زاوية العقائد الدينية

القضية المهدوية والخطاب التنويري المعاصر

ليس غريباً أن تعاني دعوة اليماني إعراض الناس عنها وانصرافهم عما تحمله لهم من عدل وصدق ورحمة ، ذاك أنهم في كل حركة وسكنة يصدقون ما قاله رسول الله(ص) وآل بيته الأطهار(ص) عن أحوال آخر الزمان

وكأنهم يصفون حال الأمة تماما على الرغم من محاولات الالتفاف على هذا الوصف الدقيق من مثل ما يحاول المثقفون المعاصرون من الإسلاميين حشره في زاوية الموروث الديني ليخلقوا لأنفسهم مبررا للتعاطي معه بانتقائية توائم منهج جسر الهوة بين الخطاب الإسلامي الأخلاقي والخطاب العلماني المادي ليتقنعوا بذرائع من قبيل ؛ من يقول إن هذا هو آخر الزمان؟؟!! والدين بخير!!! وعلماء المسلمين أصبحوا أناسا متنورين منفتحين على الحضارة!!! و…. و…. إلى غيرها من الذرائع التي ينكشف زيفها من خلال حركة الواقع باتجاه تقويض الوعد الإلهي في قيام دولة العدل على الأرض ، حيث وصلت محاولات التقويض إلى قراءة روايات أهل البيت(ص) عن القضية المهدوية قراءة تسطيحية تحاول استلاب واقعيتها واختزالها في الجانب الفكري المفهومي ، فصارت العقيدة التي هي دين يدين به الناس إلى فكرة يمكن أن يحققها التحول نحو الديمقراطية!!! عندما حاول سدنتها خداع الناس من خلال حمل شعار الدعوة الإلهية ؛ العدل ، والغريب أن الناس استلبهم هذا الخطاب سريعا وكأنهم فقدوا الثقة تماما بالتدبير الإلهي وكبٌر عليهم تقبل مبعوث من أنفسهم يتلو عليهم آيات الله سبحانه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، لأنهم لا يعترفون أنهم في ضلال مبين ، وهم كما يتصورون يعيشون في عصر ثورة الاتصالات التي جعلت من العالم الرحب الواسع قرية صغيرة اختزلت فيها المساحات الشاسعة!!!
لا أحد ينكر أن التطور المادي الحاصل اليوم والسعي المحموم نحو تحقيق الرفاه المادي للإنسان هو من منجزات هذه الحضارة ، ولكن بالمقابل يسجل على هذه الحضارة (المادية) أنها حضارة نخبوية بامتياز تؤمن بكل أنواع التمييز العنصري بل وهي من بدئها إلى منتهاها شكلت منظومة من التنقلات بين صور التمييز العنصري بدءاً من التمييز على أساس العرق ووصولا اليوم إلى صورة تناسب التطور الحاصل وهو التمييز على أساس الإمكانات والقدرات الصناعية فقسمت العالم إلى عالم أول وهو الدول الصناعية الغنية المنتجة وفي داخل هذا العالم أيضا تنقسم الدول إلى فئات ، ودول العالم الثاني وهي التي رضيت أن تلعب دور المسوِّق لبضاعة العالم الأول على جميع الأصعدة ، ودول العالم الثالث وهي الدول المستهلكة التي ـ إذا جاز التعبير ـ تشكل مثانة العالم التي من خلالها يطرح كل مشاكله وتعقيداته لتخلص للعالم الأول المتعة وليكون هو الحلم الساكن في الرؤوس ، ولذلك راحوا يخططون إلى أمور يمكن إجمالها بالآتي :
1- تجويع شعوب العالم الثالث كي يضمنوا استمرار وفرة النعمة عند شعوب العالم الأول ، ورد عن أمير المؤمنين(ص) قوله ما معناه (ما رأيت نعمة موفورة إلا وكان إلى جانبها حق مضيع) ، وعلى هذا التوصيف تماما عملت الحضارة المادية ، أ يمكن بعد ذلك أن نعد قول أمير المؤمنين(ص) موروثا دينيا يعبر عن مرحلة سابقة؟؟؟!!!
2- استقطاب الكفاءات العلمية والفكرية في دول العالم الثالث وابتداع نظرية جديدة في الاسترقاق وهو الاسترقاق الفكري والمعرفي ، فكل مخترع ومبتدع لابد أن يجير لمصلحة العالم الأول ولذلك لا يمكن لأي مبدع أو مخترع آسيوي أو أفريقي أن يحصل على جائزة نوبل (مثلا) حتى يكون مجنسا للعالم الأول أو داعية من دعاته !!!
3- ممارسة الاستباحة ـ ما يسمى الاستعمار ـ بشتى صنوفها وألوانها بدءا من العسكرية ووصولا إلى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية ، ولذلك صرنا نألف منظر الجزمة الكاكية والبدلات المنقوش عليها صورة الأسلاك الشائكة ، ولا تستثار لنا غيرة!!! ولا تنبض فينا حمية!!! بل صرنا نألف كل تفصيلات العالم الأول التي هي في واقعها منافية لأبسط القيم ، ومن ثمار تلك الألفة أننا إذا زالت الشمس عن كبد السماء رحنا نتوضأ لنصلي وندعو الله سبحانه كي يعطينا وينفق علينا ويجعلنا نعيش كما يعيش العالم الأول!!! ونسينا أننا بهذا العمل نقتل الصلاة بأيدينا ذلك لأن الصلاة لم يشرعها الله سبحانه لهذه الغاية التي استلبتنا واختزلت كل قيم الإنسانية ومعانيها في بؤرة المادة وتحولاتها ، بل الغاية من الصلاة ـ بحسب ما فهمت من فيوضات الدعوة اليمانية المباركة ـ هو التعبير عن قيام كلمة الله في الأرض ، والاعتراف بفضل قيامها والدعوة إلى الله سبحانه والتضرع إليه أن يجعلنا من الثابتين في ساحتها المخلصين في ديمومتها والمتطلعين إلى الكمال الأخلاقي في حوزتها ، ومن ثم بلوغ مقام الرضا عنده سبحانه وهذا ما بينه يماني آل محمد السيد أحمد الحسن(ص) عند إجابته لسؤال عن معنى قول رسول الله (ص) والأئمة (ع) ( إن الدنيا سجن المؤمن ) حيث أجاب السيد أحمد الحسن بالآتي :
(وكذلك ورد عنهم (ع) إن الصلاة معراج المؤمن ، فهذا المؤمن هو ذلك المؤمن وليس المؤمن هنا هو من اعتقد بالإسلام والولاية فقط .
فالمؤمن الذي تصبح الدنيا بالنسبة له سجنا وضيقا وآلاما بلا حدود ولا تنتهي إلا بالخروج منها عند الموت هو المؤمن الذي يعرج في صلاته إلى السموات السبع فهو ممن اخذوا الذكر عن الدنيا بدلاً فأستصبحوا بنور يقظة بالأبصار والأسماع والأفئدة يذكرون بأيام الله وهذا المؤمن الذي عرج إلى السموات السبع وسعى وحصل تلك المقامات المحمودة ـ وهو تلك الروح التي تسبح بحرية في السماء الثانية والثالثة والرابعة …. ـ كيف لا يكون تعلقه بهذا الجسم المادي وتقيده به سجناً له ؟؟؟!!!
ثم إن هذا العالم الجسماني هو صفيح ساخن فوق جهنم وحجاب جهنم وجرف هار يمكن أن ينهار بالإنسان في أي لحظة ليلقيه في جهنم وظلمات بعضها فوق بعض فجهنم وهذا العالم الجسماني كقاب قوسين أو أدنى قال تعالى ( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (العنكبوت:54)  فكيف لا يكون لاقتراب روح المؤمن منه بسبب تقييدها بالجسم سجن له وضيق ما بعده ضيق بعد ما علم انه اقتراب من جهنم ومن الظلمات التي بعضها فوق بعض فهذا المؤمن يحس بضيق شديد واختناق لا ينتهي إلا بانطلاق روحه ونيلها الحرية بعد النجاح بالامتحان والخروج من هذه الدنيا بقلب سليم وبحظ في السماء السابعة الكلية أي سماء العقل والمقربين قال تعالى في وصف حال الموت بالنسبة للإنسان ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ) (الواقعة 88-89) ، أي أن حال هؤلاء هو الراحة حال الموت ، روح وريحان وجنة نعيم فلا عذاب ولا آلام عند الموت بل راحة وفرح وسرور بفراق هذا الجسم الذي طالما كان سجناً مظلماً ضيقاً بالنسبة لهذه الروح الطيبة المباركة .)(المتشابهات : الجزء الثاني/السؤال الأول)
لقد كان اختياري لهذا الشاهد المكثف تكثيفا لا يستطيعه إلا آل محمد(ص) معادن العلم وأهل بيت الوحي بقدر فهمي ، كي يعطي للقارئ بيانا واضحا وعميقاً لحقيقة شكوى الثلاثة الذين سيبرزون إلى ربهم ليشكوا ظلامتهم من الناس حيث ورد (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ : ثَلَاثَةٌ يَشْكُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ مَسْجِدٌ خَرَابٌ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُهُ ، وَعَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ ، وَمُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ)(الكافي : باب قراءة القرآن في المصحف) ، (وينظر وسائل‏الشيعة : باب استحباب الصلاة في المسجد)
فالمسجد الخراب هو بيت الله سبحانه والبقعة التي جعلها الله سبحانه موضعا للقاء عبده ومحادثته إياه حيث ورد عن أهل بيت العصمة(ص) ما معناه (من أراد أن يكلم الله سبحانه فليصلِّ …) ، ولقد هجرته الناس وهي فيه ، لأن الناظر اليوم يرى المساجد تفيض بالمصلين ولكنهم جاؤوا الله سبحانه ليسألوا ما شغلهم وفتنهم في العالم الأول فنسوا أن من معاني الصلاة الأصل ؛ ذكر الله سبحانه ، فصار حال المصلين اليوم كما وصف الحق سبحانه في مواضع كثيرة في كتابه منها على سبيل المثال لا الحصر قوله (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، وقوله تعلى (فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون) ، ومن دلائل خراب المسجد أن الناس اشتغلت بزخرفته كما تزخرف كنائس النصارى ، واشتغلت الناس فيه بالدنيا على الرغم من كونه باب الدخول إلى الآخرة ففي المسجد اليوم تتم الصفقات وتعقد الولائم ، ويصفق فيه الناس بدعوى الاحتفال ، وصار بيت الله سبحانه ملكا لصاحبه فلان أو فلان أو للطائفة الفلانية أو الفلانية ، أو … أو …. ، فهل بقي من بيت الله بعد ذلك باقية؟؟؟!!! هذا مع الالتفات إلى أن المقال لم يحصِ مصائب ومصائب سيشكوها المسجد غدا إلى ربه سبحانهّّّ!!!
والعالم الذي بين جهال ، لاشك في أن مصداقه الأكمل هو العالم من آل محمد(ص) بدليل ما ورد عنهم(ص) ما معناه (نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون ، ……) ، والعالم اليوم الذي بين ظهراني الناس ـ وهو حقا بين جهال ـ هو السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي(ع) ، ولقد واجه الناس هذا العالم الرباني الذي جاء بالحق كله من عند الله سبحانه بجهل أشد من الجهل الذي واجهوا به جده رسول الله(ص) حيث ورد : (عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله(ع) يقول : إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله(ص) من جهال الجاهلية!! قلت : وكيف ذاك؟! قال : إن رسول الله(ص) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به ، ثم قال : أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر .)(الغيبة للنعماني : باب ما يلقى القائم) .
نعم إن ما يطرحه السيد اليماني اليوم على الساحة المعرفية يعد جديداً بل وغريباً ذلك أنه يدعو الناس إلى العودة إلى الله سبحانه وها هو يعبر عن عظيم ألمه من تيه البشرية قائلاً في جوابه لإحدى السائلات المسيحيات :
(س17/ آمل أن لا تنزعج من كلامي وآسفة إذا بدرت من أسئلتي شيء يسئ الأدب واكرر شكري وامتناني على اهتمامك فهذا دليل على روح أخلاقك العالية .في رعاية الأب والابن وروح القدس.

reta jorj
امرأة مسيحية
25 /ربيع الأول 1426 هـ.ق.
ج/ بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
لا انزعج … ولكني حزين لأجلكم فقد تهتم يا أهل الأرض في صحراء المادة كما تاه بنو إسرائيل في صحراء سيناء
أحمد الحسن)(من كتاب الجواب المنير الجزء الأول)
والشاكي الثالث هو المصحف الحامل لكلمات الله سبحانه ، ومعلوم أن الكلمة هي في أصلها رسول المعرفة ، ولما كانت علة الخلق هي المعرفة فكانت الكلمة أول رسول للمعرفة ، ورد في الإنجيل ما معناه (في البدء كانت الكلمة) ، وتمظهرت الكلمة في ؛ اللسان الناطق وهو حجة الله على الخلق وممثل الكلمة بينهم ورسول المعرفة الإلهية الحق ، وفي الصورة الموصوفة ، وفي اللفظة المقيدة(المكتوبة) ، والمصحف هو صورة الكلمة المكتوبة ، ولو تأملنا قليلا لوجدنا أن الشاكي في الحقيقة هو الكلمة ؛ فهي بيت الله(المسجد) بوصفها مكاناً ، وهي العالم بوصفه اللسان الحامل لها والناطق بها ، وهي المصحف بوصفه الحامل لها وهي مقيدة فيه ، والشكاية هي في واقعها شكاية معرفة بحضورها ؛ المكان والمعلم والكتاب .
ومن هنا نفهم أن الدعوة اليمانية جاءت لإنصاف المعرفة وللإنتصار لها بعد أن عانت التشويه والتغييب ، واليوم في عالمنا المعاصر تعاني الغربة الحقيقية (عَنْ عَلِيٍّ(ع) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) : إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ! فَقِيلَ : وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ : الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ)( مستدرك‏الوسائل : باب وجوب إصلاح النفس عند ميلها) ، وهي بدعوتها المعلنة للكفر بالجبت والطاغوت ومصداقيهما الحاضرين في واقعنا المعاصر (الجبت : علماء السوء غير العاملين الذين يتسلطون على المؤسسة الدينية ويهيمنون على الناس) ، (والطاغوت : الحكام الذين تسلطوا على رقاب الناس من دون سلطان أتاهم من الله سبحانه) ، وكلا من الجبت والطاغوت أعلنا كفرهما الصريح جهارا نهارا بقول العزيز الجليل {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران/26) ، فلا الجبت (العلماء المتسلطون على المؤسسة الدينية) هم علماء حقيقيون بل هم علماء سوء تأدبوا بأدب الله سبحانه ليطلبوا الدنيا بالدين ، ولذلك فشا بينهم كل قبيح فتراهم في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون!! ولا الطاغوت (الحكام المتسلطون على رقاب الناس) هم حكام نصبهم الله سبحانه ، وهناك نكتة لطيفة ينبغي الالتفات إليها وهي ؛ عندما يكون المنصب من الله سبحانه فهو حاكم عالم لأن الحكم والعلم وجهان لحقيقة واحدة وهي خلافة الله سبحانه في أرضه ، ومن الممكن أن نرى علماء لا يحكمون أي يعطل جانب الحكم في عملهم ولكن أبدا لا أحد يستطيع تعطيل جانب العلم فيهم وهذا حال الأئمة من آل محمد(ص) ، ولكن لا يكون مطلقاً حاكم غير عالم من الله سبحانه ، بل دائما يكون الحاكم غير العالم هو طاغوت تسلط على الرقاب بالغشم والقوة والخداع ولذلك يحتاج أن تكون لديه حاشية من العلماء الذين تفعلهم الشيطنة وليس العقل . 
لقد حان بإذن الله سبحانه وأزف وقت رد المظالم وسينتصر رب محمد(ص) من الظالمين الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى