رؤيا يوحنا اللاهوتي؛ رموز وأسرار حُلّت أخيراً
الجزء الأول
بقلم: ياسين الحموي
- 2024م
في عام 95م، أي بعد رفع السيد المسيح بنحو 50 عام تقريباً أوحى الله ليوحنا بن زبدي، ذلك التلميذ المُخلِص والمحبوب للسيد المسيح، والذي ينظر إلى قصة حياته من أولها لأخرها سيجدها ملاصقة لخلفاء الله في أرضه، فقبل التحاقه بالمسيح وإيمانه بدعوته كان يوحنا أحد أتباع وصي من أوصياء المسيح والممهد له، وهو يوحنا المعمدان أو يحيى (عليه السلام)، والذي كان له دوراً كبيراً في تهيئة تلاميذه وأتباعه للالتحاق بالمسيح من بعده، ويوحنا الحبيب كان أول من آمن بالمسيح وآخر من توفي من تلاميذه، وتنقل بعض الأخبار أنه ابن خالة المسيح، وينسب إليه في الكتاب المقدس خمسة أسفار هي إنجيل يوحنا التي بنت مجمعات رجال الدين المسيحي على نصوصه المتشابهة عدة عقائد غير صحيحة كالثالوث، وثلاث رسائل، ورؤيا وهي خاتمة الكتاب المقدس وهي الرؤيا التي رآها في منفاه بجزيرة بطمس اليونانية، وهذه الرؤيا ستكون محور كلامنا في السطور التالية.
يقول الدكتور غالي في تعريفه بالسفر عبر موقعه الإلكتروني: ” سفر رؤيا يوحنا هو اعلان Revelation وهو مشتق من اللاتنية، وهناك اسم اخر بديل له وهو رؤيا Apocalypse من اليونانية وكلاهما تعنيان “كشف النقاب”، ويدعى في الكتب الكنسية القديمة “سفر الجليان” أي سفر إجلاء الأمر الغامض وكشف المقاصد المستورة”.
يرى علماء الكنيسة أن السفر قد كتب بأسلوب نبوي شيفري، أي يتحدث عن نبوءات مستقبلية قادمة، وبشكل مُشفّر مُرمّز. ولعلَّ من يقرأ ما خطَّ في بداية السفر سيدرك أنه خاص بزمن آت ولا علاقة له بأحداث ماضية أو آنية، حيث نقرأ في (رؤيا 1: 1): “إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله، لِيُرِىَ عبيده ما لابد أن يكون عن قريب”.
يتكون السفر من 22 إصحاحاً، وضمن السفر سبع رؤى والعديد من الشيفرات المرمزة بشكل أعداد ورموز وألوان وتشابيه، وقد عبّرَ كثير من علماء المسيحيين على مر القرون عن عجزهم عن معرفة تفسير هذا السفر ورموزه، فنجد البابا ديوناسيوس السكندري يقول عن السفر: ” أنه يحمل فكرًا يفوق إدراكي، وبالرغم من عجزي عن فهمه غير إنني لا أزال أؤمن أن هناك معانٍ عميقة وراء كلماته”.
ورغم تبيان الوحي ليوحنا بنص واضح بأنَّ كاشف الأسرار وفاتح الأقفال والختوم هو شخص بعينه دون سواه إلا أنَّ علماء المسيحيين خاضوا ولا يزالوا يخضون لليوم في تفسيره رغم اعترافهم بغموضه. حيث نقرأ في (رؤيا 5: 4- 5): فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيرًا، لأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مُسْتَحِقًّا أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: «لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ».
وهذا نص صريح وبيان واضح بأن الفاتح والفاك للختوم هو رجل ينحدر من سبط يهوذا شبهه الوحي بالأسد، ونبشر جميع المنتظرين بأنَّ هذا الأسد الذي هو “من سبط يهوذا” قد جاء وفكَّ كل الختوم، وكشف النقاب عن معاني السفر ورموزه، وهو مصداق ذلك الكامل الذي أخبر عنه بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (13: 9 -10): ” لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ”.
وهو ذلك العبد الحكيم الذي وعد المسيح أنّه سيعطي العلم في وقته، ولعل تفسير هذه الرؤيا من علومه التي جاءنا بها وأعطانا إياها، حيث نقرأ في (متى 24: 45): “فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟”.
أما عن شخصية ذلك الأسد الذي (هو) سبط يهوذا، والذي جاء وفكَّ كل الختوم فهو ذلك الممهد والمخلّص الذي وعد الكتاب المقدس بمجيئيه قبل مجيئ المسيح في يوم الرب المخوف والعظيم، حيث نقرأ في (ملاخي 4: 5-6): “«هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ»”.
وقد فسّرً علماء الكتاب المقدس هذه الآيات بأن شخصاً سيأتي بمنهج إيليا ممهداً للمسيح قبل المجيء الثاني تماماً كما جاء يوحنا المعمدان بنهج إيليا ممهداً في المجيء الأول، ولعل هذا الرجل الإلهي لن يأتي ليكون له دور اجتماعي إصلاحي فحسب، بل سيأتي ليبين العقيدة الحقة، كونه سيكون الباب الشرعي الوحيد للسيد المسيح، حيث يقول الأرشمندريت أثناسيوس ميتيلناوس في كتابه سفر الرؤيا – الأبواق السبعة والمسيح الدجال: “إنَّ الذين سيتحلون بثوب الفضائل سيحيون بالتأكيد؛ لأنَّ إيليا سيأتي ليعطي التفسير الحقيقي، سيعطينا مقياس هوية المسيَّا الحقيقي، ويخبرنا أنَّ المسيح الدجال ليس المسيا”.
وحول تفسير هذه الآية يقول الأب داود لمعي: ” ونحن لا زلنا ننتظر من يأتي بروح إيليا وقوته قبل مجيء المسيح الأخير، وهذا مذكور في سفر الرؤيا بأنَّ الله يرسل إيليا النبي ليقف ضد المسيح الدجال”.
إذاً وحسب نصوص الكتاب المقدس وتفاسير علماء الكنيسة أنفسهم أنَّ رجلاً إلهياً سيأتي قبل المسيح في المجيء الثاني ليعلمنا ويعطينا ما خفي عنا، وقد جاء هذا الرجل محتجاً بهذه النصوص وغيرها الكثير وهو السيد أحمد الحسن، والذي بدأت دعوته عام 2002 في العراق، وسنبين تفسيراته لرموز ومعاني سفر الرؤيا وبقرائن أعطاها من الكتاب المقدس نفسه، فكونوا معنا في هذه السلسلة من المقالات التي سننشرها إن شاء الله عبر صحيفة الصراط المستقيم، حيث سنتعرف على المقصود بالألف والياء والبداية والنهاية، وابن الإنسان وشبه ابن الإنسان، وهوية الغالب الذي تكرر وصفه في الرؤيا، وسر المدينة الجديدة، وهوية الجالس على العرش والشيوخ الأربعة والعشرين حوله، والأسد الغالب، والخروف المذبوح وسر عيونه السبعة وقرونه السبعة، والجالس على الفرس الأبيض، والمختومين المئة والأربعة والأربعين ألفا، وهوية المرأة المتسربلة بالشمس والقمر وابنها الراعي ونسلها، وتشخيص بابل، والخروف الواقف على جبل صهيون وأنصار أبيه، وكوكب الصبح، وهوية الكائن الذي كان والذي سيأتي، وحقيقة آسيا والكنائس السبعة، ورموز ومعاني أخرى أحكمها العبد الأمين الحكيم السيد أحمد الحسن.
