زاوية العقائد الدينية

حال الشيعة قبل القيام المقدس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً

عند الرجوع إلى روايات آل محمد (ص) وأخبارهم عن حال الشيعة قبل قيام الإمام المهدي (ع)، تجد أن الأمر مرير جداً، ولا يحتمل السكوت عنه وغض النظر عن معرفة الأسباب، لان الله لا يضل قوماً بعد هدايتهم حتى يبين لهم سبل النجاة من الفتن، قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } التوبة:115

، فلا يمكن للأمة أن تضل وتقع في التيه إلا بعد أن تخالف وصايا الأنبياء والأئمة (ع)، وقد ضمن الرسول محمد (ص) هداية ونجاة الأمة بقوله: ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله عز وجل حبل ممدود ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض )، فعندما تضل الأمة فلابد أنها خالفت الثقلين واستبدلتهما بغيرهما.

وحال الشيعة قبل قيام الإمام المهدي (ع) مزرٍ إلى ابعد الحدود، وطبعاً كلما ابتعدت الأمة عن الثقلين يزداد ضلالها وتيهها، ولنطالع الآن بعض ما روي عن أهل البيت (ع) في حق الشيعة قبل القيام المقدس:

عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال: ( لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها ) الغيبة للنعماني ص 214.

وهنا إشارة لطيفة من الإمام (ع) وهي توصيفه الولاية بالكحل، حيث أن صاحبه يعلم به عندما يضعه في عينه ولكنه لا يعلم به عندما يخرج منها، أي إن الشيعة في آخر الزمان هي على الولاية ولكنها تخرج عنها من غير أن تعلم أي إنهم يظنون أنهم على الولاية في حين أنهم خارجين عنها، وهذا ربما وصف لعامة الناس ولا ينفي وجود من يعلم بخروجه عن الولاية .

وعن إبراهيم بن هلال، قال: ( قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ): جعلت فداك، مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد ترى أموت ولا تخبرني بشيء ؟ فقال: يا أبا إسحاق، أنت تعجل. فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد كبر سني وبلغت أنا من السن ما قد ترى. فقال: أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل، ثم صعر كفه ) الغيبة للنعماني ص 216.

وعن صفوان بن يحيى، قال: قال أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ): ( والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا وتميزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر ) الغيبة للنعماني ص 216.

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال: ( كونوا كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضا كذابين، وحتى لا يبقى منكم – أو قال: من شيعتي – إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلا وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه، ثم أدخله بيتا وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه، فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقاه وطيبه، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئا، وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئا ) الغيبة للنعماني ص 217 – 218.

وهذه الروايات وغيرها تؤكد على قلة الشيعة الذين سينجحون في الامتحان الإلهي ويفوزون بنصرة الإمام المهدي (ع)، ولقلتهم وصفهم الإمام علي (ع) بالكحل في العين والملح في الطعام، في حين أننا الآن نرى أن تعداد الشيعة بالملايين ! وان كان أهل البيت (ع) قد بينوا انه ليس كل من قال بولايتهم فهو من شيعتهم: عن علي بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول: ( ليس كل من قال بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا أنسا للمؤمنين ) الكافي ج 2 ص 244. فالشيعة هم نوادر في كل زمان.

وعن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه سمعه يقول: ( ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب. قلت: جعلت فداك، كم مع القائم من العرب ؟ قال: شيء يسير. فقلت: والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. فقال: لا بد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا، ويخرج مع الغربال خلق كثير ) الغيبة للنعماني ص 212.

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه دخل عليه بعض أصحابه، فقال له: ( جعلت فداك، إني والله أحبك وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: أذكرهم. فقال: كثير. فقال: تحصيهم ؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ….. فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون ؟ فقال: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص ، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم …. ) الغيبة للنعماني ص 210 – 211.

وهنا الكلام عن الشيعة الذين يقولون بقيام الإمام المهدي (ع) وينتظرون قيامه، وكلام الإمام الصادق (ع) واضح لا لبس فيه، في أنهم سيسقط في الغربال منهم خلق كثير وان فيهم التبديل والتمحيص وفنائهم بالسيف والاختلاف … الخ، وان قيام القائم (ع) مرهون باكتمال العدة وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر !

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ( …. وقوله: ( كذبت ثمود بطغواها ) قال: ثمود رهط من الشيعة، فإن الله سبحانه يقول: ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون فهو السيف إذا قام القائم عليه السلام … ) بحار الأنوار ج 24 ص 72.

وعودا على بدأ ، فان الشيعة لم يحصل بهم كل هذا إلا بسبب تركهم وصايا ونهج أهل البيت (ع)، وتبعوا الدنيا والهوى والضلال، وقلدوا أمورهم إلى من لا يُؤتمن على دينار، وتجدهم حتى في انتظارهم لقيام القائم (ع) على نوايا معوَجة وغير مستقيمة.

عن أبي عبد الله (ع): ( افترق الناس فينا على ثلاث فرق: فرقة أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا، فسيحشرهم الله إلى النار. وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا، ليستأكلوا الناس بنا فيملؤ الله بطونهم ناراً ( و ) يسلط عليهم الجوع والعطش. وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا فأولئك منا ونحن منهم ) معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) ج 3 ص 416.

ويجيء دور فقهاء السوء واتباعهم ليسكبوا الزيت على النار، وليسكبوا الماء على الطين ليزداد بلة ! فمنهم تخرج الفتنة واليهم تعود، كما قال رسول الله (ص)، وهم العامل المساعد لانتشار المرض وشراسته، بل هم المرض بعينه.

حيث نجدهم يوهمون الشيعة بأنهم كلهم أو اغلبهم من أنصار الإمام المهدي (ع)، وما عليهم إلا أن يتمسكوا بالعلماء لكي يفلحوا ! وكان المفروض بهم أن ينبهوا الناس وبشتى السبل على صعوبة الأمر وشدة الغربلة والتمحيص، والفتن التي تعترض الأمة في آخر الزمان، لكي لا يغتر الناس بمجرد تشيعهم لآل محمد (ع)، ولكي يعدوا العدة ويراجعوا أنفسهم قبل فوات الأوان، واني لأعجب عندما اسمع بعض أبواق الفقهاء عندما يصرحوا للناس على المنابر بأن كل هذه الناس التي تزور الحسين (ع) و … و… كلهم سينصرون القائم (ع) !!!

نعم … هم هكذا دائماً، كلام أهل البيت (ع) في اتجاه وهم في الاتجاه المعاكس، فروايات أهل البيت كلها تحذير وإنذار وتبيين صعوبة الغربلة والتمحيص التي تسبق القيام المقدس، وهم يصرحون ويوحون إلى الناس بأن الأمر سهل ويسير وان كل الشيعة أو اغلبهم سيكونون من أنصار الحجة (ع)، بينما تجد روايات أهل البيت (ع) تبين على انه لا يبقى من الشيعة إلا كالكحل في العين أو الملح في الطعام !

ويحملهم على هكذا نهج المحافظة على ولاء الناس لهم وعدم تفرقهم عنهم، فيستميتون في فعل أي شيء يحقق لهم دوام جاههم ومراكزهم ، فيخشون بيان الحقيقة الإلهية لئلا يفزع الناس إلى غيرهم، أو لكي لا تشكك الناس بمرجعياتهم وقدرتها على قيادتهم إلى نصرة الإمام المهدي (ع)، فترى كل دعايتهم منصبة على أن الناس ما داموا في ظل الفقهاء فهم لا يخرجونهم من هدى ولا يدخلونهم في ضلال، في حين أن هذه الصفة لا توجد إلا عند أوصياء الرسول المعصومون (ع)، وأما فقهاء آخر الزمان فقد نطقت الروايات العديدة بفشلهم في انتظار الإمام المهدي (ع) واستقباله ونصرته.

وهم في هذا الحال من الكذابين على الله تعالى وعلى محمد وال محمد (ص)، ولسوف يكون قيام الإمام المهدي (ع) نقمة عليهم، كما روي عن أهل البيت (ع):

عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ( لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم ) اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 588 – 589.

وعن أبي عبد الله (ع): ( … ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً، ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقه إلا من تحت حد السيف فوق رقابكم … ) معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) ج 3 ص 419.

وفي الحديث السابق هؤلاء أهل البصائر إما أنهم ظاهراً عند الناس أهل بصائر كما هو اليوم حال فقهاء السوء، أو إنهم أهل بصائر وطبع الله على بصائرهم بما جنت أيديهم، فكيف بعامة الناس التي تتبع هؤلاء الفقهاء ويعتبرون كلامهم وحي سماوي لا نقاش فيه ؟!

فكفى كذباً وضحكاً على الناس. وعلى الإنسان المنصف أن يكون واقعياً وان لا يقفز على الحقائق مستغلاً ثقة الناس به، فمن طبع الناس أنها تميل إلى حب المدح والفخر، فلابد للطبيب أن يحد من هذا الميل حتى يقف به على الاعتدال والحقيقة، فأنا لا أريد بكلامي هذا أن ازرع اليأس في نفوس الناس بل أريد أن أحثهم وأحث نفسي على الحرص على متابعة آل محمد عسى أن يكتبنا الله من شيعتهم ومن أنصار الإمام المهدي (ع)، وحتى لا نكون عنواناً بلا معنون، فالتشيع ليس اسماً ينطبق على كل من تسمى به، بل هو منهج الحق الإلهي الذي لابد أن يتجسد عملياً في أرض الواقع، وإلا فيكون المتشيع منافقاً أو كذاباً … الخ، كما روي عن أهل البيت (ع):

عن أبي الحسن عليه السلام : ( قال أبو عبد الله عليه السلام ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع ) اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 589.

وعن موسى بن بكر الواسطي قال: قال لي أبو الحسن ( عليه السلام ): ( لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي إنهم طال ما اتكوا على الأرائك، فقالوا: نحن شيعة علي، إنما شيعة علي من صدق قوله فعله ) الكافي ج 8 ص 228.

وعن أبي عبد الله عليه السلام: ( …. فان أولياء الله لم يزالوا مستضعفين قليلين منذ خلق الله آدم عليه السلام ) بحار الأنوار ج 65 ص 153 – 154.

فعلى الناس أن تفيق من أثر المخدر الذي يبثه فقهاء السوء واتباعهم في نفوسهم، وان ينهضوا من نوم الغفلة والتغافل، وان يهجروا الأصنام البشرية التي تعبد من دون الله تعالى، هذه الأصنام التي هي سبب خذلان الناس لقائم آل محمد (ع) كما يشير إليه الحديث الآتي:

عن أبي عبد الله (ع): ( لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان ) الغيبة للنعماني ص450.

والنتيجة هي عزوف الناس عن الاهتمام بإصلاح أنفسهم وإعدادها لاستقبال القائم (ع)، وانهماكهم في الدنيا والملذات، بسبب تثقيف فقهاء السوء المنحرف، بل وصل الأمر بالناس أن يخضعوا للكافر ويستنوا بسننه وهم يظنون أنهم على الدين الحق، فهم سكارى بخمرة فقهاء السوء، كما روي عن الرسول محمد (ص):

( يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه، فإذا لقيته خير من أن تجربه، ولو جربته أظهر لك أحوالاً، دينهم دراهمهم، وهمتهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم، يركعون للرغيف، ويسجدون للدرهم، حيارى سكارى لا مسلمين ولا نصارى ) بحار الأنوار ج 71 ص 166.

أو كما قال أمير المؤمنين (ع): ( كأني بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة ) كمال الدين وتمام النعمة ص 304.

أو كما روي عن الباقر(ع): عن أبي حمزة قال: ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله ” وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ” قال: إنهم طلبوا المهدي عليه السلام من حيث لا ينال، وقد كان لهم مبذولاً من حيث ينال ) بحار الأنوار ج 52 ص 187.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين، ولعنة الله على مخربي شريعتهم إلى يوم الدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى