أخبار سياسية منوعة

دولة قانون: من غلب على شيء فعله

عن أمير المؤمنين (ع) علي بن أبي طالب (ع) في حديث طويل يقول فيه: (( يعود دار الملك إلى الزوراء وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله )). وهذا هو حال العراق اليوم الذي تتحكم فيه الأحزاب وميليشياتها الهمجية ونفوذها الأخطبوطي الممتد في كل مفاصل وزوايا الدولة، فسلطة الهمجية تواجهك بدءاً في الشارع أو مقر العمل أو المسجد،


وليس مهماً أبدأً أن تكون قد ارتكبت ما يُعرّفه الدستور على أنه جرم يستحق العقوبة، بل يكفي أن يصدر منك تذمر ما أو سلوك ما لا يصادف هوى لدى المليشيات المتزيية بزي قوى الأمن، لتُلفق لك التهم وترى من التعذيب صنوفاً لم تكن لتخطر لك على بال، فالسجن محطة أخرى من محطات رحلتك في هذا الوطن المزروع برجال الأحزاب . ولا شك في أنك تمتلك في بيتك جهاز تلفزيون يصدّع رأسك صبح مساء بخطابات الحرية المكفولة والديمقراطية الجديدة والجنة التي طولها من زاخو إلى الفاو، وبطبيعة الحال أنت لا تصدق هذا الهراء الكثير، ولكنك وقد وقعت في أفخاخ الأحزاب التي لا ترحم تسمح بقليل من الكذب على النفس لتخفيف التوتر والإختناق غير القابل للتحمل، وستكون قاعات المحاكم أملك الأخير في الخلاص، وعندها ستمر برأسك كلمات المالكي التي تتحدث عن دولة القانون، تلك الكلمات التي اعتبرتها عند سماعك الأول لها نوعاً من الهراء الإنتخابي الذي لا يعني شيئاً حقيقياً، ولكنك ستقول لعل الرجل كان يقصد أن المحاكم هي من سيتكفل تحقيق القانون والعدالة، ولكن يا لسوء حظك وأنت ترى سلطة الأحزاب تتعقبك إلى قاعات المحاكم، فهناك ستجد القاضي يوجه قراراته على وفق ما تحدده رغبات الحزب الذي ينتمي له، وإذا صادف أنه لم يتدنس بعدُ بالإنتماء لحزب، فسيصادف حتماً أنه صاحب بيت وعيال يخشى عليهم غائلة المسدسات الكاتمة، ويهمه توفير لقمة العيش لهم، وهذا ما لا يتحقق له بغير مداهنة الأحزاب ووضع رغباتها في رأس قائمة حيثيات القضية التي يحكم فيها. وعندئذ لن يكون مهماً أبداً أن تتاح للمتهم فرصة الدفاع عن نفسه، بل لا داعي مطلقاً للتحقق من صدقية التهمة الموجهة له، فما يلفقه محققو الأحزاب، وما يُكرهون المتهمين على النطق به من اعترافات بسياط التعذيب اللاهبة يكفي تماماً لإصدار نوع الحكم المقرر بدوره سلفاً، فالقضية، كل القضية من ألفها إلى يائها، هي أن الوطن مرتهن لرغبات الأحزاب، وعلى المواطن أن يعرف على الدوام اتجاه بوصلة رغبات هذه الأحزاب لتمكن من تجنب الإهانات المتوقعة في كل ساعة، وفي كل وقوف له في إحدى السيطرات التي تغص بها الشوارع.
كنت يومياً أجلس إلى جوار سائق تاكسي، وكان يبدو رزيناً لا تعجبه الثرثرة، وعيناه مصوبتان إلى الطريق المزدحم، ولكن هذه الصورة تغيرت فجأة ما إن أشار له رجل السيطرة الذي يضع على رأسه خوذة ويمسك البندقية بوضع المتهيئ لأي طارئ قد يحدث، فبسرعة عجيبة ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة ببلادة ونفاق واضح، وبادر رجل السيطرة بتحية أجاب عليها هذا الأخير بغمغمة غير مفهومة، ويبدو أن السائق لم يكن يهمه أبداً سماع جواب على تحيته فقد أعقبها بسيل من الكلمات : ( الله يساعدكم، احنه بالخدمة )، أطل رجل السيطرة في داخل السيارة، نظر إلي نظرة متعجلة، وبعد أن ابتعد أشار للسائق بالحركة، قلت للسائق ملمحاً لسلوكه المنافق: شنو الظاهر أيام صدام ما تغيرت. فهم السائق مغزى كلماتي فقال: يا أخي هؤلاء كلاب ما عدهم مانع يبهذولنك على أتفه الأسباب. وبعد صمت قصير : شنسوي عدنه عيال انكد عليهم، إذا ما نجامل ما نعيش!!؟
طبعاً لم أحدث السائق عن وزارة حقوق الإنسان وهل تؤدي دورها في مراقبة سلوك رجال الأمن، لأني أتوقع منه أن يسخر من سذاجتي، ( يا حقوق إنسان يا بطيخ، انت صدك ما عندك شغل وعمل، انت وين عايش )، طبعاً أسمح لنفسي في هذه المقالة بذكر هذه الوزارة التي لا أعلم ( شنو شغلها ) لأنكم مثلي ( ما أدري وين عايشين )!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى