زاوية الدعوة اليمانيةعقائد أهل الكتاب

رؤيا يوحنا اللاهوتي – الكائن الذي سيأتي يُحيّرُ علماءَ الكنيسة (4-5)

رؤيا يوحنا اللاهوتي – الكائن الذي سيأتي يُحيّرُ علماءَ الكنيسة

ياسين الحموي

تعرفنا فيما مضى من أجزاء هذه السلسلة على الكثير من الأسرار والخفايا التي أحكمها المنقذ والمُخلِّص العالمي السيد أحمدُ الحسن.
وفي هذا الجزء سنُكمل إن شاء الله المزيد مِن أسرار هذه الرؤيا الملكوتية المتعلقة بالزمن الأخير، وهذا السر مرتبط أصلاً بالعقيدة الكنسية بأكملها؛ العقيدة التي تعتقد أنَّ الآب والابن والروح القدس واحد وأنَّ الإله تجسدَ في جسدٍ وتواجدَ في هذه الأرض بلاهوت وناسوت ليفتدي ويخلص.
إلا أنَّ رؤيا يوحنا اللاهوتي تضرب هذه العقيدة البشرية التي ابتدعتها المجامع المسكونية بعرض الحائط، وهذا ما بينه المُخلِص العالمي أو الكامل الذي علّمَنا كلَ شيءٍ وأبطلَ كلَ ما يُعارضُ العقيدة الإلهية.
وهذا الأمر من مختصاته فعلاً كما صرح بذلك بولس الرسول الذي يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (13: 9- 10): ” لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ”.
وقد أبطل فعلاً هذا الكامل أو الأسد الذي من سبط يهوذا السيد أحمد الحسن هذه العقيدة البشرية من خلال نصوص واضحة من الكتاب المقدس، وكوننا في رحاب رؤيا يوحنا لا بُدَّ أن نبين بطلان العقيدة الكنسية المتعلقة بناسوت ولاهوت المسيح الأرضي ووحدة الأقانيم من خلال هذه النصوص:

  • تقول الكنيسة أنَّ النصوص الدالة على أن المسيح بشرٌ أدنى مِن الأب كصلاته للآب وجوعهِ وعطشِه وجهلِه بأمور عديدة وجهله بالساعةِ، هي ناظرة للمسيح الناسوت وليس اللاهوت؛ ذلك المسيح المتجسد الذي حاله كحال البشرِ على هذه الأرض. ورغم أنَّ هذه العقيدة لا أًصل لها في الكتاب المقدس ولا وجود لكلمة ناسوت المسيح في كل الكتاب المقدس إلا أنَّ رؤيا يوحنا تبطل هذه العقيدة وفي أول كلمات الإعلان حيث جاء:
    ” إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا”.(رؤيا يوحنا 1: 1).
    وهذا الإعلان جاء عام 95م أي بعد رفع المسيح بنحو ستين عاماً تقريباً وحينها لا ناسوتٌ ولا لاهوتٌ فضلاً عن كون الإعلان ملكوتي، ونجده بوضوح يعطي المسيح مقاماً أدنى من مقام الله تعالى عمّا يصفون علواً كبيرا.
    فكلمات الإعلان واضحة من كونها معطاة من الله إلى المسيح ومن المسيح انتقل ليد شخص آخر (ملاك، شيح من الشيوخ الأربعة والعشرين) يوحي ليوحنا، وبالتالي تثبت الرؤيا مقام المسيح وأنه رسول يوحى إليه من الله وأن مقامه هو مقام العبد الرسول المُستمع لمولاه في الملكوت وفي أيّ عالم وفي الأرض على حدٍ سواء.

والآن لننتقل لسرّ آخر من أسرار الرؤيا حيّرَ علماء الكنيسة، وهو سرُّ الكائن، والذي كان والذي سيأتي، حيث نقرأ في (رؤيا 1: 4- 5): ” يُوحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ، وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ”.
والسؤال هو: من هو الآتي المُرسل سلامه عبر يوحنا ؟

  • إذا أجابت الكنيسة بأنه الآب، وهذا هو جوابها فقد وقعت في إشكال ينافي عقيدتها وهو أن الآب لا يتجسد ولا يرى ولا تنظره عين، وهذا ما نقله يوحنا نفسه في الإنجيل المنسوب إليه (يوحنا 1: 18): “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ”. وهذا ما نجده في رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس (6: 16): “الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ”. وهذا كافي لبطلان القول بأن الله سيأتي في الزمن الأخير.
  • وإذا قالت الكنيسة بأن الكائن هو المسيح فقد وقعت في إشكال آخر وهو أن السلام مُرسل من اثنين وليس من شخص واحد وهما: الشخص الأول: الكائن والمرتبط بسبعة أرواح أمام عرشه.
    الشخص الثاني: السيد المسيح.
    وبالتالي فأنَّ الكائن الذي سيأتي في الزمن الأخير هو شخصية أخرى غير شخصية السيد المسيح (ع) وهذا الكائن ستدركه الأبصار والعيون: “هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ». (رؤيا 1: 7- 8).
    ولكن من هو هذا الآتي إذا كان ليس الله ولا المسيح؟!
    إنه المنقذ العالمي الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، والدُ المنقذ العالمي السيد أحمد الحسن، وما يدلُ على ذلك هو رؤيا يوحنا نفسها:
  • من خلال رؤيا يوحنا تبين لنا أنَّ الألف والياء والبداية والنهاية هو ذلك الكائن الذي سيأتي في الزمن الأخير، وهو بشر ستراه كل عين.
  • من خلال رؤيا يوحنا اللاهوتي تبين لنا أن لذلك الشخص الكائن الذي سيأتي، ولدُ سيغلب ويستحق أن يفُكَ كل الختوم وأنّ هذا الولد هو الأسد من سبط يهوذا، وقد تبين سابقاً أنّ هذا الغالب هو السيد أحمد الحسن، وبالتالي فإنّ والده هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري حيث نقرأ في (رؤيا 21: 7): “مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا”. وهذا النص حسب العقيدة الكنسية لا ينطبق على المسيح والآب؛ لأنها تعتقد بالوحدة بينهم، وأما هذا النص فواضح من كون أنّ هناك ابناً وارثاً غالباً يرث أباه، وهذا ما تكلم عنه السيد المسيح في أحد أمثلته، حيث نقرأ في (متى 22: 2): “«يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ”، وأما هذا العُرس فهو لابنه، الخروف الذي بيَّنا مصداقه سابقاً من رؤيا يوحنا، ولعلّ هذا الخروف الابن (والخروف رمز للتضحية والفداء) هو من سيجمع أنصار أبيه ويقودهم، وهذا ما نصت عليه الرؤيا نفسها، حيث نقرأ في (رؤيا 14: 1): “ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا خَرُوفٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ.” وهذا ما نص عليه سفر دانيال نفسه حينما رأى الأب (الإمام المهدي) والابن (السيد أحمد الحسن) حيث نقرأ في (دانيال 7: 9- 14): ” كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ”.
    فهنا رأى دانيال قديم الأيام (الإمام المهدي) في الرؤيا ويرافقه ابنه (أحمد الحسن)؛ ذلك الابن الذي غلب واستحق أن يُعطى المجد والسلطان، وهذا النص الملكوتي بعيدٌ كلُ البُعدِ أيضاً عن العقيدة الكنسية؛ لأنَّ الآب عندهم لا يراه أحد ولا يتصف بالحركة والصفات البشرية فيما دانيال رأى شخصيتين هما قديم الأيام وابنه.
    والآن ومن خلال هذه القرائن من العهدين القديم والجديد نخلصُ إلى أنَّ رؤيا يوحنا اللاهوتي المتعلقة بالزمن الأخير تمحورت حول شخصية المنقذ العالمي الذي يأتي في آخر الزمانِ مُمهداً ومُوطئاً لأبيه.
    وهما شخصيتا عصر الظهور المقدس عند المسلمين الشيعة، أي الإمام محمد بن الحسن العسكري وابنه أحمد (عليهما السلام)، حيث نقرأ بعض هذه النصوص:
  • عن الإمام زين العابدين (ع): ” كأني بصاحبكم علا فوق نجفكم بظهر كوفان، معه أنصار أبيه تحت راية رسول اللّه قد نشرها، فلا يهوي بها إلى قوم إلاّ أهلكهم اللّه عزّ وجل”.
    (بحار الأنوار ج 51 ص 135 و منتخب الأثر ص 312 بلفظ قريب).
    وهذا النصُ مقاربٌ لنص الخروف على جبل صهيون الذي تطرقنا إليه سابقاً: ” ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا خَرُوفٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ”.
  • وعن النبي محمد (ص) في ذكر المهدي محمد بن الحسن وابنه أحمد (ع): “فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين”. (الغيبة للشيخ الطوسي ص150).
    وهذا النص قريب من رؤيا دانيال في تنصيب الابن وإعطاءه السلطان من قبل أبيه: “وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ”.
    وأسأل الله أن يلتفت الأخوة الأحبة المسيحيين لهذه الحقائق البيّنة الواضحة، ونكملُ إن شاء اللهُ أسرارَ هذه الرؤيا في مقالات أخرى.

المصادر:

  1. خطاب عيسى (ع) عن القيامة الصغرى – علي عبد الرضا – ص139- 143
  2. رسالة الهداية – السيد أحمد الحسن – ص18
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى