زاوية العقائد الدينية

صفين الأمس واليوم وغدا

صفين الأمس واليوم وغدا

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا

عندما نفكر مليا في تاريخ البشر على الأرض نطالع حقبا وأزمنة غارقة في الفساد والإفساد سواء بالحروب أو الظلم والفجور. هذه الأرض عاينت كثيرا من تجارب القتل والنهب والاستغلال. وكان للحكام في سلسلة الجرائم هذه النصيب الأكبر والحظ الأوفر. فبهم كتب التاريخ ومن سيرهم نشم الكثير من سوء أعمالهم. لكن السواد ألاعظم منهم طغى وتجبر وتشهد هذه الأرض على مدى أنانيتهم وتمركزهم حول ذاتهم. الحاكم كان دائما إنسانا يسري عليه ما يسري على باقي بني البشر من ضعف ونقصان في كل شيء، لذلك كانت ممالكهم شاهدة على ضروب من السفه والغباء في استعمال السلطة لانهم أبوا إلا أن يكونوا كائنات أخرى غير البشر، وكم كان الحكام يمجدون أنفسهم بلا حدود وتتضخم نفوسهم غرورا وكبرياء حتى إذا أحكموا السيطرة على رعاياهم انتقلوا إلى جيرانهم ورعايا غيرهم بدون كبح جماح ذواتهم المتعطشة للثروة الجاه والسلطة والكثير الكثير.

هؤلاء الحكام عبدوا أنفسهم وشهواتهم وأهوائهم حتى قال أحدهم “أنا ربكم الأعلى” مجسدا بذلك قمة الغرور والأنانية والغرور وعبادة الهوى. فهذا فرعون (لع) أمضى حياته في الظلم وسفك الدماء ورغم ذلك قال لرعيته “ما اعلم لكم من اله غيري” متناسيا أن الإله منذ عرف اتصف بالرحمة والعدل والسمو على زلل البشر وحماقاتهم. وهذا نابليون أذل رقاب أمته وأطلق العنان لشموخه وطموحه بتوسيع دائرة ملكه فغزى دولا كثيرة وأخضع شعوبا غفيرة في سعي دائم نحو العلو والتجبر في الأرض. وهذا هتلر أطلق جيوشه شرقا وغربا لتذليل الشعوب وتوحيد الكرة الأرضية خلفه. ومازالت القصة مستمرة إلى اليوم وستظل مادام الكبرياء والغرور يسكن قلوب الناس ويقودهم نحو اللامحدود. والتاريخ يؤكد أن كل حماقات الحكام كانت لإرضاء أنفسهم وأهوائهم التي لا حدود لها، فهذا يدعي الإلوهية والكمال وذلك ينشر الحضارة والتقدم بقتل الناس واستعبادهم، وآخر يدعي صفاء العرق والسلالة وكمال الذات.

نجد إذن أن غريزة الحكم تسكن الإنسان كغيرها من الغرائز والشهوات لذلك نجد المعارضة في جميع أنظمة الحكم سواء كانت سرية أو علنية. والتاريخ يحدثنا عنهم حروب أهلية وانقلابات وصراع على السلطة واغتيالات واختطافات لا تنتهي. إنه الصراع الأزلي حول الملك لأنه يوفر المال والجاه السلطة والتحكم في رقاب الناس ودخول التاريخ من أوسع أبوابه. الله سبحانه وتعالى كان دائما هناك، كما قنن كيفية التعامل مع جميع الغرائز الإنسانية فإنه وضع للحكم أصحابه الذين يعكسون عدله ورحمته على هذه الأرض. فإذا كان الإنسان ضعيفا وناقصا ومفتقرا إلى الحكمة لحكم الناس وتدبير أمورهم فكيف لله سبحان الله وتعالى أن يترك عباده يتجرعون مرارة الظلم والجور من قبل الحكام والسلاطين العاجزين عن بث العدل الإلهي بين الناس لإتباعهم الهوى والشهوات. لذلك كان من نعم الله الكبيرة على الناس أن جعل عليهم أناسا ليسوا ككل الناس، أناس صفيت فطرتهم ولم تخالطها السموم والرذائل، أناس أخلصوا العبادة لله ومن أين الغرور لمن جعل ذاته وعاء لإرادة الله. هكذا تجلت فيهم الصفات الالهية خير تجلي فاستحقوا أن يكونوا خلفاء الله على أرضه، يحكمون بشرعه ويأتمرون بأوامره ويجتنبون نواهيه ويبثون الرحمة والعدل الالهي على الأرض. هكذا كان لله في كل زمان خليفة واحد أمرت البشرية بطاعته لأنه يجسد فيض الرحمة والعدل الالهي على أهل الأرض وهذا في حد ذاته كان اختبارا للناس وتحديا لهم لم يفلحوا فيه إلى اليوم.

في أول الأمر قتل قابيل (لع) هابيل (ع) فقط لأن هذا الأخير أراده الله أن يكون خليفة له في الأرض. الاكيد أن قابيل شعر بالحسد والغرور لكن لم يتساءل يوما لماذا أخوه وليس هو؟ كان يمكن أن يكون هذا السؤال بداية لإصلاح نفسه والتأسي بأخيه، ثم كانت بعثة الأنبياء على مدى التاريخ ليس فقط لإخبار الناس بأنباء السماء، لكن كذلك لإلزامهم بالطاعة والبيعة لهم ففيها طاعة لله وبيعة له.

ويتوالى الأنبياء والرسل يدعون الناس إلى دين الله ويتوالى كذلك التكذيب والتسفيه سواء من الحكام أو الرعية فالحاكم يرى أن فيه معارضا سياسيا يتربص بكريه والشعوب غارقة في القهر والاستعباد ويائسة من رحمة الله غلا القليل ممن عرفوا الحق وصبروا معه رغم التعذيب والتنكيل والتسفيه. جاء موسى عليه السلام فاتهمه فرعون (لع) بالفساد وجاء عيسى (ع) فاتهمه اليهود بالسحر والكذب، وجاء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرموه بالسحر والشعوذة لكن نصره الله كما نصر كل خلفائه في ألارض. وكان الاختبار القديم الجديد بعد وفاته حيث ظهر نفاق أكثر الصحابة قربا منه وصاروا يتصارعون حول الملك والسلطة حتى قبل دفنه (ص) ضاربين بعرض الحائط وصية نبيهم فيمن يخلفه ويحفظ دولته. حتى إذا كان الأمر لعلي عليه السلام أخذوا أسلحتهم ورفعوا في وجهه (ع) فكانت صفين مثل بدر، مواجهة مباشرة بين الحق المطلق والباطل المطلق. والأكيد أن الإمام المهدي (ع) ستكون له صفين أخرى كما ورد عنهم عليهم السلام.

والحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى