زاوية العقائد الدينية

تدوين الحديث عند مدرسة الخلفاء شرعنة الإنحراف

دراسات كثيرة تحدثت عن فصول المؤامرات التي كان يحيكها حزب الردة والإنحراف في حياة النبي (ص) وبعد وفاته ، لعل من أهمها ما كتبه العالم السني ( بحسب اصطلاحهم ) عبدالله العلايلي في كتابه عن الإمام الحسين (ع) ، وكان من بين المؤامرات محاولات إغتيال باشرها الرهط الأربعة ( ابن أبي قحافة وعمر وأبو عبيدة وسالم مولى حذيفة ) ، ولكن هذه المؤامرات كانت نتيجتها الفشل بسبب تدخل السماء وحكمة الرسول (ص) .

تدوين الحديث عند مدرسة الخلفاء شرعنة الإنحراف

دراسات كثيرة تحدثت عن فصول المؤامرات التي كان يحيكها حزب الردة والإنحراف في حياة النبي (ص) وبعد وفاته ، لعل من أهمها ما كتبه العالم السني ( بحسب اصطلاحهم ) عبدالله العلايلي في كتابه عن الإمام الحسين (ع) ، وكان من بين المؤامرات محاولات إغتيال باشرها الرهط الأربعة ( ابن أبي قحافة وعمر وأبو عبيدة وسالم مولى حذيفة ) ، ولكن هذه المؤامرات كانت نتيجتها الفشل بسبب تدخل السماء وحكمة الرسول (ص) .
ولكن ما لم يحققه حزب الردة على حياة الرسول (ص) تمكن من تحقيقه بعد وفاته (ص) ، وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة لهؤلاء المنحرفين لحظة احتضار الرسول (ص) حين أمر بإحضار كتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ، ولكن ما إن تلفظ (ص) بهذه الكلمات حتى ابتدره عمر بكلمته المشهورة التي سيكون لها تأريخ وأي تأريخ وهي زعمه إن الرسول يهجر – أعاذنا الله من قول السوء – حسبنا كتاب الله !!
[ راجع حادثة رزية الخميس في صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 356 ح 2992، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 2 ص 16، ومسند أحمد ج 3 ص 286 وج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 192، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص21.] .
بهذه الكلمة الملتوية أسس عمر لقضية تغييب سنة رسول الله (ص) وفتح الباب على مصراعيه لكل الإنحرافات التي سيشهدها الدين الإسلامي ، واكتملت هذه الحلقة بعد نجاح حزب الردة في تسنم سدة الحكم حيث كان الشعار المرفوع هو ” لا تكتبوا عني ومن كتب عني شيئاً فليمحه” [صحيح مسلم ،باب التثبت في الحديث] ، بهذا الشعار المزيف الذي نسبوه الى رسول الله (ص) والذي دلت الكثير من الشواهد على زيفه من قبيل الصحيفة التي كانت عند علي (ع) ، منعوا الناس من رواية أحاديثه (ص) ولم يكتفوا بهذا بل بادروا الى حرق ما وجدوه عند المسلمين من أحاديث ، ورد في تذكرة الحافظ : (( جمع أبو بكر الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وخطب فيهم قائلاًً : إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه )) . [ تذكرة الحافظ ، ج1 ، ص 3- 5 ]وعن عائشة أنها قالت : (( جمع أبي الحديث عن رسول الله ، فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلب قالت : فغمنى كثيراً. فقلت يتقلب لشكوى أو لشيء بلغه فلما أصبح قال : أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فأحرقها، وقال : خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها الحديث عن رجل إتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك)) . [ تذكرة الحافظ ، ج1 ، ص 3- 5 ] . أقول في قول عائشة هذا دليل واضح على أنهم كانوا يكتبون الحديث .
ويذكر أن أبا موسى الأشعري روى في الاستئذان من صاحب الدار، فقال له عمر: والله لتقيمن عليه بينة وإلا أوجعتك ، أمنكم أحد سمعه من النبي ؟ قال أبي بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فشهدت معه حتى قال أبو المنذر: فلا تكن يا بن الخطاب عذاباً على أصحاب رسول الله . [ صحيح البخاري ، ج6 ، باب الاستئذان ] فابن الخطاب كان لا يطيق سماع حديث عن الرسول (ص) وكان يتوعد الناس ويتطلب الشهود ، ليجعل من طريق الرواية صعباً ممتنعاً . ونقل عن عمر بن الخطاب أنه بلغ به الأمر أن يضع ثلاثة من المحدثين وهم ابن مسعود ، وأبو الدرداء ، وأبو مسعود الأنصاري تحت المراقبة والحبس لارتكابهم جريمة نقل الحديث ! فكانوا على هذا الحال حتى قتل . [ تذكرة الحافظ ، ج1، ص 7 ] .
وروى ابن عبد البر ، والبيهقي في المدخل عن عروة : (( إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب رسول الله في ذلك. فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله شهراً ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له. فقال : إني أريد أن اكتب السنن وأني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتابا ، فاكبوا عليها. وتركوا كتاب الله وأني لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا)) .
راجع المصادر التالية  : سنن ابن ماجة ج1 ص12 ، سنن الدارمي ج1 ص85،كنز العمال ج10 ،والمصنف للصنعاني ج11 ص257-258،هذا للاجمال ومن اراد المزيد فعليه الرجوع الى : ابن عبد البر وابي خثيمة وابن العساكر وطبقات ابن سعد والبخاري في كتاب البيوع وتذكرة الحافظ وغيرها من كتب الحديث
وروى ابن ماجة أيضا عن الشعبي قال: جالست ابن عمر سنة ، فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا . راجع ما رووه عن النبي(ص) في مسند احمد ج3 ص12 والبداية والنهاية ج2 ص132 ، ومجمع الزوائد ج1 ص 150- 151 ، ومناهل العرفان ج1 ص 361  .
وقد بلغ من تشدد عمر في هذا الأمر أنهم يذكرون في ترجمة أبي هريرة أنهم ما كانوا يستطيعون أن يقولوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض عمر !!! [ راجع سنن ابن ماجة وتذكرة الحافظ وجامع بيان العلم ] .
وبعد عمر فعل عثمان الأمر نفسه فقد قال من على منبر المسلمين :” لا يحق لأحد أن يروي حديثاً عن رسول الله (ص) لم اسمع به في عهد أبي بكر وعمر ” !![ مسند احمد ، ج1 ص 363 ] . وحين وصلت النوبة في الحكم لمعاوية الذي دامت خلافته أربعين عاماً ، منع نقل الحديث الي شاع في زمن أمير المؤمنين (ع) واستثنى ما كان ينقل منه في العهد العمري [صحيح مسلم ج 3 باب النهي عن المسألة ].
بل شرع بتوزيع الجوائز والهدايا الكثيرة الى كل من ينقل حديثاً في فضل عثمان وينتقص من علي (ع) ولكي تتضح الصورة أكثر أنقل ما قاله المدائني في كتابه “الأحداث” يقول  : (( كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون علياً ، ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته.وكان اشد الناس بلاء أهل الكوفة لكثرة ما فيها من شيعة علي(ع) فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه منهم أيام علي عليه السلام . فقتلهم وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم من العراق فلم يبق معروفاً منهم ، وكتب معاوية الى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته فاكتبوا إلي ما يروي كل رجل منهم ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه .
إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل جهة وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا ، فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب “يقصد علي ” إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا أحب إلى وأقر لعيني، وادحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله.
ثم يمضي المدائني بالقول : فقرأت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر )) [ شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ] .
هذا باختصار شديد تأريخ الحديث كما عرفته مدرسة الخلفاء ، ومنه يتضح أن تدوين الحديث لديهم كان يخضع لتوجهات السياسة وتحكم السلاطين ، فالحديث الذي يضر الواقع السياسي للحكام كان يجري عليه الحظر والمنع الشديد ويتعرض من يرويه الى أشد أنواع العذاب والتنكيل ، ولاسيما إذا ما كان هذا الحديث يروي فضيلة من فضائل علي (ع) وأهل بيته أو ينطق بحقهم (ع) . وهكذا حين أطل ما عُرف بعصر التدوين كان الحكام المنحرفون يبسطون سيطرتهم على الواقع الثقافي والديني من خلال الترغيب والترهيب ، فدونت الكتب على وفق ما يشتهون ، فراجت بضاعة المزيفين و اندرست أو كادت الأحاديث التي تتحدث عن فضائل أهل البيت (ع) وتذكر حقهم ، ومن جمع منها شيئاً يكون نصيبه التسقيط والقتل كما حدث للنسائي والطبري ، بينما أعداء أهل البيت (ع) من قبيل عكرمة وأبي هريرة وكعب الأحبار كانوا ينالون الحظوة لدى ملوك عصرهم لما يبثونه من أكاذيب وينشرونه من مناقب مجانية للمنحرفين ولو راجعوا كتاب ” اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ” للعلامة السيوطي، و ” ميزان الاعتدال ” و ” تلخيص المستدرك ” للعلامة الذهبي، و ” تذكرة الموضوعات ” لابن الجوزي، و ” تاريخ بغداد ” لأبي بكر الخطيب البغدادي، وسائر الكتب التي كتبها علماء مدرسة الخلفاء في علم الرجال وتعريف الرواة لعرفوا أحوال: أبي هريرة الكذاب، وعكرمة الخارجي، ومحمد بن عبدة السمرقندي، ومحمد بن بيان، وإبراهيم بن مهدي الأبلي، وبنوس بن أحمد الواسطي، ومحمد بن خالد الحبلي، وأحمد بن محمد اليماني، وعبد الله بن واقد الحراني، وأبي داود سليمان بن عمرو، وعمران بن حطان، وغيرهم ممن روى عنهم البخاري وأصحاب الصحاح .
وعلى سبيل المثال لم ينقل البخاري حديث الثقلين على الرغم من تواتره بين المسلمين فقد نقله عدد كبير من مشاهير علماء مدرسة الخلفاء كمسلم بن الحجاج الذي يساوي البخاري عندهم ، وكذلك نقله سائر أصحاب الصحاح الستة غير البخاري  ، لكن محدثي مدرسة الخلفاء كان يهمهم كثيراً نقل بعض الأحاديث واضحة الوضع لأنها تضفي على كبرائهم صفات يحسبونها محمودة ، من قبيل ما رووه أو قل وضعوه :
( قال (ص): إن الله يتجلّى للناس عامة، ويتجلّى لأبي بكر خاصة.
وقال (ص): ما صب الله في صدري شيئا إلا صبه في صدر أبي بكر.
وقال (ص): إن في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.
وقال (ص): أبو بكر وعمر خير الأولين.
وقال (ص): خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمتي من نور، وعمر سراج أهل الجنة.
حديث: ” أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة “
والخبر المشهور في كتب الفريقين صريح في الموضوع، وهو أن رسول الله (ص) قال لامرأة عجوز وهو يمازحها، حين طلبت منه (ص) أن يدعو لها بالجنة.
فقال (ص): ” إن الجنة لا تدخلها العجائز ” فحزنت المرأة وقالت : واخيبتاه إذا لم أدخل الجنة!
فتبسم رسول الله (ص) وقال: تدخلين الجنة ولست يومئذ بعجوز، بل تنقلبين إلى فتاة باكرة، كما قال الله سبحانه: (إنا انشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا  ) [ كتاب ليالي بيشاور ].
ولأجل أن يحاربوا مسألة عصمة الرسول (ص) التي يقول بها الشيعة ، وضع القوم أكاذيب كثيرة على رسول الله (ص) من مثل :
‏(( حدثنا ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الضحى ‏ ‏عن ‏ ‏مسروق ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏ دخل على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان قال وما ذاك قالت قلت لعنتهما وسببتهما قال ‏ ‏أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت ‏ ‏اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا)) .
ولو شئنا استقصاء ما ورد في كتب القوم من دواهي لتطلب الأمر منا مجلدات ، ولكن عسى أن يمن الله علينا بفرصة نميط بها اللثام عن بعضها

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى