زاوية الدعوة اليمانيةعقائد أهل الكتابغير مصنف

النصوص التي استدل بها المسيحيون على عقيدة التثليث -5-

احتجوا أيضاً بنصوص من قبيل: «قلت لكم ولستم تؤمنون.. لأنكم لستم من خرافي.. خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد.. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد»[ يوحنا:10: 25-30].

وما ورد في إنجيل يوحنا: (19فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلاَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا )[ يوحنا:8- 19].

وكذلك: (23اَلَّذِي يُبْغِضُنِي يُبْغِضُ أَبِي أَيْضًا )[ يوحنا:15]، وأيضاً: (9قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ )[ يوحنا:14]. وأخيراً: (23لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ ) [ يوحنا:5].

هذه النصوص يستدلون منها إلوهية عيسى إلوهية مطلقة، على الرغم من دلالتها الواضحة على أن عيسى نبي مرسل من اللّـه سبحانه وتعالى وهو ممثل لله في الأرض.

فطالما كان خليفة لله في الأرض يكون من رآه قد رأى اللّـه تعالى، ومن أحبه أحب اللّـه، ومن أبغضه أبغض اللّـه، فهو تجلي اللّـه في الأرض، أو اللّـه في الخلق لا إنه هو اللّـه سبحانه وتعالى، أو إنه هو اللاهوت المطلق.

وكذلك يكون هو واللّـه واحد، ولكن أيضاً لا بمعنى إنه هو اللّـه، بل بمعنى إنه يمثل اللّـه تعالى وأهدافه، فيكون من هذه الجهة مع اللّـه واللّـه معه، أي يكون مع اللّـه جهة واحدة.   

 وقد ورد عن عيسى(ع): ( لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب . من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله )[ يوحنا:5- 23]. أي إن الابن والآب جهة واحدة، لأن الابن رسول اللّـه وممثله.

وجاء في رسالة يوحنا الأولى: (من اعترف بأن يسوع هو ابن اللّـه، فاللّـه يثبت فيه، وهو في اللّـه، ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا، ومن يثبت في المحبة يثبت في اللّـه، واللّـه فيه)[ يوحنا: (1) 4-15-16].

فاللّـه تعالى في المؤمنين لأنهم آمنوا، وليس لأنهم آلهة. ومعنى إنهم في اللّـه، واللّـه فيهم هو إن الإيمان به تعالى يغمر قلوبهم، بل كل كيانهم، وهذا ما عبر عنه بولس بقوله: (فإنكم أنتم هيكل اللّـه الحي، كما قال اللّـه: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً)[ كورنثوس:(2) 6-16-17]،  وبقوله: (إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل، وفي كلكم)[ أفسس: 4-6].

ويقول عيسى لتلاميذه: ( أنا الكرمة، وأنتم الأغصان، الذي يثبت في، وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير)[ يوحنا: 15-5]. أي من يحبني ويطيعني ويؤمن بي فهذا يأتي بثمر كثير.

ويقول: (23أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي )[ يوحنا:17].

فالمعنى الصحيح لقوله: (لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ، وأنا فيه)[ يوحنا:10-38] هو إن اللّـه في عيسى بمعنى أن عيسى تجلٍ لله وصورة له لا إنه هو ذاته.

ويقول بولس: ( أنا غرست، وأبلُّوس سقى … الغارس والساقي هما واحد .. فإننا نحن عاملان مع اللّـه)[ كورنثوس: (1) 3-6-9]، فوحدة بولس مع أبلوس وحدة الهدف المشترك، لا الجوهر والذات.

وورد في التوراة: ( يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً )[ التكوين: 2-24]. أي يصبحان جهة واحدة، وهدف واحد.

كل هذه الأمثلة تدل على أن قول عيسى(ع): ( أنا والآب واحد ) يعني أن عيسى(ع) هدفه هو هدف اللّـه وإرادته هي إرادة اللّـه تعالى، لا ما يفهمه المسيحيون من أنهما واحد، وأن عيسى بالتالي هو اللّـه جل وعلا.

نعم لا يسعهم أن يحملوا كلام عيسى(ع) على الحقيقة، ولابد لهم من تأويله على أن المراد منه ما ذكرته أو غيره، والتأويل مفهوم ووارد حتى في كتبهم فقد جاء في متى :( ثم يقول الملَك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني .. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك، ومتى رأيناك غريباً فآويناك .. فيجيب الملَك، ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم)[ متى: 25-34-40].

ومثله ما ورد عن بولس: “شاول شاول، لماذا تضطهدني .. أنا يسوع الذي أنت تضطهده“، فبولس الذي اضطهد تلاميذ المسيح يكون كمن اضطهد عيسى(ع).

إن عدم قبولهم بتأويل بعض النصوص يقتضي أن يقولوا إنهم كلهم آلهة، فقد ورد في رسالة بولس:  ( 7إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ. 6وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ )[ أفسس: 4].

أيضاً ورد عن عيسى(ع) يدل بوضوح على أن اللّـه تعالى ليس هو عيسى، بل هو آخر:

(32إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا. 31الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَق. 33أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ. 34وَأَنَا لاَ أَقْبَلُ شَهَادَةً مِنْ إِنْسَانٍ، وَلكِنِّي أَقُولُ هذَا لِتَخْلُصُوا أَنْتُمْ. 36وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي. 37وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ )[ يوحنا:5].

الذي يشهد لعيسى هو آخر، والآب نفسه يشهد له، إذن الآب آخر، وليس هو عيسى.

وخاتمة المسك قول عيسى(ع) الذي يؤكد أن استدلالهم لا محل له: (أبي أعظم مني)[ يوحنا: 14-28].

 (صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 7 ـ الصادر بتاريخ 27 رمضان 1431 هـ الموافق ل 07/09/2010 م)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى