زاوية الأبحاثزاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينية

المعترضون على خلفاء الله .. وحدة المنهج ((الحلقة السابعة))

مع منهج المعترضين على خلفاء الله في أرضه، وبعد استعراض الأمور ثمانية، إليكم ما تبقى.

الأمر التاسع: ((المحاججة والمجادلة بالباطل)) :

ومما يجمع المعترضين على خلفاء الله – صلوات ربي عليهم أجمعين – في الاعتراض هو محاججتهم بالباطل، فكان من طريقتهم مقابلة حجة الرسل الدامغة بباطل لا أساس يستند إليه ولا مرتكز يعتمد عليه بل فقط سعي حثيث لرد البينات الواضحة لحجج الله كيفما كان ولو بجدال عقيم وتهريج لا نظير له، ذلك هو احد مفردات منهج المعترضين الذي يلتقون ويتوحدون عليه، وهو واضح لمن تأمل بعض أقوالهم وأفعالهم في آيات الكتاب الكريم.

وهذه المفردة في المنهج كان من حقها التقدم ولكن في تأخيرها غرض التفصيل أكثر؛ لأنها تمس واقع المعترضين اليوم بالصميم، ويمكن ملاحظتها عند المعترضين على خلفاء الله عموماً من خلال أجوبتهم الصادرة عند بيان الرسل حجتهم على أقوامهم، فيأتي الاعتراض والرد على كل خليفة بصورة:

1)     ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، أجئتنا لتصرفنا عما كانوا يعبدون، ما بال القرون الأولى.

2)     ما اتبعك إلا أراذلنا ومن لا فضل لهم والضعفاء من قومنا.

3)     إنما أنت بشر مثلنا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.

4)     ضعيف الحجة بل لم تأتِ ببينة وكل ما أتيت به ما هو إلا أساطير الأولين، ثم: لست بفصيح ولا نفقه كثيراً مما تقول، ولم نسمع بشيء جديد منك، بل بإمكاننا أن نقول مثل قولك.

5)     إذا كان ربك يحي ويميت فنحن نحي ونميت مثله، بل نحن أكثر أموالاً وأولاداً، ما نحن بمعذبين، وأمثال ذلك من رفض الحجة بالباطل.

6)      إنا بما أرسلتم به كافرون، وعليه فنحن من يقرر من يأتي حجة وخليفة لله: (لو كان الخليفة ملكاً لا بشراً، لو كان فلاناً هو الخليفة فينزل عليه ما نزل عليك، لولا أنزل على رجل من القريتين عظيم، لو كنت أنا الخليفة لا أنت ومن أنت حتى تكون).

أو نحن من يقرر ويقترح ما تأتون به من أدلة لا ربكم الذي أرسلكم: (لو اقترن في دعوته بملك ينذرنا معه، لو تفجر لنا من الأرض ينبوعاً، لو تكون لك جنة من نخيل وعنب وأنهار أو يكون لك كنز، لو تسقط السماء علينا كسفاً، لو تأتي لنا بالله وملائكته، لو يكون لك بيت من زخرف، لو ترقى في السماء وتأتينا بكتاب نقرؤه، لو تمطر السماء حجارة، لو أنزل عليه آيات أو آية، لو … لو …، وأمثال ذلك مما قاله المعترضون في هذا الاتجاه أيضاً، كان هذا الإجمال واليك التفصيل في نقاط تترا بإذن الله تعالى.

الأولى: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .. وما يلحقه

فقد قال قوم نوح اعتراضاً عليه: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ … ما سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ المؤمنون: 24، واعترض قوم هود فـ ﴿قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا …﴾ الأعراف: 70، وقوم صالح: ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ .. أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ..﴾ هود: 62، واعترض قوم إبراهيم عليه u لما دعاهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ..﴾ مريم: 46، وعلى شعيب u اعترضوا بنفس الاعتراض: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ..﴾ هود: 87.

واحتج قوم موسى في رفضهم البينات التي جاء بها موسى u بما كان عليه آباؤهم أيضاً: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا .. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ القصص: 36، ويسأل فرعون عن مصير القرون الأولى وكأنه حريص على هدايتهم ومآلهم  وهو إمام الكفر والضلال ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ طه: 51.

وكان لحبيب الله محمد  نصيبه من هذا الاعتراض من قومه، فقالوا لما دعاهم إلى الله سبحانه: ﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا …﴾ الفرقان: 42، ﴿… أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ الأنبياء: 36، ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ @ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ @ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ ص: 5 – 7.

إنها المحاججة والمجادلة بالباطل إذن تلك التي انتهجها المعترضون عند ذكر ما كان عليه آباؤهم في عبادتهم الآلهة والأصنام التي كانوا ينحتونها بأيديهم، أوَ لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، ومسكين هو ذلك الإله المعبود الذي تأتيه الكلاب بعد مفارقتهم إياه فتبول عليه، وفي ذلك كان لشعراء جاهليتهم صولات من ليالي السهر الماجنة في قصور المعترضين.

على أنه ليس الصنم وحده من يُنحت فيعبد من دون الله، فإنّ تقديس القوم – أيُّ قومٍ – لغير العاملين من علمائهم وإطاعتهم وإتباعهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله يُعدّ في عرف الطاهرين  نحتٌ لهم بصورة الأصنام التي تعبد من دون الله أيضاً، ولهذا ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله u قال: قلت له: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ﴾ التوبة: 31 ؟ فقال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) الكافي: ج1 ص70 باب التقليد ح1.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله u في قول الله U: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فقال: (والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فاتبعوهم) الكافي: ج1 ص70 باب التقليد ح3.

على هذا، ولأنّ سنّة الله في المعترضين على خلفائه في أرضه واحدة، لم تعدو إجابة القوم اليوم لخليفة الله (السيد أحمد الحسن u) إجابة أسلافهم، فيعترض البعض بأنه لم يكن قد سمع بهذا في ملة آبائه الأولين، وآخر بأنه يريد صرفنا عما كان يفعله آباؤنا، وثالث يفكر بحال الأمة قبل مجيء اليماني وبعثته، وهكذا.

وشاء الله أن يذكرنا الثالث بقول فرعون: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾، والثاني بقول من قال: ﴿مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾، والقوم اليوم لا إشكال في انطباق ما قاله الإمام الصادق (ع) عليهم بعد إتباعهم لكبرائهم وهم يحرمون ما احل الله ويحللون حرامه، ولو كان تشريعهم لديمقراطية أمريكا في العراق فقط – والانتخابات كما هو معلوم على النقيض تماماً من حاكمية الله وهي أساس الدين وشعار المرسلين – لكفى في إثبات هذه الحقيقة بعيداً عن كل ما أحدثوه في جوانب الدين المختلفة، وغضاً للنظر عن كل الجوانب الأخلاقية وما يرتبط بالسيرة والتمييز والظلم وأكل مال اليتيم. فإتباعهم ما هو إلا عبارة عن طاعتهم بكل ما فعلوا في دين الله، فالاعتراض على داعي الله بباطل تناجوه بينهم مفاده: (ما هذا إلا رجل يريد صرفكم عما فعله آباؤكم) ؟! ما هو إلا تعبير آخر لقول من سبقهم من المعترضين: ﴿مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾، فهلا نظرتم حالكم، والى أين وصلتم.

كما أن صاحب القول الأول يعيد لنا مشاهد احتجاج المعترضين على خلفاء الله، فكم قيل لهم بعد دعوة أقوامهم إلى الحق والهدى ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾، ثم لينظر كل منا حاله واصطفافه، أمع الحق بلطف الله التحق وتحت رايته اهتدى، أم مع الباطل ما زال يئن من قبحه، ولا تجعلوا ما كان عليه آباءكم عذراً تعتذرون به عن نصرة الحق بعد وضوح آياته وسطوع بيناته، فقد هلكت أقوام قبلكم بهذا العذر، قال تعالى: ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ لقمان: 21.

فإياكم والاستنتان بسنتهم، قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ @ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ @ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ @ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ الزخرف: 22 – 25.

وليس بعيداً عن ذلك ما قاله القوم أيضاً لأحمد الحسن u في محاججتهم بالباطل لما أعابوا عليه أنّ أنصاره مستضعفون وهم أراذل في نظر القوم وبسطاء ليس فيهم من هو في نظرهم وجيهاً أو ذو مال وسلطان وأمثال ذلك، وها هي سنة من سبقهم من المعترضين تشترك معهم في المنهج أيضاً، وهو ما اتركه إلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.  


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى