زاوية العقائد الدينية

توقيع السمري عكاز المرجعية العاجزة

شكّل التوقيع المعروف بتوقيع السمري ذريعة بل عكاز يتوكأ عليها فقهاء هذا الزمن زاعمين أن التوقيع الشريف يحقق لهم مرادهم من نفي السفارة ، ويوفر لهم بالنتيجة غطاء يسترون وراءه بدعهم التي ما أنزل الله بها من سلطان .

لهذا وددت مناقشة هذا التوقيع وفهمهم له لاسيما بعد أن نشر بعض الكتاب من على بعض المواقع لاسيما كتابات ما يرى انه تعرسض بالدعوة اليمانية .

أولاً – توقيع السمري:-
( بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك،فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام،فاجمع أمرك ولاتوص الى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة،فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة،ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ) .
استدل الشيخ السند ، وهو من أقطاب المرجعية وكتابها الناشطين في مجال عداء الدعوة اليمانية ، بموضعين من هذا التوقيع على بطلان السفارة، كالأتي:
الأول: –
يمثله قوله (ع) (( فاجمع أمرك ولاتوص لأحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد  وقعت الغيبة التامة )) .
وصورة استدلاله على النحو الأتي : إن قوله وقعت الغيبة التامة ، وقع وصفاً للغيبة الكبرى ، وإذا كانت الغيبة الكبرى تامة فهذا يعني أن مقابلها ، أي الغيبة الصغرى لم تكن تامة ، فما الذي ميز بين الغيبتين فجعل الكبرى تامة والصغرى غير تامة ؟ .
جواب الشيخ أن المائز هو وجود السفارة في الغيبة الصغرى ، وانعدامها في الكبرى . بمعنى أن انعدام السفارة في الغيبة الكبرى هو الذي أضفى عليها صفة التمامية .
هذا الجواب مردود من عدة وجوه:
1 – لا ينص التوقيع ، ولا توجد أية رواية عن أهل البيت (ع) تنص على انتفاء السفارة في زمن الغيبة الكبرى . وفي ظل انعدام النص لا يبقى إلا أن يكون استدلال الشيخ تعبيراً عن فهمه هو للتوقيع .
2- يمكن مقابلة أطروحة الشيخ بأطروحة أخرى تنقضها من الأساس؛ فإذا كانت وظيفة السفير في الغيبة الصغرى تتحدد بنقله تساؤلات واستفسارات القاعدة عبر ما اصطلح عليه بـ( التوقيعات ) ، فإن هذه الوظيفة توفر نوعاً من الإتصال غير المباشر بين الإمام وقاعدته ، الأمر الذي يضفي على غيبته صورة الغيبة غير التامة . وإذا كان لابد من إلتزام التمامية في الغيبة الكبرى فهذا الشرط يتحقق فيما لو أرسل الإمام (ع) رسولاً اوسفيراً بعد ان يكون قد زوده سلفاً بما يحتاج من علم لقيادة الناس،على أن يكون السفير هو القائد والموجه لحركة الجماهير، وينعدم تماماً أي اتصال بين الإمام والجماهير ، وبهذه الطريقة تتحقق تمامية الغيبة ويبقى السفير موجوداً،والسفارة قائمة. ولعل القارئ يلاحظ أن هذه الأطروحة تنطوي على مساحة حركة أوسع،وتوفر شروط امان أكبر للإمام،إذ يمكن للإمام أن يطلب من سفيره عدم التصريح بكونه سفيراً ويكتفي بممارسة عمله على وفق الخطة المرسومة له. ولاتنافي بين عدم التصريح وبين كون السفير سفيراً طالما كان العمل المنشود متحققاً،وبطبيعة الحال يمكن للخطة أن تتخذ منهجاً يقوم على أساس التصريح المطلق، أو المحدد بجماعة معينة.     
وبهذه الأطروحة يسقط استدلال الشيخ السند ولو من باب ( إذا دخل الإحتمال بطل الإستدلال ) . وعلى سبيل الإستطراد أقول إن السيد الصدر (رحمه الله) إستدل بهذا الموضع أيضاً على إنتفاء السفارة ، وذهب الى أن المستفاد منه انتفاؤها على مدى التأريخ ََ! واللافت أنه ترك الأمر دون توضيح، فلم يذكر كيفية دلالة الموضع على ماذهب إليه. والمظنون أن ماذهب إليه السيد واحدة من فلتات القلم التي قلما يسلم منها إنسان. إذ ما أن يصل الدور الى الموضع الثاني المتعلق بتكذيب مدعي المشاهدة حتى نجده يقدم أطروحة – يرجحها على ما عداها – تقول بإمكانية تصديق مدعي السفارة فيما لو أخبر بأمور معلومة الصحة، أو حتى محتملة أوممكنة قياساً بالقواعد كما يعبر.
3 – ويمكن دحض استدلال الشيخ السند بما أضافه الشيخ ناظم (سدده الله) أثناء تعليقه على الكتاب حيث قال : إن معنى قوله (وقعت الغيبة التامة) يراد به الغيبة التي يتحقق الغرض بها ويتم الظهور، فلا غيبة بعدها، وبعبارة أخرى الغيبة التي يتم فيها غربلة الأمة وتمحيصها وإعداد أوفرز العشرة آلاف والثلاثمئة والثلاث عشرة، فالمراد هنا من التمام هو تمام الغرض من الإختفاء ليتحقق بعدها الظهور والقيام وإنتهاء الغيبة.
– الثاني:- يمثله قوله (ع) (( وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو مفتر كذاب )) .
يقول الشيخ السند: ((والظاهر من ادعاء المشاهدة هو السفارة والنيابة ، بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع، حيث أمره بعدم الوصية لأحد أن يقوم مقامه)) . ويرد عليه :
1 – إن الظهور المزعوم لا وجود له ألبتة، فليس ثمة علاقة أو ارتباط ذهني بين المشاهدة والسفارة.
2 – إن قرينة السياق المزعومة لا حقيقة لها، فلم يكن التوقيع بصدد الحديث عن إنتفاء السفارة كما توهم الشيخ السند، وقد مر بيان ذلك فيما تقدم.
3 – لو سلمنا جدلاً بأن المراد من المشاهدة هو السفارة، كما يزعم الشيخ السند ، فإن القضية المتمثلة بقوله (ألا فمن ادعى المشاهدة… الخ) هي قضية غير مسورة، وهي بالتالي بقوة الجزئية، ومحصلها: إن بعض من يدعى السفارة كذاب لا الجميع.   
4 – إن الظاهر من المشاهدة هو اللقاء والرؤية بالعين،  وإنما فروا من هذا الظاهر ظناً منهم أنه يناقض ما ورد من أخبار فاقت حد التواتر – على حد تعبير السيد الصدر – عن أناس التقوا الإمام المهدي(ع).
و الحقيقة أن التناقض المزعوم لا يعدو عن كونه وهماً، فكما أفاد الشيخ النهاوندي يراد من تكذيب مدعي المشاهدة خصوص من يدعي  أن الإمام قد ظهر للعيان وأنه شاهده مع أن علامتي الظهور القريبتين (السفياني والصيحة) لم تقعا، فهذا وحده من ينصرف إليه التكذيب. فمدعي المشاهدة هو ذلك الشخص الذي يزعم إن بإمكان كل شخص أن يرى الإمام لأنه قد ظهر، مع أن الصيحة والسفياني لم يقع أي منهما. ولا أدري لماذا أغفل الشيخ السند  وسواه رأي الشيخ النهاوندي هذا.
5 – إذا كانت المشاهدة تعني السفارة، ومدعيها يكون قد ادعى السفارة، فهل معنى ذلك أن كل من ادعى المشاهدة يكون قد ادعى السفارة، وبالتالي لابد من تكذيبه؟ أم أن من يقع عليه التكذيب هو خصوص من يدعي المشاهدة و السفارة معاً، لا من يدعي المشاهدة فقط؟  وإذا كان المقصود هو هذا الأخير فإن ادعاء السفارة غير منصوص عليه في التوقيع، فمن أين جئتم به ؟ وبالنسبة لكلام السيد الصدر الذي سبقت الإشارة له عند مناقشة الموضع الأول ، أقول أنه وإن لم يفسر المشاهدة على أنها السفارة إلا أن كلامه لايرقى بحال لكلام الشيخ النهاوندي، والظاهر أن السيد لم يلتفت للقيد الموجود في كلام الإمام، وأقصد به علامتي الظهور القريبتين (الصيحة و السفياني) ، فإن من شأنهما تحديد المراد من المشاهدة بما قرره الشيخ النهاوندي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى