زاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعة

ما هو نهج الخلاص وكيف يكون؟؟!!

بات من المعروف لدى الناس أن المريض عندما يستشعر المرض وتستبين له خطورته يهرع إلى الطبيب  وطبيب البشرية الحق هو الله سبحانه في كل زمان ، وهذه الحقيقة كشفها جلية للناس كافة أبو الأنبياء   إبراهيم(ع) خليل الله عندما حكى القرآن قوله{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }(الشعراء/80) وربما ـ وللأسف   الشديد ـ استعملت هذه الآية الشريفة إعلانا للترويج لبضاعة المتاجرين بالأدوية أو الطب ممن يصطلح   عليهم بالأطباء ، ولكن وقفة تدبر حقيقية سيكتشف الناس أن المرض العضال هو مرض النفوس

 وتمرض النفوس بامتلائها ظلما وجورا ولذا عند حصول الامتلاء لابد من طبيب إلهي يعالج هذه النفوس لتشفى وتعود كما أرادها الله سبحانه أوعية للقسط والعدل ، وليست أوعية للظلم والجور ، وليس هناك من أحد قادر على هذا العمل الجبار إلا من يرسله الله سبحانه طبيبا مداويا لأنفس البشرية التي خربها الجهل والإغراء والإغواء بالشهوات ، ونبي الله إبراهيم(ع) هنا يكشف عن الطبيب الحق ، الطبيب الذي صنع الأنفس ويعلم صلاحها ، ولذا كان لابد أن يكون الإرسال منه سبحانه للمعالجة ، وإلا لا محيص عن الهلاك .

يعلم الناس كافتهم أن هذا النهج في المعالجة مستمر منذ آدم(ع) وإلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها ، وهذه المعالجة لا تكون إلا على يد الرسل المباركة ، قال تعالى{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}(النساء/165) وهذه الآية دلالتها واضحة وصريحة على أن سبيل الإرسال الإلهي مستمر لا انقطاع فيه مادام هناك أناس يحتاجون إلى وجود الرسول ، ومن يقول بانقطاع الإرسال بعد موسى(ع) كما يزعم اليهود ، وبعد عيسى(ع) كما يزعم النصارى ، وبعد رسول الله محمد(ص) كما يزعم السواد الأعظم من المسلمين ، فأولئك يقولون بخلاف قول الله سبحانه ، لأن انقطاع الإرسال في فترة من الفترات يجعل للناس الحجة على الله سبحانه ، وهذه الآية الشريفة توضحها وتفصلها سنة الطاهرين من آل محمد(ص) حيث ورد عنهم (لو خلت الأرض من حجة لله لساخت بأهلها .) وحجة الله رسوله في كل زمان حتى تكون الحجة دائما وأبداً لله سبحانه ، ولن تكون للناس مطلقا ، ولكن المؤسف فعلا ـ بغض النظر عن سوء النوايا أو حسنها ـ راح الناس يقرؤون مقدمة الآية ويتغافلون تماما عن إتمامها ، والبيان واقع في تمامها ، فهذه الآية هي مثل قول (لا إله إلا الله) فمن وقف على المقدمة (لا إله) وقع في حد الكفر ، ومن أتمها فقد نطق بكلمة التوحيد ، ولذلك ترى المسلمين بسوادهم الأكبر يقفون عند الشهادة بالرسالة عند رسول الله محمد(ص) ولا يتعدونه ، مع أن الفارق بين رسول الله(ص) وبين الأمة اليوم هو ألف وأربعمائة وعشرون سنة تقريبا ، وفي هذه المساحة الزمنية الممتدة أجيال وأجيال ، ابتليت ووقعت فيها المصائب والبلاءات فمن المنقذ لها ، ومن هو طبيبها؟! هل يعقل أن يكون طبيبها من ترشيحها هي؟؟!! لو كان هذا الأمر ممكنا لكان ـ استغفر الله سبحانه ـ عبثا قوله تعالى(رسلا مبشرين ومنذرين …) لأن الأمم التي جاءت بعد رسول الله(ص) ـ بزعم أصحاب هذا القول ـ لا يوجد لهم رسول ولذلك فهم عملوا على وفق جهدهم واجتهادهم ، وحتى يكون هذا الأمر محبوكاً أكثر أشاعوا بين الناس هذا الحديث الموضوع على رسول الله(ص) القائل (من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر) ، والمصيبة في شيوع هذا الحديث وأمثاله هو ابتعاد الناس عن كتاب الله سبحانه وهو الميزان الحق ، فهذا الحديث يشير من طرف خفي أن لا رسول بعد رسول الله محمد(ص) ، بل وهم يصرحون بذلك ويصرون عليه بداعي قوله تعالى{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}(الأحزاب/40) حيث فهموا من عبارة (خاتم النبيين) بختم الإرسال فلا إرسال بعده ، مع أن قبل هذه العبارة عبارة (ولكن رسول الله) ولم تقل الآية أنه خاتم الرسل ، وحتى لو قالت فلا يعني أن الخاتم هنا نهاية الإرسال قطعا ، بل يحتمل أن يكون معنى خاتم أي جامع الكمالات ولذلك كانت رسالته مشتملة ومتممة لكل ما سبقها من الرسالات ، وكذلك قد تعني كلمة خاتم أنه به (ص) ختم الإرسال من السماء بمعنى الإرسال المباشر من الله سبحانه كما جرت السنة فيمن سبقه من المرسلين ، وبه ختم هذا النهج وفتح الباب لنهج في الإرسال جديد ، ولذلك يقال في زيارته (ص) (الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل) ولعل في اقتران مفردة الختم بالنبوة بيان إلى أن الختم المعني هو الإرسال من السماء مباشرة ، وليس مطلق الإرسال ، لأن لمفردة النبوة دلالة واضحة على الغيب ، ولذا فحتى نستبين المعنى الحق نعرض هذه الآية على آية (رسلا مبشرين ومنذرين …) ليتبين لنا أن الإرسال مستمر غير منقطع ولكن ما انقطع هو الإرسال المباشر ، وصار الإرسال ببعث محمد(ص) خاتم النبيين منه (ص) لأنه الخاتم أي الرسول الكامل التام ، أي المصداق الحقيقي لخلافة الله سبحانه ، وهذا الأمر يعطيه الحق بأن يكون مرسِلا كونه صورة الله سبحانه ، والصورة ـ كما هو معروف ـ حاكية للأصل ، واستناداً إلى هذا الفهم يبقى سبيل الله سبحانه واضحا بينا لا لبس فيه ، ويبقى الناس في كل زمان هم مكلفون بمعرفة الرسول القائل في كل زمان (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) ولا يتخلف هذا النداء في أي زمن لأن تخلفه يعني أن الحجة ستكون للناس ، وهذا كما ذكرنا سابقا لا يكون ولن يكون إلى أبد الآبدين .

إذن عرفنا أن لابد لله سبحانه من رسول مبعوث في كل زمن ، وعرفنا أن الإرسال بعد محمد(ص) سيكون من محمد(ص) بإذن الله سبحانه ، ولذا فأوصياء محمد(ص) أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش ، بمعنى أن رسول الله(ص) مأمور بالتبليغ بهم فهم رسالة الله سبحانه إلى الناس ، قال تعالى{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة/67) ، فما هذا الذي أنزل إليه من ربه ويحذره الله سبحانه من كتمانه ويأمره بإذاعته؟؟!! ولعل من النافع قبل الإجابة على هذا السؤال أن نخاطب السواد من المسلمين الذين يتوهمون ـ بحسب ما قيل لهم ـ أن الرسالة هي القرآن الكريم وما فيه من تعاليم وشرائع!! وهذا الوهم الغريب يرده شيء من التدبر والتفكر ، فبمجرد أن يثير المرء على نفسه هذا السؤال : هل كان رسول الله(ص) صامتا لا ينطق بما كان ينزل عليه حتى نزول هذه الآية ليكون المعنى كما يقولون؟؟!! الجواب الصريح والأكيد والواضح : لا ، بل كان رسول الله(ص) يبلغهم بكل آية تنزل عليه ويوجههم إلى أن يضعوها في المكان الفلاني من السورة الفلانية ، إذن فهذا القول لا حقيقة له ، إذن ما هو الشيء الذي أمر به رسول الله(ص) أن يبلغه للناس وبهذه اللغة المشددة؟؟ لابد أنه أمر سيكون شديداً على الناس ، وهل هناك أمر أشد على الناس من منصب القيادة بعد رسول الله(ص)؟؟ لا أحد سيقول : نعم هناك ما هو أهم من منصب القيادة بعد رسول الله(ص) ، لأنه سيردُّ على هذا القول بما حصل في أرض الواقع ، فما إن بلغهم نبأ رحيل رسول الله(ص) عن هذا العالم حتى راحوا يحثون الخطى نحو سقيفة بني ساعدة ليعينوا خليفة ، هذا والرسول(ص) مازال مسجى لم يغسل ولم يكفن ولم يُصلَّ عليه!! ومن هذا المسجى؟؟!! هذا محمد(ص) سيد الخلق وأحب الخلق وخليفة الله الحق ، تركوه خلف ظهورهم مسجى وراحوا يتبارون في ميدان الصراع على منصب الخلافة ، وينشغل علي(ص) بتجهيزه والصلاة عليه ومواراته الثرى بأبي وأمي ونفسي أنت يا رسول الله(ص) ، وحرم السواد الأكبر من المسلمين ذاك اليوم هذا الشرف العظيم وهو وداع خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وأفضل الخلق عند الله سبحانه ، فهل هناك حرمان أعظم من هذا الحرمان؟؟!! وراحوا يتقاسمون أمراً لا نصيب لهم فيه لا من قريب ولا من بعيد فتحقق ما حذر الله سبحانه الأمة من أن تقع فيه ، وماذا يقال في حق من تحذره قبل وقوعه في الهاوية ، لترى أنه تجاهل التحذير وواصل السير ووقع في الهاوية غير أنه مستحق لكل ما يلقى فيها ، قال تعالى{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران/144) ، فكيف يكون الانقلاب ، وما معناه؟؟ لاشك في أن الانقلاب دال على إعادة الأمر إلى سابق عهده بعد أن تم تغييره ، وسابق عهده هو حكم الجاهلية أي منصب القيادة بيد الناس يتداولونه بحسب ما تعارفوا عليه من أمور هم وضعوها ، ومعنى ذلك أن الناس بعد رسول الله(ص) انقلبت على نهجه وأعادت الأمر سيرته الأولى ، ونهجه (ص) واضح بين ؛ هناك مشرِّع وهو الله سبحانه وهو الغيب المطلق ، وهناك شريعة معرفة به واصفة إياه فيها تبيان كل شيء مما يحفظ الحياة ويجعلها متوازنة على وفق ما أراد لها خالقها ، وهناك قائم بالشريعة وهو الرسول(ص) المنفذ لكل تعاليم الحق سبحانه ، هذا هو نهج الله سبحانه الثابت الذي لم يتغير ولن يتغير منذ آدم(ع) وإلى ما شاء الله عز وجل ، وعلى هذا النهج سارت كل الأمم السابقة ، وعليه يسير اللاحقون ، ولا خلاص ولا نجاة للبشرية من دون هذا النهج فهو نهج الصلاح الذي يبعث به المصلحون ، وكل نهج سواه فهو نهج فساد نهانا الله سبحانه عن اتباعه والسير فيه ، قال تعالى{إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}(آل عمران/45-51) .

…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 2 – السنة الثانية – بتاريخ 3-8-2010 م – 22 شعبان 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى