زاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعة

كيف تعرف راية الهدى ودعوة الحق الإلهية؟؟

كيف تعرف راية الهدى ودعوة الحق الإلهية؟؟
كيف تعرف راية الهدى ودعوة الحق الإلهية؟؟

يعد البحث في راية الهدى سبيلا من سبل معرفة صاحب دعوة الحق ، بوصف أن معرفة الراية هو معرفة لركن من أركان قانون معرفة حجة الله سبحانه الذي ذكره الباري سبحانه في كتبه السماوية ، وجلى ذكره في القرآن الكريم ، وهذا القانون يتجلى في قضية تنصيب آدم (ع) خليفة لله سبحانه وكان تنصيبه مستنداً إلى ذلك القانون ، ومن المعلوم أن هذا القانون ثابت لا يتغير ولا يتبدل لأنه سنة الله سبحانه 

قال تعالى{ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً * قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً * إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً * اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا }(فاطر/39- 43)

 وهذا القانون الذي يعرف به المنصب من الله سبحانه يتلخص في أركانه الثلاثة الأساس بـ :

1-   الوصية ، فقد نصَّب الحق سبحانه بآدم(ع) بالنص في ملأ من الملائكة قائلا لهم{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة/30)

ولو لم يحصل اعتراض على ذلك النص(الوصية) لكان لوحده كافيا لصاحب الأمر ، غير أن الاعتراض الأول الذي حصل دعا رب العزة سبحانه وهو الرحيم الودود بعباده إلى أن لا يحملهم ما لا يطيقون فشفع الوصية بركن ثان كي يتيسر للعباد التسليم ولا يكون التسليم قهرياً ، وهو سبحانه القادر على ذلك لو أراد واقتضت مشيته سبحانه ، حيث أقام الحق سبحانه الحجة على عباده {ولله الحجة البالغة} فشفع الوصية بالعلم ، فكان هو الركن الثاني من أركان قانون معرفة الحجة .

2-   العلم ، وكان هذا الركن سبيلا يكشف عن أفضلية المنصب منه سبحانه على خلقه الذين نصبه عليهم ، قال تعالى { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }(البقرة/31)

ولم يكتف الحق سبحانه بتعليم وصيه وخليفته العلم الذي يهيمن به على من دونه من العباد ، بل لبيان فضل وصيه وخليفته وقصور المأمورين بالتسليم له ، امتحن الله سبحانه المنصب عليهم بما علمه لوصيه وخليفته ، فما كان جواب أولئك الذين اعترضوا على التنصيب في الركن الأول إلا أن{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }(البقرة/32)

ولكي يظهر فضل الوصي وما أولاه سبحانه وما جعله ينماز عليهم بما عرف من العلم ، فجاء الأمر الإلهي للوصي فقال تعالى{ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }(البقرة/33)

وهنا علم المستخلف فيهم أن هذا الوصي انماز عليهم بالعلم فهو محيط بهم بأمر ممن نصبه ، ولذلك لم يجدوا بدا من التسليم لمراد الله سبحانه ومشيئته ، وعند هذا الركن استبان للمستخلف فيهم مقام الوصي ومكانته على أنه خليفة لله سبحانه بأمره ، ولكن هذه المعرفة تحتاج إلى تثبيت من المستخلف عليهم في أنفسهم ليبقى ما أقروه واعترفوا به للوصي المنصب ثابتا قارا في أنفسهم ، ويظهر أثره عليهم عملا كما ظهر عليهم قولا .

الراية الهادية الحاكمة ، الهادية للمستخلف فيهم إلى الحق ، والحاكمة لهم بأمر الله سبحانه ، قال تعالى{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }(الحجر/29)

وهنا الآية الكريمة ـ بحسب ما أفهم والله سبحانه ووليه(ص) أعلم وأحكم ـ تكشف عن أن التسوية هي تزويد المنصب بالعدالة ؛ أي جعله عادلا وعدله صورة لعدل بارئه سبحانه ، ونفخ الروح فيه تمكينه ؛ أي جعله محيطاً بالمستخلف عليهم مهيمنا عليهم ، عالما بهم إجمالا وتفصيلا كما هو سبحانه ، وكأن الآية الكريمة تقول ؛ فإذا قام الخليفة عادلا ومُمَكَّنا صار واجبا عليكم أن تقعوا له ساجدين ، ومن المعلوم أن السجود هنا دال على الطاعة ، فضلا على أن الأمر بالسجود له هو دال على تعيين الخليفة (رسميا) بوصفه قبلة المنصب عليهم ، وهذا يعني أن هذا المنصب بقيام هذا الركن يكون له الحق أن يقول ويفعل ويحكم من دون أن يكون لأحد من المأمومين الحق في سؤاله عما يفعل أو التعقيب على حكمه ، قال تعالى{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } (الأنبياء/23)

وهذا الفهم ينبغي أن لا يتهم بالغلو نتيجة الجهل بمقام المنصب من الله سبحانه ، ذاك أن هذا المنصب من الله سبحانه أمره عظيم لأنه صورة من نصبه ، بل ويعجز الخلق عن معرفته لأن أمره من أمر بارئه سبحانه ، ويكفي أن جميع العلماء والباحثين يتفقون على أن خليفة الله سبحانه علمه لدني وليس حصولي ، فهو لا يأخذ العلم تحصيلا كي يطهر من الجهل وظلمته ، بل هو طاهر مطهر من الجهل وظلمته ، أما العلم الذي يتعلمه من لدن بارئه هو كي يكون مفوضا إليه دين الله سبحانه فيكون هذا المنصب عين الله ويد الله ، ووجه الله سبحانه ، بل يكون هو تجلي الله في الخلق ، فيكون قوله قول الله ، وفعله فعل الله سبحانه ، وأمره أمر الله سبحانه ، وهذا يعني فيما يعني ؛ أن ليس لأحد الحق في أن يخطر على باله ولو خطرة أن يسأل ؛ (لِمَ وكيف) ، فضلا على أن تتحول تلك الخطرة إلى فكرة تعمل في القلب ، أو تصل إلى أخطر مراحلها عندما تخرج قولا يكشف عن أن السجود في واقعه من ذلك المعترض لم يكن سجودا كاملا تاما ، فيخرجه ذلك الاعتراض بالقول من مرضاة الله سبحانه إلى ساحة سخطه ، وليس للمعترض حق في أن يتعلل باعتراض الملائكة ذاك أن اعتراض الملائكة لم يكن عن سابق معرفة ، أما اعتراضه هو فقد جاء بعد أن كان له في اعتراض الملائكة عبرة ، عليه أن يعتبر بها ، ولا يقع في نفس ما وقع فيه الملائكة الذين كان لاعتراضهم أثر وهو أن بني لهم بيتا يطوفون به طلبا للتوبة عن ذلك الذنب الذي اقترفوه ، ذاك أن الاعتراض ينبغي أن ينظر إليه إلى أنه واقع قبالة من ، ولا ينظر إلى ماهية الاعتراض أو كيفيته ، فالمعترض عليه هو ؛ الله سبحانه ، هو الذي وهب الوجود نعمة الوجود ، وهو جل وعلا يكيفه بحسب ما يشاء ، ولذلك هنا لطيفة ينبغي الالتفات إليها وهي ؛ إن محمداً وآل محمد(ص) ما مر في خاطرهم هذا الذي حصل من الملائكة ، فماذا قال الله سبحانه فيهم؟!

قال تعالى{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }(الأنبياء/26- 29)

واستحقوا بذلك ما تفضل عليهم به رب العباد سبحانه فجعلهم وجهه في الخلق ، ويده وعينه ولسانه الناطق ، وهم حججه على الخلق وخلفاؤه فيهم .

* صحيفة الصراط المستقيم * العدد 28 * السنة الثانية * بتاريخ 1-2-2011 م * 27 صفر 1432 هـ.ق *

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى