زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينية

الخليفة والاستخلاف الحلقة الأولى

الخليفة والاستخلاف الحلقة الأولى قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ @وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ @ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ @ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾[ البقرة:30 ـ34].

– معنى الخليفة :-

قال ابن منظور في لسان العرب: والخليفة: الذي يستخلف ممن قبله، والجمع خلائف، جاؤوا به على الأصل مثل كريمة وكرائم، وهو الخليف والجمع خلفاء، وأما سيبويه فقال خليفة وخلفاء، كسروه تكسير فعيل؛ لأنّه لا يكون إلاّ للمذكر، هذا نقل ابن سيده. وقال غيره: فعيلة بالهاء لا تجمع على فعلاء، قال ابن سيده: وأما خلائف فعلى لفظ خليفة ولم يعرف خليفاً، وقد حكاه أبو حاتم، وأنشد لأوس بن حجر: إن من الحي موجودا خليفته، وما خليف أبي وهب بموجود والخلافة: الإمارة وهي الخليفى. وإنه لخليفة بين الخلافة والخليفى. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لولا الخليفى لأذنت، وفي رواية: لو أطقت الأذان مع الخليفى، بالكسر والتشديد والقصر، الخلافة، وهو وأمثاله من الأبنية كالرميا والدليلى مصدر يدل على معنى الكثرة، يريد به كثرة اجتهاده في ضبط أمور الخلافة وتصريف أعنتها. ابن سيده: قال الزجاج جاز أن يقال للأئمة خلفاء الله في أرضه بقوله عز وجل: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض. وقال غيره: الخليفة السلطان الأعظم. وقد يؤنث.[ لسان العرب: ج9/ص83].

وقال قبل العبارة المتقدمة: واستخلف فلانا من فلان: جعله مكانه. وخلف فلان فلاناً إذا كان خليفته. يقال: خلفه في قومه خلافة. وفي التنزيل العزيز: وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي. وخلفته أيضا إذا جئت بعده. ويقال: خلفت فلانا أخلفه تخليفاً واستخلفته أنا جعلته خليفتي. واستخلفه: جعله خليفة.[ لسان العرب: ج 9/ص 83].

– معنى الجعل :-

جاعل هو أسم فاعل، أي على وزن فاعل، واسم الفاعل وضع للذات المتصفة بالمبدأ من حيث وقوعه وصدوره منه. ولكي تتضح الفكرة أضرب هذا المثال: تارة أقول: (ضرب زيد عمراً)، وثانية أقول: (يضرب زيد عمراً)، وثالثة أقول: (اضرب عمراً )، ورابعة أقول: (زيد ضاربُ عمروٍ)، فما الفرق في هذه الجمل الأربعة؟

الجواب: الجملة الأولى تدل على تحقق الضرب في الزمن الماضي، وذلك بدلالة الفعل الماضي (ضرب)، والثانية تدل على الزمن الحال بدلالة الفعل المضارع (يضرب)، والثالثة تدل على الزمن الأتي بدلالة فعل الأمر(اضرب).

ففي جميع هذه الجمل الثلاثة هناك زمن، إمّا ماضي، أو حالي، أو استقبالي، وجاء الزمن من دلالة الفعل عليه، فالزمن مستفاد من الفعل.

لكن في الجملة الرابعة (زيد ضاربُ عمرو)، لم يؤخذ في لفظ (ضارب) قيد الزمن، بل الزمن جاء من خلال تشخص الضرب في الواقع الخارجي، أمّا مفهوم اسم الفاعل فهو خالي عن الزمن بحسب المفهوم الذهني له، ومن هنا إن أرادوا الدلالة على الزمن يضيفون قيداً للجملة كأن يقال: ( زيد ضارب عمرو الآن، أو أمس ).

وما ذلك إلاّ لعدم دخالة الزمن في اسم الفاعل، بل اسم الفاعل وضع للدلالة على الذات المتصفة بالمبدأ من حيث وقوعه وصدوره منه، وهي في المثال زيد. فزيد هو الذات التي اتصفت بالضرب الذي هو المبدأ، وهو الذي صدر منه الضرب ووقع على عمرو.

ولابد من ملاحظة أنّ اسم الفاعل مطلق ـ أي غير مقيد بزمن ـ ويدل بإطلاقه على الاستمرار، أي استمرار صدور الضرب من زيد على عمرو كما في المثال. ولكي يتضح الأمر بصورة أوضح أقول: إنّ اسم الفاعل يدل على الاستمرار التجددي، فقوله تعالى: ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ (غافر: 3). تدل صيغة اسم الفاعل في ( غافر الذنب وقابل التوب ) على الاستمرار التجددي فإنّ المغفرة وقبول التوب من صفاته الفعلية ولا يزال تعالى يغفر الذنب ثم يغفر ويقبل التوب ثم يقبل . أي: هو دائم الغفران، وقابل التوبة دائماً. فكذا يقال بالنسبة لجاعل، أي: إنّ الجعل مستمر ولا ينقطع. وقد عُلل ذلك في القرآن بقوله تعالى: ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ (النساء: 165).فبما أنّ الإرسال مستمر فلا حجة للناس على الله سبحانه بحيث يقولوا: ﴿ لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ ( طه: 134). والغريب في الأمر أن الآية المتقدمة من سورة النساء على الرغم من وضوح دلالتها على استمرار الإرسال إلاّ أن البعض جعلها دالة على ختم الإرسال، فقلب معنى الآية، فأصبح هكذا (لئلا يكون لله على الناس حجة بعد الرسلومن هنا قالوا بعدم وجود الحجج بعد الرسل والأنبياء، وهذا أمر واضح البطلان. وكذلك يقال بالنسبة لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ ( الأنعام: 95).

فمخرج أيضاً اسم فاعل لكن ليس على وزن غافر، فإنّ غافر اسم فاعل متكون من ثلاث حروف، ومخرج اسم فاعل متكون من أكثر من ثلاثة أحرف، فمن هنا اختلفا في الميزان والصيغة التي يأتي عليها اسم الفاعل الثلاثي – أي المتكون من ثلاثة أحرف – والصيغة الأخرى التي يأتي عليها أسم الفاعل الرباعي- أي المتكون من أربعة أحرف-. لكن الاثنان يدلان على الاستمرار والتجدد، فمخرج اسم فاعل يدل على الاستمرار، أي أن نظام ظهور الحي من الميت وظهور الميت من الحي نظام دائم وعام في عالم الخلق.

وكذلك الأمر بالنسبة لجاعل، فهو اسم فاعل دال على تجدد الجعل للخليفة الإلهي في كل زمان.

بعد هذا أقول: إنّ جاعل في الآية اسم فاعل وهو يدل على الاستمرار، أي استمرار جعل الخليفة في الأرض، فالجعل مستمر ومتجدد بمقتضى الآية الشريفة، ومن يدعي أن الجعل متوقف ومختوم يجب عليه أن يأتي بدليل يخصص الآية.

ولو بحثنا عن مخصص يخصص الآية لما وجدنا ما يخصصها، وعليه يبقى الجعل مستمّراً وغير متوقف؛ لعدم الدليل على التوقّف.

قد يقال: كيف يكون الجعل مطلقاً وغير مخصص والنبوة قد ختمت بالنبي محمد ، أليس دليل ختم النبوة يقيد هذا الجعل المطلق في الآية؟

أقول: إنّ الذي ختم هو إرسال النبوة من الله سبحانه، لا جعل الخليفة، ففرق بين ختم النبوة وبين ختم الاستخلاف، فالاستخلاف لم يختم بخلاف الإرسال من الله تعالى فإنّه ختم بمحمد .

للبحث تتمة ستأتي بعونه تعالى.

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 6/سنة 2 في 31/08/2010 – 20 رمضان 1431هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى