زاوية العقائد الدينية

أيها المثقفون لا تصادروا الغيب بدعوى رفض الخرافة!!

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا يريد المثقفون عندما يضعون الخرافة مع الإيمان بالغيب في سلة واحدة؟! سؤال مازال إلى اليوم يشكل عقدة لدى المتنورين عموما الذين أعلنوا الانسلاخ من سلطة المؤسسة الدينية بدعوى رفض الاستبداد والتسلط الديني ، وعلى الرغم من أن الدافع لهذا الانسلاخ له ما يبرره فالسلطوية والاستبداد هما نهج سقيم يدلل على الرغبة الجامحة في استفراغ (السلطة) لعقدها ونواقصها في ساحة الجمهور وتمارس عليها كل ما من شأنه تخليصها من الشعور القاتل بالنقص ولذلك وفي هذه المساحة المضطربة تنبت أشواك الخراب في النفوس ،

وتخنق كل محاولة صالحة من شأنها فضح ما تفعله المؤسسة الدينية المتسلطة في الجمهور الذي تتملقه في أوقات الأزمات من خلال سلة الأماني التي تنثرها على رؤوس المستحمرين بجنة تستثير الشهوات ، وتحفز الرغبات ، وتصادر تعب الواقع بأمان لن تأتي!!
من حق المثقف بل الواجب عليه أن يفضح هذا النهج الاستلابي الذي تمارسه السلطة الدينية المنحرفة لأنه أخطر من كل الأوبئة التي على ظهر الأرض أو في باطنها ، ولكن أيضا على المثقف أن لا يأخذه شعوره بالأذى من ذلك النهج الاستلابي إلى أن ينهج نهجا راديكاليا يكشف عن ردة فعل تساوي الاستلاب في المقدار وتعاكسه في الاتجاه ، فهذا التطرف في النظر إلى الدين وجعله الشماعة لحمل وسخ البشرية وانحرافاتها النفسية فيه ظلم كبير ، وانغماس في مستنقع الضياع أكثر ، وهذا ما تريده السلطة الدينية من وراء نهجها في العمل فهي تريد تقسيم الناس إلى فسطاطين ؛ قسم مستلب تتلذذ باستلابه ، وقسم ثائر يثور على ذلك الاستلاب ويأخذ أشكالا متعددة في المعارضة والمقاومة ، وتعلم السلطة الدينية تماما أن لا حياة لها إلا بوجود هذين القسمين ففي من يواليها تستفرغ شهواتها وتتلذذ بطاعته واسترقاقه ، وفي من يعارضها تستفرغ نقصها وترميه على شماعة أعدائها الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا بهذا الطرف المخدوع الذي أكيداً هو يقدم خدمة كبيرة لاستدامة حياة النهج الاستلابي شعر بذلك أو لم يشعر ، بل لعل السلطة الدينية ـ إذا ما وجدت خفوت في الجانب المعارض ـ تعمل على تجنيد من يثير الانتقادات الحادة لها وترضى له أن ينشر بعضا من غسيلها الوسخ ليؤكد على مصداقيته في النهج المعارض ويستميل إلى طرفه أولئك الذين يدفعهم الحنق على السلطة الدينية كي يذهبوا بالشعلة التي أوقدها بعيداً لتحرق الأخضر واليابس بل وتأخذ الأخضر بسعر اليابس لأن الغضب أعمى كما يقال!!!
ولعل المثقفين لا يعلمون أن السلطة الدينية المنحرفة عندما تلبس عباءة الدين هي تريد من منتقديها أن يهاجموا الغيب ويسقطوه من حسابات الناس تماما لأنهم يعرفون ـ رجال الدين المنحرفون ـ أن الغيب طالت أو قصرت سيفضحهم وسيبين للناس أنهم يتاجرون بالدين للدنيا حيث تصير تصرفاتهم بدرجة لا يمكن تأويلها ولا تحويلها ، فيظهر من فسادهم ما يأنف منه من لا أدب له ولا خلق ، وهذا ما حصل ـ كشاهد حاضر ـ لمرجعية النجف بكل رموزها ، حيث استبان للأعمى أنها مؤسسة تضم شلة من اللصوص والشهوانيين لا علاقة لهم بالدين لا من قريب ولا من بعيد ، ولا حظ لهم فيه سوى العباءات التي يرتدونها ولكنها لم تخف خزيهم ، واللحى التي شابهوا فيها حاخامات اليهود الذين اتخذوا من الرذيلة سبيلا للمتاجرة ، وسلاحا يقتلون به الضعفاء ، فالسيستاني وشلته اليوم صاروا أشهر من صاحبات الرايات الحمر في الفساد في الجاهلية ، فعندما يصل الحد بالسيستاني أن يجعل من مؤسسة الزواج المقدسة مجالا لامتهان الرذيلة عندما يفتي (بجواز اتخاذ زواج المتعة مهنة تمتهنها المرأة) فهذه الفتوى لا تحتاج إلى ثاقب نظر أن مفتيها لا علاقة له بالإنسانية فضلا على أن يكون رجل دين ، وذلك لجملة من الأسباب منها على سبيل المثال لا الحصر ؛
1- يعمل هذا المرجع الفاسد إلى إعادة مؤسسات الرذيلة التي كانت شائعة في الجاهلية الأولى ويسمح بإعادة (صاحبات الرايات الحمر) بعدما طهر الإسلام الناس من تلك الرذيلة ، ولكن ـ ويا للأسف ـ السيستاني يحاول إعادتها من خلال إفساده لمؤسسة الزواج ، وربما ينتفض بعض المثقفين ويقولون أن السبب هو في وجود (زواج المتعة) في الشريعة الإسلامية ، ويغفل أولئك أن هذا التشريع لم يتركه الخالق سبحانه هكذا لأهواء الناس يكيفونه على ما يشتهون ، بل جعل له ضوابط تبين أنه (زواج) (زواج) (زواج) أكررها ثلاثا ليفهم القارئ أن هذه العلاقة بين الرجل والمرأة هي في ساحة الزواج المقدسة ، وما يفرقها عن الزواج الدائم ؛ إنها زواج شرعي ولكن إلى أجل مسمى وبضمن شروط وضوابط لا يمكن للسيستاني ومن لف لفه اللعب بها أو التحايل عليها ، أما ما يفعله فقهاء السوء اليوم وزبانيتهم من استفراغ للشهوات باسم هذا الزواج فهو زنا واضح لا يحتاج إلى دليل ، لأنه مناف تماما للقواعد الأخلاقية للزواج من جهة ومناف للقواعد الأخلاقية الإنسانية التي تحترم المرأة وتضعها في الموضع الذي أراده لها خالقها سبحانه ، فالدين يريد من المرأة أن تكون مثل فاطمة الزهراء(ص) التي سماها ربها سبحانه بسيدة نساء العالمين ، كما يريد من الرجل أن يكون مثل محمد(ص) خلقا ومنطقا وعملا ومعرفة ، ولذا فهؤلاء الفقهاء العميان وزبانيتهم اللاهثين خلف الشهوات يغفلون عن هذه الحقيقة التي يبينها المثل الدارج بوضوح تام (من دق باب الناس دقوا بابه) ، ومن ينتبه إلى هذا الوصف الذي توصف به المرأة نسبة إلى أبيها أو عائلتها حيث توصف بـ(كريمة فلان) أو (كريمة آل فلان) بمعنى أن المرأة هي عنوان كرامة ، والسيستاني اليوم يهدر كرامته وكرامة من يتبعه بهذه الفتاوى ـ إن كانت له كرامة ـ قبل كرامة غيره ، فمن يسير في قافلة السيستاني هو كذلك يعلن عن أنه لا كرامة له ، ومن ثم يريد السيستاني ومن لف لفه أن يستغلوا الدين لاستفراغ بهيميتهم ، ورداء الدين الحق أطهر من ذلك وأعف وأعلى وأجل .
2- إن هذه الفتوى أسقطت كل الأعذار التي يحاول المتمحلون على الحقيقة نسجها حول شخصية (دجال سجستان) الذي وصفته روايات آل محمد(ص) وبينته بأوضح بيان ، وكون هذا الدجال هو علامة من علامات آخر الزمان وعلى الناس أن تنتبه وتحذر ، فهل هو ذنب الدين الذي حذر من اتباع هذا الدجال أو هو ذنب الناس في تجاهل تحذير الدين؟؟؟!!
3- إن من يعود إلى مرويات الطاهرين محمد وآله(ص) يرى بأم عينه أن رسول الله(ص) قال [يأتي زمان على أمتي لا يبقى من الإسلام إلا إسمه ولا من القرآن إلا رسمه ، يسمون به وهم أبعد الناس عنه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء ، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود .] ماذا تريدون من الدين بعد؟؟!! فها هي نصوصه الشريعية تصف لكم الواقع الفاسد وصفا دقيقا لا يحتاج إلى تعليق أو توضيح ، وربما يتقول الفقهاء الضالين على هذه الرواية يحاولون التشكيك بسندها ، فأقوى دليل على صحة صدورها من المعصوم(ص) هو انطباقها التام على الواقع ، وهذا من مبتنياتهم في قبول الرواية ، وها نحن نرى بأم العين انطباق الأوصاف التي بينها الرسول(ص) كونها أوصافا دالة على فساد الناس وعلى رأسهم فقهاؤهم ، بل بينت أنهم أصل الفتنة ومآلها .
ما يؤخذ على المثقفين الذين آثروا الانسلاخ عن الدين بذريعة الثورة على النهج الاستلابي هو أنهم لم يكونوا ثائرين حقيقيين وواقعيين ، ولم يستفيدوا من تجارب من سبقهم بهذا الميدان ـ وأعني بهم الغربيين الذين شكلوا مصدر إعجاب لهم ـ فالغربيون حاولوا وهم ينتفضون على سلطة الكنيسة المقيتة أن يستأصلوا كل ما هو ديني (غيبي) فوجدوا أنفسهم في نهاية الطريق أنهم ارتكبوا حماقة كبيرة ، لأن ارتباط الناس بالدين هو ارتباط فطري (أي الدين هو أصل الخلقة) ومن دون الدين لا يبقى لهذا المخلوق المسمى (إنسان) قيمة تذكر في خارطة الخلق الإلهي ، فأذعنوا أنهم لا طاقة لهم بمواجهة الدين ولكنهم أنفوا من العودة إلى الحق وها هم يحصدون ثمار هذا التعالي والتكبر حيث وقعوا فيما أعلنوا أنهم يأنفون منه وهو الاستلاب الفكري والعقائدي ، فضاعت حريتهم التي توهموا طلبها خارج ساحة الدين بدعوى فساد المؤسسة الممثلة له ، مع أنه لا أحد يستطيع أن يجد نصا شرعيا واحدا قطعي الدلالة ـ كما يصطلحون ـ يأمر الناس باتباع الفقهاء ورجال الدين استناداً إلى ما يقولون أو إلى طول لحاهم أو استنادا إلى زيهم أو استناداً إلى ما يظهرون!! بل على العكس تماما نرى تحذيراً ، ونرى من الشريعة تحديدا وتسمية ووصفا وتعريفا بمن على الناس طاعته والسماع له والانصياع لأمره ، ولم تأمر الشريعة بطاعة الذين لا عصمة لهم من الله سبحانه ولا نص فيهم من أوليائه(ع) ، بل أمرت بطاعة المعصومين(ع) الذين هم رسل الله وحججه على خلقه ، قال تعالى{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}(النساء/165) ، ولكن للأسف على طوال المسيرة البشرية يترك الناس من هو حجة لله سبحانه عليهم ويذهبون لاهثين خلف سلطة الاستبداد الديني ممثلة بعلماء السوء الذين تزيوا بزي الصالحين ، وانطوت أنفسهم على شهوات الفاسدين ، فاتخذوا مال الله دولا ، واتخذوا عباد الله خولا ، ولو عاد الناس إلى النصوص الواردة عن رسل الغيب لاستبان لهم الحق وتبينوا الحكمة ، فلا يأتي من الغيب إلا الحكمة ولا شيء غيرها ولذا أخطأ المثقفون خطأً فادحا أعانوا به منهج الاستلاب على الحياة أطول عندما نفروا من الدين وعارضوه كاملا فرفضوا الغيب بزعم أنه خرافة ، وواقع الحال يقول أن الخرافة هي نتاج السفه والجهل ، والغيب وما يأتي منه هو الحكمة والعلم الحق ، وهل يقول أحد اليوم حتى من المثقفين أن علي بن أبي طالب(ص) كان يتكلم بغير الحكمة؟؟!! لا أحد يقول ذلك أبداً ، وعلي(ص) هو رسول من رسل الغيب ، ومعلم من معلمي الغيب ، وهاك أنظر ماذا يقول علي(ص) وهو مصداق من مصاديق الغيب الطاهرين(ص) ، قال (ع) في نهج البلاغة : [إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعد القرى ليومه النازل به ، فقرب على نفسه البعيد ، وهون الشديد ، نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده ، فشرب نهلا ، وسلك سبيلا جددا ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه ، وتصيير كل فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشاف عشوات ، مفتاح مبهمات ، دفاع معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ، ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل . فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها ، ولا مظنة إلا قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث حل ثقله ، وينزل حيث كان منزله . وآخر قد تسمى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضلال ، ونصب للناس أشراكا من حبال غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحق على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهون كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصد عنه ، فذلك ميت الأحياء ، فأين تذهبون ؟ وأنى تؤفكون ؟ والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة – الخ .](مستدرك سفينة البحار – الشيخ علي النمازي الشاهرودي:7/361 – 362) فهل وضع المثقفون هذا الميزان الإلهي في معرفة الحق من الباطل قبل أن يضعوا (الخرافة مع الغيب) في سلة واحدة ، مع أن الأمرين ـ كما يقول المناطقة ـ نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان؟؟!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى