أخبار سياسية منوعة

فشل الديمقراطية : الأحزاب تستنجد بالعشائر

تبدو الديمقراطية فكرة خلابة تسحر العقول لاسيما في إطارها النظري الذي تفهمه الشعوب التي أدمنت الديكتاتورية ومصادرة الحريات بوصفه مساحة الحرية المفتقدة .. الحرية التي يتصاعد الحنين لها مع تصاعد وتائر التضييق وتكميم الأفواه والعقول ، حتى يستحيل وجداً يؤرق الضمائر المعذبة

فشل الديمقراطية : الأحزاب تستنجد بالعشائر

أبو محمد الأنصاري

تبدو الديمقراطية فكرة خلابة تسحر العقول لاسيما في إطارها النظري الذي تفهمه الشعوب التي أدمنت الديكتاتورية ومصادرة الحريات بوصفه مساحة الحرية المفتقدة .. الحرية التي يتصاعد الحنين لها مع تصاعد وتائر التضييق وتكميم الأفواه والعقول ، حتى يستحيل وجداً يؤرق الضمائر المعذبة .

ولكن حتى على هذا المستوى النظري يمكن للنظرة الموضوعية غير المدفوعة بمؤثرات الواقع المنحرف أن تجد في الديمقراطية ذلك الداء القديم الذي هو أصل كل داء ، فالديمقراطية ليست سوى الوريث الطبيعي الأكثر مرارة للديكتاتورية !

فإذا كانت الديكتاتورية تعني أن يتحكم فرد أو مجموعة محدودة من الأفراد بمجموع الناس ، فإن هذا المعنى يُترجم على مستوى المضمون الفكري بأن رؤية معينة يتم قسر الناس عليها ، وهذا المعنى متحقق في الديمقراطية أيضاً .

فالديمقراطية التي تحتفي كثيراً بالإختلاف وتعدد الرؤى تؤطر كل هذه الرؤى المتباينة ظاهرياً بإطار نظرة كونية واحدية ضيقة تستبعد السماء لتلتحم ، بل تتلاشى تماماً بما هو مادي ملموس ، فالأكثرية التي تنتصر الديمقراطية لرؤيتها لا يمكنها التشكل بهذه الصورة ( الأكثرية ) إلا إذا التقت عند ما هو مادي مصلحي دنيوي ، وغالباً ما تتحقق الأكثرية في النقاط البعيدة مما هو إنساني والأقرب جداً الى البعد الحيواني في الإنسان .

والديمقراطية التي تنفي تدخلات السماء في معادلة الحكم على الأرض وتنظيمها ، تلتقي مع الديكتاتورية في إن كلاً منهما يذهب في خاتمة المطاف الى فكرة أن الحاكمية هي للناس والعقل البشري القاصر ، وبالضرورة إذن للتجريب ولرحلة الخطأ والصواب التي لا يمكن تحديد نهاية لنفقها الطويل ، بل إن الديمقراطية أكثر سوءاً من الديكتاتورية في هذا الصدد . فالديكتاتورية التي لا تقيم وزناً لمقولة الأكثرية أوسع حرية في الإستفادة من التجارب ، ويمكنها دائماً تشكيل رؤية فكرية تقود مسيرة الحياة ، وبالنتيجة هي أكثر قدرة على جعل الفكر – مهما قلنا عنه – يقود الواقع والحياة وينظمها ويجعلها تابعاً له ، بينما الديمقراطية ذات القيد الأكثري لا يسعها سوى الإنصياع لرغبات الواقع والتشكل على وفق صورته ، وبالتالي هي تجرد الفكر من جوهره التنظيمي ليعود تابعاً ذليلاً لفوضى الواقع ورغباته العارمة المتناقضة .

ولعل ملاحظة التجارب التطبيقية للديمقراطية في البلدان المختلفة تكشف بوضوح لا ينكره الأعمى خرافة فكرة الإرادة الحرة في الإختيار التي تتيحها الديمقراطية ، فالشعوب المكبلة بسلاسل الديمقراطية الذهبية تصادر إرادتها دائماً نخبة الأثرياء ممن يملكون أو يجيرون وسائل الإعلام ، ويستطيعون بالنتيجة صناعة الرأي العام بالمقاسات التي تلائم مصالحهم ورؤاهم ، وكلكم رأيتم كيف أن الشعب الأمريكي على سبيل المثال انتخب بوش بعدد كبير من الأصوات ، ولكنه بعد أن تكشف له وجه بوش الحقيقي غير الملائم لرغباته – أي الشعب الأمريكي – لم يسعه سوى أن يضع كفه على خده بانتظار نفاد السنين الأربع الثقيلة ، ولكن لا ليتعظ مما حدث بل ، ليدخل يده مرة أخرى في جحر الديمقراطية نفسه ، دون أن يملك أي ضمان في ما ستقبض عليه كفه ؛ جوهرة هذه المرة ، أم أفعى كما في كل المرات !

ويمكن لعين الملاحظ كذلك أن ترى بوضوح ذلك الخط البياني المتدهور الذي تترسمه خطى البرامج الإنتخابية الأمريكية ، وهو مسار لا يشي بغير دلالة وحيدة هي السقوط في بحر الحيوانية الأجاج ( الدفاع عن حقوق الشاذين جنسياً بوصفه ركيزة انتخابية ) .

وبالنسبة للنسخة العراقية المستوردة تبدو المفارقة أوضح لا لشئ سوى أن الديمقراطية في حقلها العراقي الجديد مكرهة على أن تبدأ مسيرها من نقطة الصفر ، وغير قادرة بالتالي على ستر عثراتها التي تظهر جلية لأن الناس لم تدمنها بعد كما حدث في البلدان العتيدة بتجريب الأكذوبة الديمقراطية !

يعتذر الكثيرون للديمقراطية العراقية الهوجاء بعدم ترسخ التجربة في النفوس والعقول والثقافة ، ومن منطقهم إن الناس لما يزالوا متخلفين عن اللحاق بالروح الديمقراطي المحلق بسماوات القيم والأخلاق التي يزعمونها ، فالديمقراطية برأيهم أفق فكري ينبغي للواقع أن يرتقي له ليفعل فعله فيه ، ولكنهم لا يلتفتون الى أنهم باعتذارهم هذا إنما يوجهون صفعة لوجه الديمقراطية ، ويصنفونها في خانة الأفكار اليوتوبية غير القابلة للتجسد الأرضي ( روسو يظن أن الديمقراطية لا تليق سوى بمجتمع من الآلهة ! ) . فالديمقراطية التي تناسب نمطاً خاصاً من الشعوب والثقافات لا يسع أحد التبشير بعالميتها ، والثقافة التي لا تناسبها الديمقراطية لا يمكن لهذه الأخيرة أن تتولد من رحمها ، اللهم إلا بطريقة العمليات القيصرية ، أو يتم اللجوء الى طريقة نسبة الولد لغير الفراش كما حصل في عراق مرجعية النجف الشريفة جداً .

الديمقراطية في الحقيقة لعبة حكم ، كما يشيع وصفها على أكثر الألسنة ، وفي هذا الوصف آية للمتوسمين ، فهي لعبة بكل ما تحمله كلمة لعبة من دلالة على عدم الجدية وعدم اللياقة بالناس الناضجين فكرياً ، ومن هنا فليس مستغرباً أن يلجأ اللاعبون الذين غرتهم الحياة الدنيا من السادة الأفاضل زعماء الأحزاب الإسلامية – الإسلامية حد الإستلقاء على الظهر من شدة الضحك والسخرية ، أو حد البكاء المرير – ليس مستغرباً أن يكثروا من زيارة المناطق العشائرية ليجتمعوا بشيوخها المعقلين ( من العقال ، والعقل : بمعنى الإعتقال أو شد الوثاق وسلب الحرية الفكرية ) . فهؤلاء الشيوخ الموثوقين بحبال القداسة المزيفة التي يزعمها فقهاء آخر الزمان ، يمكنهم ببساطة مؤلمة أن يقنعوا جماهير الهوسات والعراضات الموثوقين بحبال الهمجية القبلية ، ويحددوا لهم الخيارات التي تشرف قبيلتهم وتمنحها حق التبجح بأن السيد فلان أو الشيخ الفقيه علان قد زارهم ودلق على وجوههم صبغاً من البوية البيضاء الرخيصة ، وربما وعدهم بمناصب في الشرطة أو الجيش ، أو حتى في الجامعات التي تخرج علماء ضليعين بمعرفة آخر أغاني كاظم الساهر .

ومن يمكنه مؤاخذتهم ؟ وبأي عرف ديمقراطي ؟ ومن هذا المغفل الذي يعتقد أن الديمقراطية تنطوي على أخلاق وهذه الأخلاق تستلزم توعية الجماهير ؟ وأي وعي هذا وما حقيقته ؟ أ ليس الوعي بعرف أهل الدنيا الذين يملئون البر والبحر الآن هو ما يعتقده كل منهم وما يراه مناسباً له ؟ أم لعلكم تفكرون الآن بما تفوه به عبدالمهدي الكربلائي ومن لف لفه ، هؤلاء الذين يتحدثون عن التقوى في الإختيار وتحري المصلحة الجماهيرية ، أسألوهم من تنطبق عليه مواصفات الرجل الصالح وستسمعون منهم إجابة تريكم الديك حماراً ، وهل نسيتم أن التقوى التي يتحدثون عنها دائماً ما تُشفع بورقة من فئة المئة دولار وحقيبة مدرسية .

Aaa-aaa9686_(at)_yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى