زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد أهل الكتاب

المعزي الذي بشر به عيسى عليه السلام الحلقة الأولى

المعزي الذي بشر به عيسى عليه السلامورد في إنجيل يوحنا، في مواضع متعددة تبشير عيسىu بالمعزي، ففي ( يوحنا 14 ):

( 26وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. 28سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ، لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي. 29وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ. 30لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. 31وَلكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ، وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا ).

وفي (يوحنا15):

( 26وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. 27وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ ).

وفي (يوحنا16):

(1قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا. 2سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَايَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ. 3وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي. 4لكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ. 5«وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟6 لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. 7لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. 10وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا. 11وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ. 12إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. 15كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. 16بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ. 17فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا هُوَ هذَا الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي، وَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ؟. 18فَقَالُوا: مَا هُوَ هذَا الْقَلِيلُ الَّذِي يَقُولُ عَنْهُ؟ لَسْنَا نَعْلَمُ بِمَاذَا يَتَكَلَّمُ!. 19فَعَلِمَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: أَعَنْ هذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي قُلْتُ: بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي 20اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. 21اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ. 22فَأَنْتُمْ كَذلِكَ، عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ 23وَفِي ذلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَسْأَلُونَنِي شَيْئًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. 24إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً ).

هذه البشارة ترتبط في الحقيقة بالمنقذ المخلص الذي يخرج في آخر الزمان، ولكن المسيحيين يقولون أن المقصود منها هو الروح القدس الأقنوم الثالث بحسب التصور المسيحي لله الذي سبق أن ناقشناه.

يقول الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا:البارقليط هو روح الله القدوس نفسه المعزي، البارقليط: المعزي ( الروح القدس الذي يرسله الأب باسمي ) (يوحنا 14/26)، وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين (أعمال 2/1 – 4) فامتلأوا به وخرجوا للتبشير، وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين، وهو هبة ملازمة للإيمان والعمادتفسير إنجيل يوحنا: الأنبا أثناسيوس  ص 118.

ولكن التأمل البسيط في النصوص يدلنا على غير ما يذهب له المسيحيون.

وسنسجل ملاحظاتنا بشكل نقاط مرقمة كما يلي:

أ- لنلاحظ أن عيسىu يقول: ( إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي )، الأمر الذي يعني أن المعزي وعيسىu لا يجتمعان، فطالما كان عيسىu بينهم لا يأتيهم المعزي، أي أن المعزي لا وجود له ليس أثناء حياة عيسى، بل ربما قبله كذلك.

لكننا نعلم أن الروح القدس كان دائماً مع عيسىu، وكان موجوداً قبله وبعده على حد سواء؛ فقد ورد في إنجيل لوقا: ( 67وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلاً: 68«مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ)لوقا: 1.. هنا الروح القدس موجود مع زكرياu، وفيه أيضاً أن أليصابات امتلأت أيضاً من الروح القدس أثناء حملها بيوحنا ( يحيى): ( 41فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ ) لوقا: 1..

وكذلك مريم حلّ عليها الروح القدس: (34فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ:«كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» 35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ ) لوقا: 1..

وامتلأ يحيى (يوحنا) من الروح القدس وهو في بطن أمه: ( 13فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. 14وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، 15لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ ) لوقا: 1..

وعيسىu كان ممتلئاً من الروح القدس: ( أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ ) لوقا:4/ 1.

وأيضاً: ( وعاد يسوع إلي منطقة الجليل بقدرة الروح) لوقا:4/ 14.، ومثله: (وكان الطفل ينمو ويتقوى بالروح) لوقا:1/ 80..

بل كان الروح القدس على سمعان قبل بعثة عيسىu، كما يظهر من النص التالي: ( 25وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. 26وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ ) لوقا:2.

والأهم من كل ما تقدم إن الروح القدس أُعطي للتلاميذ في حياة عيسىu: (22وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ:«اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 23مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ) يوحنا: 20.

فالروح القدس لا يمكن أن يكون هو المعزي، الذي يُشترط مجيئه للتلاميذ – على الأقل – بمضي عيسى.

ب- لا شك في أن كلمات من قبيل: ( يتكلم – يسمع – يخبر – يوبخ ) تدل على أوصاف حسية تناسب البشر لا الروح القدس الذي تصفه النصوص بصورة ألسنة نارية تنزل على التلاميذ. ولعل المسيحيين يعلمون أن الروح القدس يناسبه الإلهام القلبي مثلاً لا الكلام الذي يحتاج جهازاً صوتياً.

يقول موريس بوكاي بعد تحليل لغوي لفقرة: (لن يتكلم بإرادته وإنما سيقول ما يسمع)، يعود فيه إلى الأصل اليوناني لفعلي (يسمع) و(يتكلم) يقول: ( يبدو إذن أن الاتصال بالناس المقصود هنا لا يكمن مطلقا في الهام عمل الروح القدس، إنما هو اتصال ذو طابع مادي واضح وذلك بسبب مفهوم إصدار الصوت … فالفعلان اليونانيان)  Akouo )،( Laleo) يعبران عن فعلين ماديين لا يمكن أن يخصا إلا كائنا يتمتع بجهاز للسمع وآخر للكلام. وبالتالي فتطبيق هذين الفعلين على الروح القدس أمر غير ممكن. إن نص هذه الفقرة من إنجيل يوحنا كما تسلمه لنا المخطوطات اليونانية غير مفهوم بالمرة إذا ما قابلناه في تمامه مع كلمتي (الروح القدس) في الآية26 من الإصحاح14 وهي:( Paraclet الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي…) الخ. إنها الجملة الوحيدة في إنجيل يوحنا التي تثبت تطابقا بين الـ  Paraclet والروح القدس. ولكن إذا حذفنا كلمتي الروح القدس    (to pneuma to agion ( من هذه الجملة فان نص يوحنا يقدم عندئذ دلالة شديدة الوضوح. ويضاف إلى ذلك أن هذه الدلالة تتخذ شكلا ماديا وذلك من خلال نص آخر ليوحنا وهو نص الرسالة الأولى حيث يستخدم نفس هذه الكلمة Paraclet للإشارة ببساطة إلى المسيح باعتباره الوسيط لدى الله. وعندما يقول المسيح حسب إنجيل يوحنا  ( 16، 14) : ( سأصلي لله وسيرسل لكم  Paraclet آخر فهو يريد بالفعل أن يقول انه سيرسل إلى البشر وسيطا ( آخر ) كما كان هو وسيطا لدى الله وفي صالح البشر في أثناء حياته على الأرض ) (القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة. موريس بوكاي ص133- 134). 

ج- ومما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع المسيح، والمسيح كان بشراً، وهو يقول عنه: (وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر). والنص اليوناني يستعمل كلمة    allon  وهي تستخدم للدلالة على الآخر من نفس النوع، فيما تستخدم كلمة  hetenos للدلالة على آخر من نوع مغاير(انظر: بشارة أحمد في الإنجيل: إعداد وتأليف محمد الحسيني الريس ص14).

د- واضح من النصوص إن المعزي الآتي قد يُكذَّب، وبهذا وحده نفهم لماذا أوصى عيسىu بالإيمان به وإتباعه: ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ ) ويقول: (وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ ).

( قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا ) يوحنا:16/1..

( لَكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ ) يوحنا:16/4.

بينما الروح القدس بالنسبة للمسيحيين هو أحد أطراف الثالوث، وينبغي وفق عقيدتهم أن يكون التلاميذ مؤمنين به. بل إن قوله: ( لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به). يبدو غامضاً للغاية بالنسبة لأقنوم هو ذاته الآب والإبن، فما عسى أن يكون المصدر الذي يمده بالكلام ؟

بل ما معنى أن يوصيهم بالإيمان بالروح القدس إذا كان الروح القدس هو الذي يقود غير المؤمنين إلى الإيمان: ( ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب، إلا بالروح القدس) (رسالة بولص الأولى إلى أهل كورنثوس:12/ 3).. والروح القدس كما في أعمال الرسل تستقر على كل واحد منهم كألسنة النار: ( صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا ) أعمال: 2/1 -4.

فقبولهم الروح القدس إما إن يكون قهرياً، وإما أن يكونوا مؤمنين فقبلوه، وعلى أي نحو كان فهو يدل على أن المعزي الذي يمكن أن يُكذَّب ليس هو الروح القدس التي يرى المسيحيون أنه الأقنوم الثالث.

هـ- إن المعزي يبكت العالم: ( متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة)، فهل فعل الروح القدس شيئاً من هذا، لا شك إنهم لا يستطيعون ادعاء شيء من هذا إلا بمزيد من التمحل والمغالطة.

و- إن قول عيسىu: ( فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً ) يدل بالضرورة على أن شهادة المعزي تختلف عن شهادة التلاميذ، الأمر الذي لا يستقيم إذا فهمنا أن المعزي هو الروح القدس لأن حلوله في التلاميذ يجعل شهادتهم شهادته نفسها، أي شهادة واحدة.

ز-المعزي يبقى معهم إلى الأبد: ( وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ ) فهل يدعي أحد المسيحيين الآن أن الروح القدس معه، وإذا كان يوجد من يدعي فهل ينفرد هو وحده بهذا الأمر ولماذا ينفرد به دون سواه من المسيحيين، وهل يعرف هو كل اللغات كما ورد في أعمال الرسل: (وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ، فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ )؟ أعمال الرسل:19/ 6

ح- يرى إسرائيل نول هذا إن لفظ باراكليت ( المعزي ) هو ترجمة للاسم العبري مناحم، وذلك أن أحد المسحاء من قبل كان اسمه مناحم، وأن هذا الاسم بعد ذلك أصبح مرادفا للفظ مسيا أو مسيح أو مختار، تماما مثل ما أصبح اسم قيصر لقبا لأباطرة الروم من بعده، ويرى بالتالي أن عبارة ( سيرسل الأب باركليت آخر ) تدل على نظرة عيسى لنفسه كمسيا سيعقبه مسيا آخر

(The Messiah before Jesus: The suffering Servant of the   

     Dead Sea scrolls, chapter three: Another Paraclete, Ed 2000.).

ط- فهم المسيحيون الأوائل ما ورد في إنجيل يوحنا من حديث عن المعزي بأنه بشارة بكائن بشري، فقد ادعى مونتنوس في القرن الثاني (187م) أنه المعزي القادم، ومثله صنع ماني في القرن الرابع، وتشبّه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذاً وسبعون أسقفاً أرسلهم إلى بلاد المشرق، وهذا دون شك يدل على ثقافة تفهم من لفظ ( المعزي ) كائناً بشرياً. ولو كان يفهمون أنه الأقنوم الثالث لما تجرؤوا على مثل هذه الدعوى(انظر : الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح. خير الدين الألوسي (1/286 – 291) ، محمد في الكتاب المقدس. عبد الأحد داود ص (224-225) ، البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل، أحمد حجازي السقا (2/276 – 278))..

ي- يقول الدكتور القس فهيم عزيز عن لفظ البارقليط ( المعزي ):

(وهذه الكلمة تختلف عن كلمة الروح القدس في أنَّ هذه الأخيرة تأتي في صيغة المحايد اليوناني ، أي الذي لا هو مُذكر ولا هو مؤنث ( neuter ) . أمَّا اللفظ بارقليط فإنه يأتي في المُذكر ، وهذا  يعنى أنه شخصية مُحدَّدة ) (الروح القدس: للدكتور القس فهيم عزيز ص 87 ).

ك- وُصف المعزي بأنه ( روح الحق الذي من عند الآب ينبثق) يوحنا15: 26  ولكنهم مختلفين فأكثرهم يقولون بانبثاق الروح القدس من الآب والابن معا وأقلهم يقولون بانبثاقه من الآب وحده؟ واختلافهم بل ذهاب الاكثرية الى القول بانبثاقه من الآب والابن معا يدل على أنعم لا يفهمون ( روح الحق ) على أنه روح القدس، لا سيما بعد علمنا بكون النص معروفاً لهم. وقد ورد إن الروح تعبر عن النبي.

ل- لا يحتمل أن يكون الذي وعد المسيح بمجيئه بعده قد جاء في زمن الحواريين . لأنه لو كان قد جاء في زمنهم لكان ملكوت الله قد أتى ، ولما دامت الاستغاثة والدعاء إلى هذا اليوم (ليأت ملكوتك) ولما أمكن إطلاق (كنيسة) عوضاً عن الاسم المبجل (ملكوت الله) ثم أن الأمر الذي ينقض هذه الفكرة ، قول المسيح للحواريين :(ها أنا معكم دائم الأوقات إلى انقضاء العالم) (متى 20:28) ولكن كيف يمكن التأليف بين وعده هذا وبين وعده بأنه سيأتي الباراقيطوس؟.الانجيل والصليب ج1.

 م- يقول الأب متى مسكين: ( أما لفظ الباركليت فيأتي كاسم علم شخص مذكر، لذلك يعتبر إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي أعطى للروح القدس – لغويا من جهة النحو – صفته الشخصية إذ نقله من دائرة المجردات كقوة إلى ذات مشخصة وبهذا يكون إنجيل يوحنا قد مهد بهذا اللقب لمفهوم الثالوث المقدس) (المدخل لشرح إنجيل يوحنا: ص247- نقلا عن المؤيد القراني: جمال الدين شرقاوي ص59).

يعترف الأب متى مسكين بأن لفظ الباركليت أو المعزي يعبر عن اسم علم مذكر، وهو ما يطيح تماماً بزعم المسيحيين، لكنه بدلاً من ملاحظة هذه النتيجة يندفع وراء مسبقاته، زاعماً أن يوحنا بنصه هذا يكون قد نقل الروح المجردة إلى ذات مشخصة ممهداً بذلك لمفهوم الثالوث!

وهذه الحركة البهلوانية تكشف عن مقدار الحرج والتخبط الكبير الذي يعيشه فقهاء المسيحية، أكثر من كونها نتيجة معقولة يمكن أن يفضي إليها التعبير.

ن-  من جملة تفسيراتهم لكلمة (المعزي أو الباركليت) قالوا بأنها تعني (المحامي). وحيث إن المحامي هو شخص يدافع عن شخص آخر أمام شخص ثالث، فهو يستوجب أن يكون متجسداً ومنظوراً من الجميع، وبالنتيجة لابد أن يكون إنساناً، لكنهم – ويا للغرابة – جعلوه مدافعاً أمام الآب فقط وتخلصوا من المشكلة. ولكننا نسألهم: ألا تلاحظون أنكم بقولكم هذا تجعلون الآب يُقيم حوارا داخلياً (مونولوجاً)، أي يكلم نفسه!؟ وكيف لا وأنتم تقولون أن الثلاثة واحد!؟

س- المرأة السامرية قالت لعيسى: ( 25قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ) يوحنا: 4..

وهذه الكلمة: ( يخبرنا بكل شيء ) هي نفسها التي استعملها عيسى بشأن المعزي: (يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ )، الأمر الذي يدل على أن المعزي هو المسيا.

ع- قوله: (رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ ) هو نفسه القول الذي ورد بشأن المسيح المنتظر ( الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ ) الأمر الذي يدل على أن المعزي هو المسيح المنتظر.

ق- ورد في النصوص ما يدل على أفضلية المعزي على عيسىu: (لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ )، فمن الواضح إن قوله ( خير لكم ) تدل على أفضلية المعزي، وهذه الحقيقة لا تستقيم إلا إذا فهمنا المراد من المعزي على أنه شخص آخر.

لأنه غير هذا الاحتمال هناك احتمالان آخران؛ أولهما أن يكون المعزي هو الروح القدس كما يتصوره المسيحيون، أي بوصفه الأقنوم الثالث، والأقانيم كما يفهمونها متساوية، لا يفضل بعضها على بعض، وثانيهما أن يكون مخلوقاً من مخلوقات الله غير البشرية، وفي هذه الحالة أيضاً لا يمكن أن يكون وجوده خيراً لهم من وجود عيسىu بينهم، فعيسى على الأقل هو بدوره مسدد بالروح القدس. كما إن الروح القدس بهذا المعنى الأخير لا يتعارض وجوده مع وجود عيسىu، ليتعلق مجيئه بذهاب عيسى عنهم.  

ر- إن إبلاغ عيسىu بانتقال الملكوت إلى أمة أخرى، وإشارته إلى مجيء أنبياء من بعده يدل بلا شك على أن المعزي سيكون شخصاً إنسانياً من الأمة التي سينتقل لها الملكوت وتعمل ثماره كما ذُكر سابقاً، ولا يمكن أن يكون المراد منه هو الروح القدس، كما يفهم المسيحيون.

فانتقال الملكوت يعني فيما يعني شريعة جديدة وعلماً جديداً ولا يمكن أن يقال هنا إن الروح القدس هو من سيأتي بها.

ش- ورد في إنجيل لوقا: (فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جَيَّدة ، فكم بالحري الآب الذي مِن السماء يُعطى الروح القدس للذين يسألونه ) لوقا:11: 13..

وهذا النص يدل على أن الله تعالى يمكن أن يهب الروح القدس لمن يستحق، دون تقييد بزمان محدد، وبالنتيجة لا يمكن أن يكون مقصود عيسىu من المعزي الذي لا يجيء إلا بمضيه، لا يمكن أن يكون هو الروح القدس. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 39/سنة 2 في 19/04/2011- 15 جمادى الاول 1432هـ ق)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى