زاوية العقائد الدينيةعقائد السنة

خليفة الله لابد أن يكون أعلم الناس

من نافلة القول أن خليفة الله في أرضه، وبوصفه الشخص الذي يقود العباد إلى ما فيه صلاحهم في الآخرة والدنيا، لابد أن يكون أعلم الناس في زمانه، فلا يُسأل عن شيء ويقول لا أدري، كما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. 

خليفة الله لابد أن يكون أعلم الناس

وفيما يلي أحاديث تدل على جهل من تسنم سدة الحكم والخلافة قبل علي عليه السلام: 

قال ابن حجر في ( فتح الباري ) : ” أخرج عبد بن حميد … عن إبراهيم النخعي قال : قرأ أبو بكر الصديق ” وفاكهة وأبا ” فقيل : ما الأب ؟ فقيل : كذا وكذا ، وقال أبو بكر : إن هذا لهو التكلف أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم ، وهذا منقطع بين النخعي والصديق ، وأخرج أيضا من طريق إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن ” الأب ” ما هو ؟ فقال : أي سماء تظلني فذكر مثله ، وهو منقطع أيضا لكن أحدهما يقوي الآخر ” (فتح الباري – ج13 ص272).

وروى مسلم في كتاب الآداب باب الاستئذان عن عبيد بن عمير قال : ” استأذن أبو موسى على عمر فكأنه وجده مشغولا فرجع ، فقالعمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له ، فدعي له ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : إنا كنا نؤمر بهذا ، قال : فأتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك ، فانطلق إلى مجلس من الأنصار ، فقالوا : لا يشهد إلا أصاغرنا فقام أبو سعيد الخدري ، فقال : قد كنا نؤمر بهذا ، فقال عمر : خفي علي هذا من أمر النبي (ص) ألهاني الصفق بالأسواق ” (صحيح مسلم – ج3 ص1695).

وروى البخاري معلقا في كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة : ” وقال علي لعمر : أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ ” (صحيح البخاري – ج8 ص204) .

قال ابن حجر في ( الفتح ) : ” وفي أول الأثر قصة تناسب هذه الترجمة وهو عن ابن عباس أتي عمر أي بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي : أما بلغك أن القلم قد رفع عن ثلاثة فذكره ” ، ثم ذكر ابن حجر عدة أسانيد للخبر ، إلى أن قال : ” وهذه طرق تقوي بعضها ببعض ” (فتح الباري – ج12 ص121) .

وروى مسلم في كتاب صلاة العيدين باب ما يقرأ به في صلاة العيد : عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله (ص) في الأضحى والفطر ، فقال : كان يقرأ فيهما بـ ( ق والقرآن المجيد ) و ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) (صحيح مسلم – ج2 ص607).

وروى البخاري في كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه عن أنس قال : كنا عند عمر فقال : نهينا عن التكلف (صحيح البخاري – ج9 ص118) .

ويوضح ذلك ابن حجر في ( فتح الباري ) : ” قوله عن أنس كنا عند عمر فقال : ( نهينا عن التكلف ) ، هكذا أورده مختصرا وذكر الحميدي أنه جاء في رواية أخرى عن ثابت عن أنس أن عمر قرأ ( فاكهة وأبا ) فقال : ما الأب ، ثم قال : ما كلفنا أو قال : ما أمرنا بهذا قلت : هو عند الإسماعيلي من رواية هشام عن ثابت .

وأخرجه من طريق يونس بن عبيد عن ثابت بلفظ أن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله ” وفاكهة وأبا ” ما الأب فقال عمر : نهينا عن التعمق والتكلف وهذا أولى أن يكمل به الحديث الذي أخرجه البخاري .

وأخرجه أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه ولفظه عن أنس كنا عند عمر وعليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ وفاكهة وأبا ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ؟ ثم قال : مه نهينا عن التكلف ، وقد أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن سليمان بن حرب بهذا السند مثله سواء ، وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة بدل حماد بن زيد وقال : بعد قوله فما الأب ؟ ثم قال : يا ابن أم عمر أن هذا له التكلف وما عليك أن لا تدري ما الأب ” .

ونقل ابن حجر لفظ آخر للحديث : ” الزهري عن أنس أنه أخبره أنه سمع عمر يقول : ( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا ..) الآية إلى قوله ” وأبا ” ، قال : كل هذا قد عرفناه فما الأب ؟ ثم رمى عصى كانت في يده ، ثم قال : هذا لعمر الله التكلف اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب … وأخرج عبد بن حميد أيضا من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن زيد أن رجلا سأل عمر عن فاكهة وأبا ، فلما رآهم عمر يقولون أقبل عليهم بالدرة ” .

 وقوله: ( نهينا ) أو ما يساوقها من معاني واضح أنه يُراد منه التبرير، وإلا كيف يكون خليفة رسول الله ويجهل ما في القرآن؟ كما إن عنونة الباب في الكتب بعنوان من قبيل (باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه ) يدل بلا شك على ثقافة تبريرية، وإلا كيف يكون فهم آيات القرآن مما يُكره، أو يكون تكلفه أمراً لا يعنينا؟؟ 

وروى مسلم كتاب الحيض باب التيمم : ” عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء فقال : لا تصل فقال : عمار أما تذكر يا أمير المؤمنين إذا أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فقال النبي (ص) : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر : اتق الله يا عمار! قال : إن شئت لم أحدث به ” (صحيح مسلم – ج1 ص280) .

أما البخاري فقد نقل الحديث باب التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما ولم يذكر رد عمر ( لا تصل ) ولا قوله لعمار ( اتق الله ) (صحيح البخاري – ج1 ص92) .

والعجيب أن حكم التيمم نزل فيه قرآن قرأه المسلمون وهي قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (المائدة : 6) .

وروى مسلم كتاب الفرائض باب ميراث الكلالة عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي الله (ص) وذكر أبا بكر ثم قال : ” إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول الله (ص) في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ، وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ” (صحيح مسلم – ج3 ص1236) .

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم : ” وأما قوله وإني إن أعش إلى آخره ، هذا من كلام عمر لا من كلام النبي (ص) وإنما أخر القضاء فيها لأنه لم يظهر له في ذلك الوقت ظهورا يحكم به فأخره حتى يتم اجتهاده فيه ويستوفي نظره ” (شرح النووي على صحيح مسلم – ج11 ص57) ، رسول الله (ص) يقول : ” ألا تكفيك آية الصيف ، والنووي يبرر تأخير عمر الحكم حتى في زمن خلافته أن الآية لا تكفي لتوضيح الرأي في المسألة !!

قال ابن حزم في كتابه ( الإحكام ) : ” وقيل لابن عمر في اختياره متعة الحج على الإفراد : إنك تخالف أباك ، فقال : أكتاب الله أحق أن يتبع أم عمر ؟ روينا ذلك عنه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ” (الإحكام – ج1 ص157) .

والحديث رواه الترمذي في ( السنن ) عن سالم بن عبد الله حدثه ” أنه سمع رجلا من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ؟ فقال عبد الله بن عمر : هي حلال ، فقال الشامي : إن أباك قد نهى عنها فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (ص) أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله (ص) ، فقال الرجل : بل أمر رسول الله (ص) فقال : لقد صنعها رسول الله (ص) ” (سنن الترمذي – ج3 ص185) ، وقد صحح الألباني الحديث .

بل قال ابن كثير في تاريخه : ” وكان ابنه عبد الله يخالفه ، فيقال له إن أباك كان ينهى عنها ، فيقول : خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء ، قد فعلها رسول الله (ص) ، أفسنة رسول الله نتبع أم سـنة عمر ؟ ” (البداية والنهاية – ج5 ص141) .

وقال ابن حزم كذلك في كتاب ( الإحكام ): وهذا أبو بكر لم يعرف فرض ميراث الجدة وعرفه محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة وقد سأل أبو بكر عائشة في كم كفن رسول الله (ص).

وهذا عمر يقول في حديث الاستئذان : أخفي علي هذا من أمر رسول الله (ص) ألهاني الصفق في الأسواق ، وقد جهل أيضا أمر إملاص المرأة وعرفه غيره ، وغضب على عيينة بن حصن حتى ذكره الحر بن قيس بن حصن بقوله تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) ، وخفي عليه أمر رسول الله (ص) بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب إلى آخر خلافته وخفي على أبي بكر قبله أيضا طول مدة خلافته فلما بلغ ذلك عمر أمر بإجلائهم فلم يترك بها منهم أحدا ، وخفي على عمر أيضا أمره (ع) بترك الإقدام على الوباء وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف .

وسأل عمر أبا واقد الليثي عما كان يقرأ به رسول الله (ص) في صلاتي الفطر والأضحى ، هذا وقد صلاهما رسول الله (ص) أعواما كثيرة ، ولم يدر ما يصنع بالمجوس حتى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول الله (ص) فيهم ونسي قبوله عليه السلام الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور ولعله قد أخذ من ذلك المال حظا كما أخذ غيره منه .

ونسي أمره (ع) بأن يتيمم الجنب فقال : لا يتيمم أبدا ولا يصلي ما لم يجد الماء ، وذكره بذلك عمار وأراد قسمة مال الكعبة حتى احتج عليه أبي بن كعب بأن النبي (ص) لم يفعل ذلك فأمسك ، وكان يرد النساء اللواتي حضن ونفرن قبل أن يودعن البيت حتى أخبر بأن رسول الله (ص) أذن في ذلك فأمسك عن ردهن ، وكان يفاضل بين ديات الأصابع حتى بلغه عن النبي (ص) أمره بالمساواة بينها فترك قوله وأخذ بالمساواة ، وكان يرى الدية للعصبة فقط حتى أخبره الضحاك بن سفيان بأن النبي (ص) ورث المرأة من الدية فانصرف عمر إلى ذلك ، ونهى عن المغالاة في مهور النساء استدلالا بمهور النبي (ص) حتى ذكرته امرأة فرجع عن نهيه ، وأراد رجم مجنونة حتى أعلم بقول رسول الله (ص) رفع القلم عن ثلاثة فأمر ألا ترجم ، وأمر برجم مولاة حاطب حتى ذكره عثمان بأن الجاهل لا حد عليه فأمسك عن رجمها ، وأنكر على حسان الإنشاد في المسجد فأخبره هو وأبو هريرة أنه قد أنشد فيه بحضرة رسول الله (ص) فسكت عمر ” (الإحكام – ج1 ص153) . انتهى كلام ابن حزم .

ــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد11 /سنة 2 في 05/10/2010 –26شوال1431هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى