء ينفي الواقع الصعب كلياً فلا يعود له وجود مطلقاً .
هذا النمط من الحلول السحرية يبدو أن الصغير وجماعته قد عثروا عليه – ربما عثروا به وهم لا يشعرون – ومن يتأمل كلمة الصغير التي دعا فيها أهالي العمارة إلى انتخاب قائمة الإعتلاف قائلاً : (ستظهر الكثير من الرايات واليافطات وعلينا أن ننتخب راية أسد العراق الكبير السيد السيستاني ) ، يدرك أي نوع من الحلول السحرية توصل له الصغير .
فبضربة واحدة هرّب الصغير كل قلقه ، وأجاب عن كل الأسئلة الصعبة ، واعداً الناس بأنهم سيمنحونهم سيستانياً أسداً يكنس المفخخات عن طرقاتهم ، ويمنح أطفالهم وقتاً أضافياً للعب بلبدته الوفيرة ، وهذا يكفي ، فالمتبقي من المشكلات الكثيرة يمكن تأجيله الى وقت آخر ، وهل التأجيل إلا ثقافة عراقية أصيلة ! 
أحاول الآن مخلصاً أن أتصور السيستاني أسداً ، ولا أخفيكم إن صوراً مضحكة تخطر في بالي ، صوراً عن أسود في السيرك ، وأخرى من عالم الرسوم المتحركة ، ولو استعرت شيئاً من عالم محمد خضير البهيج لقفز في رأسي أسد حزين تسجنه السجادة المعلقة على الجدار . لكم أن تتخيلوا أسوداً بوضعيات مختلفة ولكنكم – كما أتوقع – سترعبكم صورة الأسود الغاضبة في لوحات ديلاكروا ، وأكاد أجزم بما تبقى لي من صبر على ثورة الضحك الذي يراودني بأن أحداً منكم لن يتصور السيستاني أسداً يدرج في حقول السافانا الأفريقية الشاسعة .
دعوني أحدثكم عن الصورة التي استقر عليها رأيي ، وهي صورة سأستلها من الواقع الأسطوري الذي يعيشه السيستاني .. أتصور أسداً يقبع في سرداب طويل من سراديب مدينة النجف ، تحيط به الرطوبة والظلام الدامس ، الأسد أعجف تستطيع أن تعد ضلوعه ، بإمكانكم إضافة تفاصيل أخرى للصورة ( قد يحاول أحدكم استثمار ما عُرف عن فم الأسد من بخورة ليعلل من خلالها الصمت السيستاني الرهيب ، ولكني سأعتبر هذه محاولة تنطوي على شئ من الخبث ) ، لن أكتفي بهذه الصورة فهي لا تحقق لي غرضي ، سأنتقل خطوة أخرى في الخيال .. أتصور الأسد السيستاني الآن يملك قدرة عجيبة على بث الظلام السردابي الذي يعيش فيه ، وبتوضيح أكثر أقول إن الظلام السيستاني يملك خاصية الإلتصاق بجدران الوعي كالقار تماماً ، ويستبطن قدرة سحرية على تعطيل الذاكرة والمشاعر ولا بأس بإضافة مصابيح النيون تحديداً .
لعلكم لاحظتم إنني أحاول أن أقترب بالصورة من فكرة فرويد عن العقل الباطن ، فبحسب فرويد يكمن هناك في الأعماق القصية للنفس الإنسانية ذلك الكائن الغامض ( لنقل الخرافي – بمعنى ما ) الذي تشكل كل مظاهر السلوك البشري تجليات محرفة له ، ولكنها في نفس الوقت تكشف عنه . 
الدلالة التي أريد توصيلها إذن يمكنكم اقتناصها إذا ما تصورتم السرداب النجفي الطويل .. المظلم والرطب على أنه سرداب الوعي العراقي ، حيث تكمن في أعماقه القصية كومة العقد والمخاوف السيستانية ، ترسم له آفاق حركته وتحدد مصيره المأساوي عادة ، بل بالضرورة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى