زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد أهل الكتاب

المسيحية تبشر بالملكوت القادم -2

المسيحية تبشر بالملكوت القادميقول د. نصـراللّـه عبدالرحمن أبو طالـب:

( والواقع أن الظاهر من الأناجيل الحالية أن قضية التبشير هذه بمملكة الله القادمة وإعداد بني إسرائيل للإيمان بها والانضواء تحت لوائها عند قيامها كانت هي الهدف الأول للمسيح u، هذا كما يتضح من الأناجيل الحالية. وإن كانت التراجم العربية قد اختارت لفظ ملكوت الله مما يبعدها عن مفهوم المملكة الأرضية، ذلك المعنى البين من خلال ما نناقش من بشارات. إلا أن النسخ غير العربية ما زالت تسميها مملكة الله (kingdom of God ) بنفس تسمية دانيال u لها.. ويوافق أكثرية من الباحثين بل ومن المتدينين النصارى – إضافة إلى اليهود – على أن المقصود بمملكة الله هو مملكة أرضية سيقيمها المسيا المنتظر )([1]).

وسنجلي هذا الأمر أكثر بقراءة بعض الأمثال التي ضربها عيسىu للملكوت الذي يتحدث عنه:

* المثل الأول:                                                             

(33 اسمعوا مثلا آخر . كان إنسان رب بيت غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلمه إلى كرامين وسافر . 34 ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره . 35 فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا . 36 ثم أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين . ففعلوا بهم كذلك . 37 فأخيرا أرسل إليهم ابنه قائلا يهابون ابني . 38 وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث . هلموا نقتله ونأخذ ميراثه . 39 فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم . وقتلوه . 40 فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين . 41 قالوا له . أولئك الأردياء يهلكهم هلاكا رديا ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها . 42 قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب . الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية . من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا . 43 لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره . 44 ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه 45 ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم . 46 وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي)([2]).

واضح من هذا المثل أن مجيء صاحب بستان العنب سيحدث في هذا العالم المادي، وليس في عالم الآخرة – كما يقول المسيحيون بخصوص الملكوت – فإن إرسال الرسل وقتلهم يتناسب مع هذا العالم، ومثله تسليم البستان إلى كرّامين آخرين.

* المثل الثاني:

( 1 وجعل يسوع يكلمهم أيضا بأمثال قائلا . 2 يشبه ملكوت السماوات إنسانا ملكا صنع عرسا لابنه . 3 وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس فلم يريدوا أن يأتوا . 4 فأرسل أيضا عبيدا آخرين قائلا قولوا للمدعوين هو ذا غدائي أعددته . ثيراني ومسمناتي قد ذبحت وكل شيء معد . تعالوا إلى العرس . 5 ولكنهم تهاونوا ومضوا واحد إلى حقله وآخر إلى تجارته . 6 والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم . 7 فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم . 8 ثم قال لعبيده أما العرس فمستعد وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين . 9 فاذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس . 10 فخرج أولئك العبيد إلى الطرق وجمعوا كل الذين وجدوهم أشرارا وصالحين . فامتلأ العرس من المتكئين . 11 فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك إنسانا لم يكن لابسا لباس العرس . 12 فقال له يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس . فسكت . 13 حينئذ قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان . 14 لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون )([3]).        

وهذا المثل يناسب أيضاً مملكة في هذا العالم يمكن أن تستأنف فيها الدعوة ويتحقق الاختبار بعد وقوع العذاب؛ ( فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم )، فلو كان هذا عذاب الآخرة ما كان يمكن أن تعقبه دعوة.

ويلاحظ أن المثلين كليهما يدلان بقوة على أن استبدالاً سيقع، وأن بني إسرائيل لن يكونوا هم القادة في دولة العدل الإلهي، أو مملكة الله، وإن أمة أخرى ستأخذ مكانهم، وسيأتي تفصيل أكثر إن شاء الله.       

ولعل هذه النبوءة بأخذ أمة أخرى مكان بني إسرائيل من أهم – إن لم تكن الأهم على الإطلاق – الأسباب التي دفعت اليهود للتفكير بقتل عيسىu. فقد ورد في إنجيل متى:  ( 45 ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم. 46 وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي)([4]). وفي لوقا: (19 فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب. لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم)([5]).

وفي لوقا أيضاً: ( 5 وإذ كان قوم يقولون عن الهيكل إنه مزين بحجارة حسنة وتحف قال 6 هذه التي ترونها ستأتي أيام لا يترك فيها حجر على حجر لا ينقض. 7 فسألوه قائلين يا معلم متى يكون هذا وما هي العلامة عندما يصير هذا. 8 فقال انظروا لا تضلوا. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين إني أنا هو والزمان قد قرب. فلا تذهبوا وراءهم. 9 فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا لأنه لابد أن يكون هذا أولا. ولكن لا يكون المنتهى سريعا. 10 ثم قال لهم تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة. 11 وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة. وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء. 12 وقبل هذا كله يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي. 13 فيؤول ذلك لكم شهادة. 14 فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا. 15 لأني أنا أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها. 16 وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء. ويقتلون منكم. 17 وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. 18 ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك. 19 بصبركم اقتنوا أنفسكم. 20 ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها. 21 حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. والذين في وسطها فليفروا خارجا. والذين في الكور فلا يدخلوها. 22 لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب. 23 وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب. 24 ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم. وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم 25 وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم. وعلى الأرض كرب أمم بحيرة. البحر والأمواج تضج. 26 والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماوات تتزعزع. 27 وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحابة بقوة ومجد كثير. 28 ومتى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب. 29 وقال لهم مثلا. أنظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار. 30 متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب. 31 هكذا أنتم أيضا متى رأيتم هذه الأشياء صائرة فاعلموا أن ملكوت الله قريب. 32 الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل. 33 السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. 34 فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة. 35 لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض. 36 اسهروا إذا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا أهلا للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون وتقفوا قدام ابن الإنسان )([6]).

وهذا النص واضح في أن مملكة الله التي سيكون عيسى أحد أركانها كما سيأتي ستتحقق في هذا العالم. فالهيكل سينقض والكاذبون الذين سيأتون مدعين أنهم عيسى، وقيام أمة على أمة، والزلازل وغيرها من الأحداث ستقع كلها في هذا العالم، وكذلك مجيء ابن الإنسان.

ولنقرأ النص التالي ليتأكد لنا المعنى:

( 30 وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. 31 فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها . 32 فمن شجرة التين تعلموا المثل . متى صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب . 33 هكذا أنتم أيضا متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب على الأبواب. 34 الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله. 35 السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. 36 وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده. 37 وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان. 38 لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك 39 ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع. كذلك يكون أيضا مجئ ابن الإنسان. 40 حينئذ يكون اثنان في الحقل. يؤخذ الواحد ويترك الآخر. 41 اثنتان تطحنان على الرحى. تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى 42 اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم )([7]).

فمجيء ابن الإنسان كما يدل هذا النص حدث أرضي – إن صح هذا التعبير – تعيشه قبائل الأرض والتشبيه بأيام نوحu إشارة بليغة لهذا المعنى.

أما قوله: ( الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله )، فليس معناه أن هذه الأحداث ستحصل في زمن حوارييه، فعيسىu لم يرجع في زمنهم كما هو معلوم، بل يراد منه على الأرجح الإشارة إلى أن هذا سيحدث في عمر الأرض.

وقوله: ( وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده )، فهو دليل على أن عيسى لم يكن يقصد في قوله الأول ( لا يمضي هذا الجيل ..الخ ) تحديد زمن معين أو التوقيت لمجيء ابن الإنسان، وعلى مثل هذا يدل قوله: ( اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم )، وعلى هذا لا تبقى دلالة متيقنة لقوله الأول سوى أنه أراد الإشارة إلى أن الأحداث المروعة التي ذكرها، ستبدأ بالحدوث بعد رفعه، وإلى أن يظهر المنقذ.

* ملكوت الله يُعطى لأمة أخرى:

تقدم القول إن عيسىu ومن قبله يوحنا، بل كثير من أنبياء بني إسرائيل كانوا قد حذروا قومهم من أن الملكوت سينتزع منهم، ويُعطى لأمة أخرى، بعد أن فسد بنو إسرائيل وفرطوا بالأمانة الملقاة على عاتقهم، وملئوا الأرض فساداً.

(42 قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. 43 لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره. 44 ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه)([8]).

في هذا النص يخاطب عيسىu رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب اليهودي، قائلاً لهم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة أخرى، فمن هي هذه الأمة ؟

هذا السؤال يحيلنا إلى مسائل كثيرة، سيجري البحث فيها تحت عناوين أخرى ستأتي إن شاء الله.



([1])   تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله محمد: ص95 .

([2])   متى:21 , لوقا:20/ 9- 19.

([3])   متى: 22.

([4])   متى:21.

([5])   لوقا: 20.

([6])   لوقا:21.

([7])  متى:24.

([8])   متى: 21.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى