أخبار سياسية منوعة

الانتخابات آلية فاسدة لاختيار الحاكم!!!

د . موسى الانصاري

بسم الله الرحمن الرحيم

على الرغم من أن العالم اليوم يدعي أنه في زمن الانفجار المعرفي ، وانه وصل إلى مرتبة من العلم تؤهل أهله إلى معرفة ما يصلحهم وما يفسدهم ، إلا أن واقع العمل يكشف غير ذلك تماما ، حيث أن وصول الفكر البشري إلى هذا الفهم السياسي المتردي في نظام الحكم والحاكمية لا ينبئ عن هذا المدَّعى ؛ أن هناك تقدم في الفكر البشري ، بل على العكس تماما فهناك انحدار في الفكر البشري السياسي أدى به إلى إعادة صياغة الأفكار القديمة المنحرفة

على الرغم من أن العالم اليوم يدعي أنه في زمن الانفجار المعرفي ، وانه وصل إلى مرتبة من العلم تؤهل أهله إلى معرفة ما يصلحهم وما يفسدهم ، إلا أن واقع العمل يكشف غير ذلك تماما ، حيث أن وصول الفكر البشري إلى هذا الفهم السياسي المتردي في نظام الحكم والحاكمية لا ينبئ عن هذا المدَّعى ؛ أن هناك تقدم في الفكر البشري ، بل على العكس تماما فهناك انحدار في الفكر البشري السياسي أدى به إلى إعادة صياغة الأفكار القديمة المنحرفة ، وإلباسها ثوبا جديدا كي يموه على نفسه ، أن هذا المنتج هو ثمرة جديدة تظهر مدى تطوره وتناميه ، فنظام الحاكمية الذي يستند إلى صناديق الاقتراع هو في الواقع يكشف عن المأزق الحقيقي الذي يمر به الفكر البشري وعجزه عن الوصول إلى منظومة قادرة على إيصال الأصلح إلى سدة الحكم ، ليكون صلاح الرأس صلاحا للجسد .

إن منظومة الاقتراع منظومة فاسدة بالدليل ، حيث القاعدة تقول ؛ إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال ، واستنادا إلى هذه القاعدة القانونية الضابطة لحركة الفكر نسأل ؛ إذا كانت آلية صناديق الاقتراع هي الآلية الأقدر على إيصال الأصلح إلى سدة القيادة ، فهذا يعني أنها آلية محكمة لا سبيل إلى الطعن فيها ، فإذا كانت كذلك ، فعلام كل هذا الضجيج الرسمي والإعلامي الذي يحذر من محاولات تزوير الانتخابات ، وهذه التصريحات النارية التي تعكس إمكانية تزوير الانتخابات وبطرق لا حصر لها؟؟؟!!! إن مجرد تسرب الاحتمال إلى إمكانية تزوير الانتخابات يسقط الاستدلال في كونها السبيل الأنجع لإيصال (الأصلح والأكفأ) إلى سدة القيادة فضلا على أن تكون هي السبيل الوحيد لذلك ـ كما يتم الترويج له اليوم على لسان ساسة العراق المتأمركين ـ واستنادا إلى تلك القاعدة القانونية المنطقية تكون الانتخابات منظومة فاسدة وغير صالحة لتحقيق الهدف المنشود وهو إيصال قيادة صالحة ، والاستناد إلى تلك القاعدة القانونية هنا هو من باب (إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم) حيث أن الناس بسوادهم الأعظم رضخوا إلى تسويق الساسة والمؤسسات الدينية الداعمة للمشروع الديمقراطي الأمريكي ، وحاولوا إقناع الناس بنجاعة منظومة صناديق الاقتراع في إيصال القيادة الصالحة الكفوءة إلى سدة الحكم!!!

لقد استغل الساسة الجدد ومن خلفهم المؤسسات الدينية حنق الناس على نظام الحكم الدكتاتوري ومقتهم لشخص الحاكم الفرد أو الحزب الواحد نتيجة الظلامات التي عانوا منها على يد منظومة الحكم تلك ، وهم يرغبون بجدية إلى تغيير حقيقي ينقلهم من ساحة المظلومية والجور إلى فضاء العدل والقسط ، ومع تنامي شعور الكره لنظم الحاكمية الظالمة بدأ الناس بالبحث عن سبيل يخلصهم من هذا التخبط والتيه والضلال ، ورويدا رويدا راحوا يقتربون من جادة الصواب الحق ، ومع اقتراب الناس إلى جادة الحق استشعر ثعالب حاكمية الناس خطر انفراط عقد ما جهدوا أنفسهم في صنعه ، وقرب تقويض بنائهم الذي شيدوا على أسس واهية ، وأدركوا أن بناءهم آيل إلى السقوط لا محالة ، وبدأت الناس استنادا إلى تلك المعرفة التي نمت إليهم بالخروج من ذلك البناء المتهالك لحاكمية الناس ، وأيقن تجار الحاكمية بفشل مشروعهم ، وقرب ظهور المشروع الحقيقي للحاكمية فتعاظم خوفهم من زوال مشروعهم تماما ، فمالوا إلى سياسة الخداع مرة أخرى ، وسريعا سريعا قاموا بأيديهم بنقض تلك الأنظمة الدكتاتورية ، وإنهائها بحجة كونها أنظمة لم تثمر سوى الفساد ، وقاموا بإعداد جوقة جديدة من الفاسدين تحت مسمى وعنوان (الديمقراطية) ومنهاج التداول السلمي للسلطة وعدم حصرها في شخص واحد أو حزب واحد ، وكأن مشكلة فساد النظام هي في عدم تداول السلطة!!!

ولا يخفى أن تلك الفكرة الشيطانية جعلت الكثير من الناس يعدلون عن قراراهم بمغادرة ذلك البناء الآيل للسقوط ، بل الغريب أنهم شمروا عن سواعدهم للمساعدة في إعادة ترميمه ، وتبديل ديكوراته ، والقيام بإكسائه بما يناسب ذلك التحول ، كي يبدو الأمر للناظر وكأنه أمام بناء جديد على أسس جديدة ، وواقع الحال أن البناء ما زال على حاله ولم يزد ثعالبه عليه سوى أنه أعادوا صبغه ، وقاموا بإكسائه ، وبدلوا من ديكوراته وعدلوا نظامه ، وبدا الأمر تماما كما يقول المثل الشعبي (الحمار نفس الحمار بس اتغير اجلاله) ، فالحاكمية هي نفسها حاكمية الناس ، فقط تغير نمطها من حكم الشخص الواحد ، والحزب الواحد ، إلى اقتسام السلطة بين عدد من القوى تتناقلها فيما بينها ، فتحول الناس من دكتاتورية الفرد القادم بنظام الثورات الشعبية ، والانقلابات العسكرية ، إلى دكتاتورية العصابات القادمة بنظام صناديق الاقتراع ، وتحول الناس من خوف القتل بسلاح الحاكم ، إلى خوف جديد وهو القتل بأموال تلك الجماعات وما تنهبه من تسلطها على مقدرات الشعوب ، ومن كان منصفا لينظر بعين الإنصاف إلى كل النظم التي تسمي نفسها ديمقراطية ؛ كيف وصلت إلى الحكم؟! وصلت لأنها الأقوى اقتصاديا ، والقادرة على إحداث تحول في اقتصاد السوق باتجاه ما يحقق مصالحها ، ولذلك تحول الصراع في النظم الديمقراطية عنه في النظم الديكتاتورية من صراع إرادات إلى صراع مصالح ، يلعب فيها الاقتصاد والمال دورا رئيسيا ، ولذلك توجه الناس نحو سياسة الإثراء وبكل الوسائل والطرق التي بجملتها هي غير مشروعة!!!

إن تلك التحويلة الخطيرة في الفكر البشري كبلت الناس بقيود أخرى جديدة وجعلتهم بقبولهم للعهد (الجديد) أشد أسراً مما كانوا وهم يعيشون في النظام الديكتاتوري ، ذلك أنهم كانوا في ظل ذلك النظام الفاسد قادرين على التحرك ، بل ويشعرون بهشاشة الآصرة التي تربطهم به ، ولذلك هم أكثر حرية ، وقدرتهم على الانتفاض على ذلك النظام كانت أكبر ، ودافعهم إلى محاربته أقوى ، وإمكانية تغييره متاحة ولا تحتاج منهم إلا العزم على التغيير ، وهذا ما حصل لكل النظم الديكتاتورية التي انهارت ، حيث كان انهيارها وسقوطها يشبه سقوط الدمى الكارتونية ، ولم يأخذ سقوطها مساحة زمنية كبيرة ، بل أن تجار الحاكمية وثعالبها عندما التفتوا إلى هشاشة النظام الديكتاتوري سعوا بجد ونشاط يضارع الجد والنشاط الذي أقاموا به سلطانه إلى تحريض الناس عليه والمساعدة الفعلية بإسقاطه ، وهذا ما شهده العالم حينما سقطت نظم الحكم الشمولية في العالم تباعا بسقوط هرمها ؛ الاتحاد السوفيتي السابق ، حيث تهاوت أنظمة الحكم الديكتاتوري تباعا ، واحدة تلو الأخرى تماما كما يحصل في سقوط حجر الدومنو حيث لا يحتاج إسقاطها إلى جهد سوى الجهد المطلوب في إسقاط أولها ومن ثم ستنهار كلها تباعا ، وهذا ما عمله النظام الديمقراطي حيث أنه عمل على إسقاط الحجر الأكبر فتداعى الحجر الباقي تباعا الأقرب فالأقرب حتى وصل الحال إلى نظام صدام الذي لم يحتج سقوطه بالمساحة الزمنية سوى أسبوع من العمليات العسكرية التي لم تشكل للجيش الأمريكي سوى نزهة ، وما كان لنظام صدام أن يسقط لولا أن الناس تشعر أنه حلقة غريبة عنها ولا آصرة بينها وبينه سوى آصرة القوة التي كان يمسك بها حلقة الناس ، وبمجيء قوة أكبر انفرطت حلقة المجتمع عنه وتركته يواجه مصيره في اختبار القوة الذي خسره سريعا وبطريقة مذهلة ، ولكي لا يواجه النظام الجديد ما واجهه نظام صدام اضطر الأمريكان إلى تغيير قواعد اللعبة من لعبة قائمة على عناصر (القوة) ، إلى لعبة قائمة على عناصر (المصلحة) ، ولاشك في أن ذلك التغيير يشكل عقبة أخطر في استبيان السبيل الأصلح في القيادة حيث أن مطامع الناس كلها ستطفو على السطح ، وكلهم من دون استثناء ستشرأب أعناقهم نحو السلطة التي بدت على وفق قواعد اللعبة الجديدة قريبة المنال من كل فرد من أفراد المجتمع ، وهذا ظاهر الحال الذي أسال لعاب السواد الأعظم من الناس ، وبالمقابل فمن سيصل إلى سدة الحكم يكون محكوما بقواعد اللعبة قبل أن يكون حاكما ، ولاشك في أن قواعد اللعبة يمسك بها أصحاب النفوذ والقوة الاقتصادية ، فمن يصل إلى سدة الحكم هو ظاهرا وصل بانتخاب الشعب ، والميزان صناديق الاقتراع ، و… ، و… ما إلى ذلك من سبل الخداع والتزييف حتى يظن الفائز بسباق الرئاسة أن ما حصل عليه هو فعلا على وفق ما يجري في العلن ، حتى إذا ما باشر العمل بدأ باكتشاف ما لم يكن يتوقع ، حيث يرى واقع ما هو فيه من مأزق ، حيث يبدأ قليلا قليلا بالتنصل عن الوعود التي قطعها لناخبيه ، ويكتشف أن عليه أن يعمل على وفق أجندة أخرى غير التي توهم أنه سيعمل عليها ، هذا لمن يصل إلى موقع القرار بإرادة شعبية مع افتراض نزاهة صناديق الاقتراع ، ولكي لا يترك النظام الديمقراطي شأن الحاكمية إلى (مصادفات) ـ بحسب ما يعتقد ـ مزعجة تراه يضع الاحتمالات المتعددة ويفترض لها الحلول ، ولذلك تلحظ في الحكومات الديمقراطية التي يصل بها الرئيس بإرادة ناخبيه يصطدم بأن عليه كي يكمل مشوار الوصول إلى سدة الحكم أن يعين فلانا وفلانا وفلانا نائبا له ، ومستشارا له ، ووزيرا لخارجيته ، تلك المناصب الثلاث هي في واقع الحال الضابط لحركة المرشح والضاغط عليه ، وفي أسوء أحوال تمرده سوف يجد قوى الخفية المسيطرة على السلطة ـ حقيقة ـ قادرة على تغييره بتدبير الاغتيال ليكون النائب المعين ـ وليس المنتخب ـ هو الرئيس إلى حين انتهاء ولاية المغدور .

إذن ليس هناك ـ في النظام الديمقراطي ـ شيء متروك للمصادفة ـ بحسب ما يعتقدون ـ فكل شيء يجري على وفق ما أعد له سدنة الظلام من احتمالات لا يتوقعون غيرها أو ما يخرج عنها ، وهذا الأمر جرى بآلياته على أرض العراق حيث أن ما يكون خارج سياق الاحتمالات يوكل أمره إلى (صولات الفئران) تحت مسمى مكافحة الإرهاب ، ومحاربة الخارجين على القانون ، ومن ثم فليس هناك ما يقلق النظام الديمقراطي بعد أن اطمأن على رقدة الشعوب على وسادة الأمل في الثراء والوصول إلى سدة الرئاسة ، وحلمهم بالرفاه المعلق بأذيال الشيطان ، وكلما تحققت مفردة من مفرداته كان التعلق به أقوى وأشد ، ولذلك نلحظ مدى انهماك الناس بالتجربة الديمقراطية وفرح سدنتها وعرابيها من الساسة المتأمركين ورجال الدين الخونة لأماناتهم حيث انطلت حيلتهم على الناس ، وبلع العراقيون الطعم ، وقبلوا المائدة الأمريكية الجاهزة ، بل وأقبلوا عليها بنهم غريب حتى كأنه لا بديل لها ، وهذه على ما يبدو ستكون آخر مراحل الديمقراطية ، فمهما تجبر الناس على السماء وتشاطروا عليها فهم في واقع الحال أضعف من أن يقفوا أمام صفعة من صفعاتها ، كانحباس المطر ، أو الزلازل ، أو … ، أو … ما إلى ذلك من علامات الغضب الإلهي الذي أظل الناس وتغشاهم ، وسوف لن يكون هناك عذر للناس ولا عاذر ، حيث أن الحق سبحانه وفـَّرَ لعباده كل الظروف الموضوعية لنصرة حاكميته والانحياز إليها ونفض اليد تماما من حاكمية الناس بعدما رأوا وهم يعيشون في كنفها كيف أنها انتهكت الحرمات وأشاعت المظالم وحرفت الحقائق وأضاعت الحقوق!!!

غير أن الناس ـ كما يبدو ـ أنسوا منطق الخداع ، وتناسوا (صولات الفئران) والمقابر الجماعية فوق الأرصفة وفي الطرقات إلى يومنا هذا ، وتناسوا خنق الحريات بكل أنواع الأسلحة ، وتوهموا أن السماح لهم بالتعبير عن حالات الفقر والشكوى والاستجداء على شاشات الفضائيات هي الحرية ، وغفلوا أن هذا الذي توهموه حرية ، ما هو إلا رق واستعباد ولكن بلون آخر ، وبخدعة جديدة ، حيث ما يزال من تريده أمريكا وزبانيتها هو صاحب القدح المعلى ، ومن لا ترغب به أمريكا فسبيل تصفيته أيسر عندها من شرب قدح الماء ، ولاشك في أن هذا الضجيج المتعالي مع قرب حلول موعد الانتخابات ما هو إلا دليل ساطع على فشل تلك الممارسة وانحرافها وفسادها وعجزها عن توفير ما وعدت الناس به ، وما هذه الفتاوى من مراجع (الطين) وتأكيدات الساسة المتأمركين على ضرورة مشاركة الناس بشكل فاعل في تلك الممارسة المنحرفة إلا مؤشر واضح على إحساس كل تلك العصابات السياسية بالمأزق التاريخي الذي بدأ يشعرها بقرب نهايتها على الرغم من هذا الزعيق والصخب المتراكم الذي يعلنه ساسة العراق المتأمركين عن نجاح التجربة الديمقراطية ، وفشل كل المراهنات على سقوطها!!! ونحن نقول لهم : نعم لقد نجحتم في الخداع ، ونجحتم في التزييف ، ونجحتم في التملق من خلال إشاعة خلق النفاق سياسيا ودينيا واجتماعيا ، ونجحتم بحفر قبوركم بأيديكم ، كما فعل من سبقكم .

إذن فالانتخابات ليست هي الآلية لبيان الأصلح والأكفأ ، بل ليست هي بآلية أصلا لأنها تفتقر لأبسط الأسس التي تجعلها قادرة على توفير عملية نزيهة بعيدة عن التزوير ، بشتى صورها سواء منها ما كان بشراء الأصوات ، أو تزييف صناديق الاقتراع ، أو تزييف أوراق الاقتراع ، أو تزييف عدد المقترعين ، بل وصل التزييف إلى زجاجة الحبر التي تطمغ الناخب ، فجعلوه حبرا سريع الزوال ليعود من انتخب إلى الانتخاب ثانية ، وهذا ما حصل في ممارسة الانتخاب الخاص في عدد من مراكز الانتخاب ، كما أن آلية الانتخاب تلك ستفتح الباب على مصراعيه لتعدد أقطاب القوة ومن ثم إمكانية الصراع والتناحر قائمة ، وستكون مدعاة للنهب والسلب والتصفيات ، وكيل الاتهامات ، ومحاولات التسقيط ، والتسقيط المقابل ، فهل بعد هذا البلاء الذي سيقبل عليه العراقيون من بلاء؟؟؟!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى