كثيرة جدا هي العلوم و العبر و المفاهيم التي جاء بها يماني آل محمد السيد احمد الحسن (ع) و التي من خلالها يستطيع المنصف أن يحكم بوضوح على صدق دعوته المباركة و مدعاها , و هذا أمر أصبح لدى الأنصار المؤمنين بدعوة الحق اليمانية من البديهيات التي لا تحتاج إلى كثير عناء للدلالة عليها . و لسنا نريد الخوض في بعض التفاصيل حول هذه العلوم و العبر و المفاهيم , فهي مما لا يحيط به إنسان … و لو أفنى عمره إذ إنها بحر متلاطم لا ساحل له و لا قرار و مع ذلك فهي واضحة و بسيطة لا غبار عليها و لا لبس فيها و ذلك أنها مستقاة من الدين الإلهي , و بالاتصال الذي لا يمكن من خلاله أن ينفذ الشيطان اللعين و لا شياطين الإنس و الجن , و لا يستطيعون التشويش على ذلك المستقى العذب و لا على ذلك النور الممتد بين السماء و الأرض و النازل على ولي الله و حجته و خليفته في أرضه . فهو إذن علم حق لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم .
وإذا كان كذلك – وهو كذلك – فهو إذن و كأبسط مثال كالغيث الذي ينزل على المحول المجدبة , و الصحارى المقفرة و الوديان اليابسة فيُحي فيها الموات , و يبعث فيها الحياة و تحلُ بها الحقول اليانعة , و تنمو بها الأشجار الباسقة , و تخرج بها أنواع الخضرة و النبات و الأزهار و الورود , و تزهر بها الأثمار و الأشجار .
و لكن مع الأسف فإن كثيراً من الناس تتصور المعصوم بمزايا و صفات خارقة للعادة موهوبةٌ له من الله تعالى , و كأن لا فضيلة له و لا حظ مما لديه لأنه موهوب له ذلك و عطاء من واهب العطايا سبحانه و تعالى , فقد جردوه مما هو أصل الامتحان و الاختبار و هو الإيمان و العمل الصالح و الإخلاص و التخلق بأخلاق الله تعالى و غير ذلك من مكارم الأخلاق و معالي الصفات و السمات و عالي الدرجات . و بهذا فقد أصبح بقية الخلق – وفق هذا التصور الخاطئ – خيراً من المعصوم – وحاشاه- لأنهم لم تعط لهم تلك المزايا و الصفات فهم معذورون إن اخطأوا أو أذنبوا و هو – اي المعصوم- عليه أن يأتي لهم بكل ما يطلبون أو أن يفعل ما يرغبون لأنه معصوم , و له القدرة على فعل كل ما يريد , و له القدرة التكوينية مضافاً للتشريعية !! و في حقيقة الأمر فإن هذه أوهام لا أصل لها في الشرع و لا في دين الله تعالى القائم على الجزاء مقابل العمل و ليس المحاباة , و لا بالعطايا و الهبات بغير سبب . فمثلاً إن نبي الله يوسف عليه السلام لم يمتنع عن الفاحشة لأنه معصوم بل إنه صار معصوماً و عُصِمَ لأنه إمتنع عن هذه الفاحشة و غيرها من الفواحش و المنكرات . و بهذا فهو قد تطهر و تقدس بعمله و طاعته و إخلاصه لله تعالى . فعلى من يريد العصمة أن يسلك سلوك هؤلاء الأطهار المقدسين و يحذو حذوهم و الباب مفتوح . و على ضوء ذلك فإنَ السيد اليماني عليه السلام يتصرف بشكل طبيعي جداً و كأي إنسان آخر من خلق الله , فهو لا يقول – إلا في حالات إقامة الحجة , و إعطاء الدليل – لا يقول مثلاً : أنا معصوم و استطيع فعل كذا .. و كذا فإنَ هذه الأشياء إن حصلت فإنما تحصَل وفق الدواعي و الأسباب و المسببات , و عندما يدعو الناس إلى طاعته فلأنَ الله تعالى هو الذي أمر بذلك و ليس هو من عند نفسه , وفق قانون معرفة الحجة و خليفة الله في أرضه , و الذي بيَنه و وضَحه السيد اليماني بأجلى و أوضح بيان , و الذي لم يكن معروفاً بهذه الصورة من قبل بالرغم من كونه موجوداً في الدين الإلهي منذ بدأ الخليقة . و النتيجة التي نريد الوصول إليها : إنَ المعصوم عليه السلام – كما علمنا أحمد الحسن سلام الله عليه – خليفة الله و مفترض الطاعة و هو القائد للبشرية , و لخلق الله تعالى و معلمهم .. و لكنه بجميع الأحوال بشر و عليه و لهُ ما على الناس و لهم . فهو لا يفرض طاعته و لا يريد منهم جزاءاً و لا شكوراً بل إنَ أكبر همَهُ هو الوصول بالخلق الى ساحل النجاة و بر الأمان و عبادة الله تعالى وحده لا شريك له , و الفوز بالجنة و النجاة من النار , و بالتالي المعرفة التامة , و اكتمال العقل الإنساني , و هو مرقى يطول الحديث عنه , و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
65 3 دقائق