زاوية الأبحاثعقائد السنة

محمد بن عبد الوهاب النجدي في سطور – الحلقة الثالثة

محمد بن عبد الوهاب النجدي في سطور - الحلقة الثالثة
محمد بن عبد الوهاب النجدي في سطور - الحلقة الثالثة

قصة محمد آل سعود: كان في القرن الخامس عشر رجل من عنيزة يسكن في الاحساء، اسمه مانع، وله ابن عم يقيم بقرية بنجد، اسمها منفوحة، واسم هذا النجدي درع، وهو زعيم عشيرة الدروع هناك، وكان موسراً ذا ممتلكات واسعة، وفي احدى السنين زار مانع الاحسائي قريبه درعاً النجدي، فاعطى هذا قطعتين كبيرتين من أرضه لضيفه، فانتقل مانع بأهله الى نجد يستغل عطية قريبه درع. ومانع هذا هو الجد الاول لآل سعود. وورث الارض من مانع ولده ربيعة، واضاف اليها ارضاً جديدة انتزعها من المجاورين، ومات ربيعة، وورثه ولده موسى، واضاف ملكاً الى ملك أبيه بالغزو والغارات، ودانت له المنطقة، وصارت له امارة صغيرة ومات موسى، فخلفه ولده ابراهيم، ومن بعده ولده فرحات، ورزق فرحات ولدين ربيعة ومقرنا، ورزق مقرن محمداً، ورزق محمد سعوداً، رأس الأسرة السعودية، وقد استولى سعود على الدرعية انتزعها من آل معمر،.. وبقيت الدرعية عاصمة الامارة السعودية …، ثم انتقلت من الدرعية الى الرياض، ولم تزل، حتى اليوم، ومات سعود سنة 1144هـ فخلفه ولده محمد الذي نشأت الوهابية في عهده، فاعتنقها وآزرها، وما زال السعوديون عليها، حتى اليوم. وكل امير من الأمراء السعوديين الوهابيين الذين جعلوا من الوهابية عقيدة متبعة، وكان لهم الفضل الاكبر عليها، ولولاهم لم تكن شيئاً مذكورا.

روّاد المواجهة الفكرية مع ابن عبد الوهاب

لقد تعرّضت حركة محمد بن عبد الوهاب و أفكاره الشاذّة وتصوّراته الباطلة لموجة من الردّ والتفنيد قام بها ثّلة من العلماء والمفكّرين الواعين في الحرمين الشريفين وغيرهما من الأقطار الإسلامية، أثبتوا خلالها وهن تلك الأفكار الهدّامة وشذوذها وابتعادها عن هدي الإسلام وروحه السامية ومفاهيمه الحقّة، واعتبروا أنّ ابن عبد الوهاب شخصية منحرفة عن الصراط المستقيم، وأنّه مجرّد بوق من أبواق الفكر السلفي لابن تيمية يردّد ما طرحه هو وتلميذه ابن قيّم الجوزية.

وكان على رأس قائمة الرادّين عليه أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، في كتابه الموسوم «الصواعق الإلهية» حيث جاء فيه:«إنّ هذه الأُمور ـ التي كفّر بها الوهابيون المسلمين ـ حدثت من قبل زمن الإمام أحمد بن حنبل في زمان أئمّة الإسلام وأنكرها من أنكرها منهم، ولا زالت حتّى ملأت بلاد الإسلام كلّها، وفُعلت هذه الأفاعيل كلّها التي تكفرون بها، ولم يُروَ عن أحد من أئمّة المسلمين أنّهم كفّروا بذلك، ولا قالوا هؤلاء مرتدّون، ولا أمروا بجهادهم، ولاسمّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفّرتم من لم يُكفّر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها…».(الصواعق الالهية في الرد على الوهابية:ص38).

وقال أيضاً:(اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب الى الكتاب والسنه ويستنبط من علومهما ولا يبالى من خالفه، ومن خالفه فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصله واحده من خصال اهل الاجتهاد، ولا واللّه ولا عشر واحده، ومع هذا راج كلامه على كثير من الجهال، فانا للّه وانا اليه راجعون).

وهكذا توالت الردود على ابن عبد الوهاب من قبل الكثير من العلماء والشخصيات الإسلامية السنيّة مفنّدة آراءه ومبطلة نظرياته، منهم:

1. الشيخ العلاّمة عبد اللّه بن عبد اللطيف الشافعي في كتابه «تجريد سيف الجهاد لمدّعي الاجتهاد».

2. العلاّمة عفيف الدين عبد اللّه بن داود الحنبلي في كتابه الموسوم «الصواعق والردود».

3. العلاّمة المحقّق محمد بن عبد الرحمن ابن عفالق الحنبلي، مؤلف «تحكُّم المقلّدين بمن ادّعى تجديد الدين».

4. أحمد بن علي القباني البصري، ألّف رسالة، تقع في نحو عشر كراريس عقد فصولها كافّة للرد على معتقدات ابن عبد الوهاب وتزييفها وإبطالها.

5. الشيخ عطاء اللّه المكي صاحب «الصارم الهندي في عنق النجدي».

هذه بعض المصنّفات التي تصدّى فيها أصحابها للرد على الوهابية، وهناك ردود كثيرة.

وكان السيد عبد الرحمان الأهدل مفتي زبيد يقول: لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله صلى الله عليه وسلّم (سيماهم التحليق) فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم.

 واتفق مرة أن مرأة أقامت الحجة على ابن الوهاب لما أكرهوها على اتّباعهم ففعلت، أمرها ابن عبد الوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حيث أنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يجد لها جواباً.

وقوله:(سيماهم التحليق) يشير إلى حديث النبي في الخوارج، كما روي في الصحاح والمسانيد.(راجع مسند أحمد:ج3/ص64، والمغني لابن قدامة:ج1/ص73، نيل الأوطار للشوكاني:ج1/ص155، وغيرها).

الردود الشيعية

وهكذا أدلى الشيعة بدلوهم في هذه القضية، وساهم علماؤهم في التصدّي لأفكار الرجل ودحض مدّعياته وتزييف آرائه، وقد بذلوا جهوداً جبارة في هذا المجال، وجاءوا بما يعجز اللسان عن وصفه. وكان رائدهم في هذا المضمار

1- الشيخ جعفر كاشف الغطاء، حيث صنّف كتاباً في الردّ على الوهابية تحت عنوان «منهج الرشاد لمن أراد السداد» كشف فيه عن حقيقة الوهابية وزيف أفكارها، كتبه ردّاً على الرسالة التي بعثها سعود بن عبد العزيز إليه يشرح فيها مواقفه من الوهابية، وقد أرسل الشيخ نسخة من الكتاب إلى الأمير المذكور والذي كان معروفاً بميوله الوهابية المتعصّبة.

2- وهكذا قام حفيده الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في الرد على الوهابية بعد الجريمة التي اقترفوها في حقّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وهدمهم لمراقدهم الطاهرة في البقيع عام 1344هـ، فصنّف الشيخ (قدس سره) كتابه المعروف «الآيات البيّنات في قمع البدع و الضلالات» الذي استطاع أن يفنّد فيه آراءهم اعتماداً على المنهج القرآني ومنطق الوحي.

3- ثمّ توالت سلسلة الردود ومازالت تترى، ومن تلك الردود التي يشار إليها بالبنان ما قام به السيد محسن الأمين العاملي حيث صنّف كتابه الموسوم بـ«كشف الارتياب عن أتباع محمد بن عبد الوهاب» أجلى فيه الحقيقة وأزاح الستار عن الكثير من الأُمور والمسائل الغامضة، والكتاب يُعدّ من الكتب التي لا يستغني عنها الباحث في هذا المجال.

هذه نماذج قليلة للردود الشيعية، ولو أردنا استقصاء ذلك لطال بنا المقام. للبحث بقية ستأتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى