زاوية الأبحاث

وباء الحصبة يجتاح محافظة الديوانية

الحصبة محافظة الديوانية

كنت قد قررت الكتابة عن الإحصائية المهولة التي نشرتها إحدى المنظمات الدولية عن عدد الأرامل في العراق الذي بلغ الملايين بحسبها ( ثلاثة أو أربعة ملايين أرملة ! ) ، وهي أرقام تدل دون شك على أن المجتمع العراقي في طريقه إلى الإنهيار الكارثي ، لاسيما إذا وضعنا بالاعتبار المشكلات الكبيرة الأخرى التي يعانيها هذا المجتمع المنكوب . تقول نوال السامرائي وزيرة الدولة لشؤون المرأة في حديث لصحيفة القدس العربي (وضع المرأة في العراق كارثي والأزمات خلفت جيشا من الأرامل والمطلقات ) !؟ وتضيف قائلة : ( إن السبب الأول يعود إلى أن قضية المرأة ليست من أولويات الحكومة ) ! أ من المعقول أن لا تجد ثلاثة ملايين أرملة مكاناً في سلم أولويات الحكومة ، ترى بأي شيء يزدحم هذا السلم إذن ؟

هذا الموضوع أجلت الكتابة به ، أو قل أنزلته عن سلم أولوياتي بعد أن طفحت أمامي المشكلات والقضايا التي لم تبلغ بعد شرف الرقي إلى سلم أولويات الحكومة ، فقد سمعت مالكوم سمارت مدير برنامج منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يقول : ( إن النظام القضائي العراقي المتداعي غير قادر ببساطة على ضمان محاكمات عادلة في القضايا الجنائية العادية فما بالك بالقضايا التي يحكم فيها بالإعدام” ، مضيفاً : نخشى أن يكون قد أعدم كثيرون دون أن يحصلوا على محاكمات عادلة ) . على الأرجح يغيب عن معلومات مالكولم أن القضاء العراقي ما هو إلا ألعوبة بيد الأحزاب الحاكمة والمتنفذة ، وإنه لا تنقصه الخبرة والمهنية حسب بل النزاهة أيضاً .

وكان الخبر الذي أثارني أكثر من سواه هو ما نقلته إحدى القنوات الفضائية عن اجتياح وباء الحصبة لمحافظة الديوانية ، ولعل السبب هو أن مرضاً كالحصبة لا يشكل أي خطورة تذكر في الغالبية العظمى من بلدان العالم ، بل إن أكثر هذه البلدان قد بلغت حد إلغاء هذا المرض من قاموس الإصابات الفعلية بما هيئته من لقاحات كفيلة بالقضاء عليه ، ولكن العراق الذي يعوم على بحيرات النفط ، ويملك من الأموال والكوادر ما يمكنه، لو توفرت له الحكومات الصالحة، من تأسيس نظام طبي هو الأرقى في المنطقة ، هذا العراق وللأسف يتوفر على حكومة من أكثر الحكومات فساداً وأقلها اكتراثاً بما يعانيه مواطنيها ، وإذا كان رأس السمكة عفناً فدع عنك الحديث عن باقي جسدها ، وهكذا تجد الحكومات المحلية كما يسمونها تتسابق في النهب والسلب ، تاركة البلاد التي تطفو على بحيرات النفط مغمورة حد الأنوف بالمستنقعات والبرك الموبوءة ، بل إن من يتجول في المستشفيات والمستوصفات الطبية يقشعر بدنه من حجم الإهمال التي تعانيه ، فالمستشفيات بدل أن تكون حصوناً للنظافة والصحة ، أضحت بفضل المافيات الحكومية مراتع للقاذورات والأمراض .

يقول مدير إحدى المستشفيات في الديوانية إن عدد الإصابات بمرض الحصبة قد فاق الألف والخمسمائة إصابة ، وإن الأرقام التي تنشرها الحكومة غير صحيحة بالمرة ، وأقل كثيراً من العدد الحقيقي ، ويتحدث بألم عن افتقار المستشفيات إلى الأسرة والبطانيات ، ويقول إن المرضى يفترشون الممرات ، وهنا ينعطف بالحديث – محقاً تماماً – لبعض الأحزاب التي وزعت البطانيات على الناس أيام الانتخابات المنصرمة .

نعم حقاً فالأموال على ما يبدو وفيرة جداً ويمكن دائماً صرف المزيد منها على الحملات الانتخابية ، فلا مشكلة إذن من هذه الناحية ، المشكلة الحقيقية هي بالهمج الرعاع الذي يسيّرون البلد ، فهؤلاء علاوة على أنهم كما يبدو لم يسمعوا بشيء اسمه التخطيط ، وأنهم ينظرون إلى البلد كما تتحدث النكتة الشعبية ( كل أربع سنوات انتخابات يعني كل أربع سنوات فرهود ) ، أقول إن المحرك الأهم لسلوكهم غير المبالي بما يعانيه الناس هو إنهم قد ضمنوا استحالة تبدل قواعد اللعبة التي صنعوها ، فهم في ظل واقع الصراع الطوائفي الذي أججوا نارهم يعلمون أن الشعب لا تشترى قناعاته بالمنجزات التي يمكن أن يحققوها على الأرض بل بخطابات التخويف من الآخر وبالدهن الذي يقطر من عمامة السيستاني الذي يتيح لهم تمرير جبل من الأكاذيب والأضاليل في بلعوم المواطن .

وليعذرني العراقيون إن قلت : إذا كان الشعب حمار فاللوم يقع عليه أولاً ، لا على من يركب ظهره ، ولست بهذا التعبير أريد إهانة العراقيين وإنما أحاول توصيف الحال المزري الذي يعيشونه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى