زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينية

الرؤيا (2)

الدليل على الرؤيا من القرآن الكريم قدمت في مقال سابق دليلاً عقلياً عن الرؤيا، وأقدم الآن الدليل القرآني:

الدليل على الرؤيا من القرآن الكريم :

وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الرؤيا منها : ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ.

﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ.

﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّـه مِنَ الصَّابِرِينَ.

﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً.

واللّـه سبحانه وتعالى يمدح الأنبياء والصالحين لتصديقهم الرؤيا ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ

وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.

 ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا.

و﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ.

ويذم من كذبها وسماها أضغاث أحلام ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ.

واللّـه سبحانه وتعالى شهد للمؤمنين وعرض نفسه شاهداً للذين كفروا برسالات الرسل ومن خير الطرق التي يعرفها الناس لشهادة اللّـه سبحانه وتعالى هي الرؤيا ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ.

﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللّـه شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّـه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.

﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّـه شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

﴿قُلْ كَفَى بِاللّـه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً  .

وسمى سبحانه الرؤيا احسن القصص قال تعالى ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ  * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ.

وتدبر هذه الآيات لتعرف من هم المكذبون بالرؤيا قال تعالى ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ.

إذن في القرآن يقص علينا اللّـه سبحانه رؤى كثيرة وكلها صادقة بعضها لأنبياء وبعضها لفراعنة وبعضها …وبعضها …

وإبراهيم (ع) يصدق الرؤيا ، وفرعون يصدق الرؤيا وأم موسى تصدق الرؤيا و ملكة سبأ تصدق الرؤيا فقد عرفت بالرؤيا إن كتاب سليمان (ع) كتاب كريم … و… و… واللّـه سبحانه وتعالى يسميها احسن القصص ، فما بالكم انتم وأي صنف من الناس انتم وكيف وصل بكم الأمر إلى موافقة الماديين الذين لا يؤمنون بوجود اللّـه في تكذيب الرؤيا ؟ !

في رؤيا إبراهيم (ع) بشأن ذبح ولده إسماعيل (ع)، وهي قوله تعالى:  ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ، هذه الرؤيا لم يتردد إبراهيم (ع) قيد أنملة في النظر إليها على أنها حجة ملزمة له، بل بادر إلى شحذ سكينه وعزم على مباشرة الفعل﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وأكثر من ذلك لو أن الخليل (ع) كان يساوره أدنى شك في حجيتها ، أما كان لزاما” عليه أن يراجع ربه ليستجلي حقيقة الأمر ؟ ومن الواضح إن الخليل (ع) لم يراجع وإلا لما قال تعالى : ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ لأنه في حالة المراجعة لا يكون قد صدق بالرؤيا ، وإنما بالأمر الثاني الذي بلغه ، ثم ألا يدل مدح اللّـه تعالى له إنه تعالى يعتبر الرؤيا حجة على العباد ، بل إن المديح المترتب على التصديق بها يدل على أنه تعالى يعتبر التصديق بها من التصديق  بالغيب الذي هو صفة المؤمنين ، بل المحسنين .

   وانظر إلى إسماعيل (ع) يقول لأبيه : ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ ، إن إسماعيل (ع) وهو في موقفه العصيب لا يخالجه أدنى شك في حجية الرؤيا ، بل إنه يراها أمرا” إلهيا” واجب التنفيذ ، وحجة على رائيها (إبراهيم) و غيره (إسماعيل). وعلى الرغم من وضوح الدلالة في هذه الآيات على حجية الرؤيا، إلا إننا لانعدم من المعاندين من يعترض على هذه الدلالة الواضحة ، ويحاول الإلتفاف عليها زاعماً إن الرؤيا حجة على الأنبياء دون سواهم! وليت أنه يبرز دليلاً على مدعاه ولكنه يتبجح بما يزعمه تبجح المستكبرين !

ولمناقشة هذا الإعتراض ، أقول : لو إن الرؤيا بحد ذاتها، أي بصرف النظر عن رائيها ؛ نبياً كان أو غير نبي ، لو كانت فاقدة الحجية ، هل كان يمكن لإبراهيم (ع) أن يجد فيها حجة ؟ الجواب طبعاً لا يمكنه ذلك ، لأن فاقد الشئ لا يُعطيه ، إذن طالما وجد فيها إبراهيم حجة ، فلابد أن تكون هي بحد ذاتها حجة . وعلى سبيل المثال لو أن حجراً لا ماء فيه فهل يمكن لأحد أن يعثر فيه على ماء ؟ طبعاً لا يمكنه ، لأن الحجر بحد ذاته لا ماء فيه، فلو خرج منه ماء، ماذا يعني هذا ؟ ألا يعني أن الحجر هو بحد ذاته فيه ماء ؟ ويجب الالتفات أن رؤى الأنبياء (ع) كانت قبل إرسالهم وبعد إرسالهم أي إن وحي اللّـه سبحانه وتعالى لهم بدأ بالرؤيا ثم وحتى بعد إرسالهم لم ينقطع هذا السبيل (الرؤيا) من سبل وحي اللّـه سبحانه وتعالى عنهم .

والرسول محمد (ع) كان يرى الرؤى قبل بعثته وإرساله وكانت تقع كما يراها ، ولولا أن الأنبياء المرسلين (ع) صدقوا وامنوا وعملوا بتلك الرؤى التي رأوها قبل إرسالهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من المقام العالي ، والقرب من اللّـه سبحانه وتعالى . ولما اصطفاهم اللّـه أصلا لرسالاته .

بل هم (ع) كانوا يؤمنون ويصدقون برؤى المؤمنين الذين كانوا معهم ، وهذا رسول اللّـه محمد (ع) كان يسأل أصحابه عن رؤاهم ويهتم بسماعها ، وبعد صلاة الصبح وكأن سماعها ذكر وعباده لله سبحانه ، حتى أن المنافقين شنعوا عليه (ص) بأنه يسمع ويصدق كل متكلم ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّـه وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّـه لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. عن الرضا (ع) قال : ( إن رسول اللّـه (ص) كان إذا أصبح قال : لأصحابه : هل من مبشرات . يعني به الرؤيا ) .

بل إن النبي محمد (ص) كان يعتبرها من مبشرات النبوة ، عن النبي (ص)  قال :

( ألا إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ).

بل وكان (ص) يعتبرها نبوة ، عنه (ص) قال :

( لا نبوة بعدي إلا المبشرات . قيل يا رسول اللّـه ، وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة ) .

وقال رسول اللّـه (ص) : (الرؤيا الصالحة بشرى من اللّـه وهي جزء من أجزاء النبوة)  .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 4/سنة 2 في 17/08/2010 – 6 رمضان1431هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى