زاوية الأبحاث

قانون معرفة الحجة ( الحلقة السادسة )

خلفاء رسول الله ص تكلمت في الحلقة السابقة عن عدم وجود أي نص يدل على تنصيب أبي بكر وعمر بن الخطاب للخلافة، وفي هذه الحلقة أتكلم عن الشرط الثاني من قانون معرفة الحجة وهو ( الأعلمية )، فأقول:

ثانياً الأعلمية:
لا يوجد حديث واحد عن النبي محمد (ص) ينص على علمية أبي بكر فضلاً عن أعلميته وهذا التاريخ أمامكم استقرؤوه، فلا يكاد تذكر منقبة لأبي بكر في باب العلم أصلاً، بل ثبت أن أبا بكر عجز عن مسائل كثيرة وهرع بها إلى عامة الناس والصحابة عسى أن ينجدوه بكلام سمعوه من رسول الله (ص) !
وهذا الكلام ليس من كنانتي بل هو ما سُطر في مصادر أبناء العامة بل أوثق المصادر لديهم كصحيح البخاري وأمثاله.


وسأذكر بعض تلك الأخبار الواردة في مصادر أبناء العامة:
1 – جاء سنن الدارمي: ( … عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه خصم نظر في كتاب الله، فان وجد فيه ما يقضى به قضى به بينهم، وإن لم يجد في كتاب الله نظر هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم فيه سنة فان علمها قضى بها ، فان لم يعلم خرج فسأل المسلمين، فقال: أتاني كذا وكذا فنظرت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجد في ذلك شيئا فهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما قام إليه الرهط ، فقالوا: نعم: قضى فيه بكذا وكذا، فيأخذ بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند ذلك: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا، وإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به وإن عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك فان أعياه أن يجد في القرآن أو السنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء فان وجد أبا بكر قد قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم ) سنن الدارمي ج1 ص58 باب الفتيا وما فيه من الشدة / السنن الكبرى للبيهقي ج10 ص114 / كنز العمال ج 5 ص600 ح14063.
وهذا الخبر صريح أشد الصراحة بأن أبا بكر لم يكن اعلم الأمة قطعاً، بحيث انه يضطر إلى سؤال الناس عندما يعييه الجواب، وليت شعري هل سمعتم أو قرئتم أن خليفة أو وصي نبي من الأنبياء يعجز عن إجابة السؤال ويستنجد بالرعية في ذلك ؟! هذه سيرة الأنبياء أمامكم فقلبوها ظهراً على بطن، أم إن الرسول محمد (ص) يختلف عن من سبقه من الأنبياء ؟! قال الله تعالى: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } الأحقاف: 9.
2 – مقولة عمر بن الخطاب المشهورة وهي: ( لولا علي لهلك عمر )، فقد كان عمر يفزع إلى علي بن أبي طالب (ع) في الملمات وعندما يعييه الجواب، أو عندما يتورط في حكم خاطئ فلا ينقذه إلا علي بن أبي طالب (ع)، وهذا قطعاً يدل على أن عمر بن الخطاب ليس اعلم الأمة.
وذكر هذه الحادثة ابن حجر في فتح الباري فقال: ( وفي كتاب النوادر للحميدي والطبقات لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن يعني علي بن أبي طالب ) فتح الباري ج 31 ص 286.
وذكر ذلك أيضاً ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث قائلاً: ( وعمر مع هذا يقول في قضية نبهه علي رضي الله عنه عليها: لولا قول علي لهلك عمر ويقول أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن ) تأويل مختلف الحديث ص 152.
وقال عبد الرحمن أحمد البكري في كتاب ( من حياة الخليفة عمر بن الخطاب ): ( قال القندوزي الحنفي: كانت الصحابة ( رض ) يرجعون إليه – أي للإمام علي – في أحكام الله ويأخذون عنه الفتاوى كما قال عمر بن الخطاب ( رض ) في عدة مواطن: لولا علي لهلك عمر ) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب ص 316.
3 – وقال عبد الرحمن أحمد البكري في كتاب ( من حياة الخليفة عمر بن الخطاب ): ( أخرج المحب الطبري، عن عبد الله بن الحسن أنه قال: دخل علي على عمر; وإذا امرأة حبلى تقاد لترجم قال: ما شأن هذه المرأة ؟ قالت: يذهبون بي يرجموني. فقال أمير المؤمنين: لأي شيء ترجم، لأن كان لك سلطان عليها، فمالك سلطان على ما في بطنها.
فقال عمر ( رض ): كل أحد أفقه مني ثلاث مرات. فضمنها علي حتى ولدت غلاماً ثم ذهب بها إليه فرجمها ) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب ص 315 – 316 / ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطبري ص81.
وهنا عمر يعترف بنفسه على أن الجميع اعلم منه، ويبالغ في ذلك فيكرره ثلاث مرات، وهذا الإقرار من عمر ابلغ حجة على انه لا يتحلى بالأعلمية على الأمة، فكما يقال: ( إقرار العقلاء على أنفسهم حجة ) فيتحصل أن عمر ليس اعلم الأمة بل سيتبين مما سيأتي بأنه يعترف بأن حتى ربات الحجال اعلم منه !
4 – وذكر الخوارزمي في المناقب ( وبهذا الإسناد عن أبي سعيد السمان هذا، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن هارون القاضي الضبي – املاء لفظا – أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن اسحاق – سنة ثلاثين وثلثمائة – أن علي بن محمد النخعي حدثه، قال حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي، حدثني نصر بن مزاحم بن نصر المنقري، حدثني إبراهيم بن الزبرقان التيمي، حدثني أبو خالد، حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: لما كان في ولاية عمر، اتي بامرأة حامل، فسألها عمر، فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر [ ان ] ترجم ، فلقيها علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما بال هذه ؟ فقالوا: أمر بها أمير المؤمنين أن ترجم، فردها علي عليه السلام، فقال: أمرت بها أن ترجم ؟ فقال: نعم اعترفت عندي بالفجور، فقال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها ؟ قال علي عليه السلام: فلعلك أنتهرتها أو أخفتها ؟ فقال: قد كان ذلك قال أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أو حبست أو تهددت، فلا إقرار له، فخلى عمر سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر ) المناقب ص 80.
وهذه الحادثة جاءت بأكثر من لفظ ولعلها متكررة وعلى أي حال فهي تدل على افتقار عمر بن الخطاب للأعلمية.
5 – وفي صحيح البخاري: ( حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني عطاء عن عبيد بن عمير قال استأذن أبو موسى على عمر فكأنه وجده مشغولا فرجع فقال عمر الم اسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فدعي له فقال ما حملك على ما صنعت فقال انا كنا نؤمر بهذا قال فأتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا لا يشهد إلا أصاغرنا فقام أبو سعيد الخدري فقال قد كنا نؤمر بهذا فقال عمر خفي علي هذا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق بالأسواق ) صحيح البخارى ج 8 ص 157.
والذي يهمنا من هذا الخبر هو اعتراف عمر بجهله وانه أفنى عمره في الصفق بالأسواق وترك الانشغال بسماع أحاديث الرسول محمد (ص)، وهذا اعتراف عمر نفسه.

6 – وذكر البيهقي في السنن الكبرى : (وأخبرنا ) أبو حازم الحافظ أنبأ أبو الحسن محمد بن أحمد بن مزة الهروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم ثنا مجالد عن الشعبي قال خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك ؟ قال بل كتاب الله تعالى فما ذاك ؟ قالت نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) فقال عمر رضي الله عنه كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا ثم رجع إلى المنبر فقال للناس إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ( وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال: لا تغالوا في مهر النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله تعالى يقول: ( وآتيتم إحداهن قنطارا ) كما في قراءة ابن مسعود ، فقال عمر: امرأة خاصمت عمر فخصمته. وأخرجه الزبير بن بكار بلفظ: امرأة أصابت ورجل أخطأ. وأخرجه أبو يعلى مطولا ) نيل الأوطار للشوكاني ج 6 ص 314.
وذكر السرخسي في المبسوط: ( … ولما قال عمر رضي الله عنه في خطبته ألا لا تغالوا في أصدقة النساء فقالت امرأة سفعاء الخدين أنت تقوله برأيك أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانا نجد في كتاب الله تعالى بخلاف ما تقول قال الله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فبقي عمر رضي الله عنه باهتا وقال كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت ) المبسوط ج 10 ص 152 – 153.
وقد ورد مضمون هذه القصة في مصادر عديدة من كتب أبناء العامة وبطرق عدة، من تلك المصادر: فتح الباري لابن حجر ج 9 ص 175 / السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 233 / المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 6 ص 180 / كنز العمال للمتقي الهندي ج 16 ص 538 / تفسير القرطبي للقرطبي ج 1 ص 286 – 287 / تفسير ابن كثير لابن كثير ج 1 ص 478 / نيل الأوطار للشوكاني ج 6 ص 314 /  فقه السنة للشيخ سيد سابق ج 2 ص 158 / المبسوط ج 10 ص 152 – 153 / المجموع للنووي ج16 ص326  – 327 / مجمع الزوائد للهيثمي ج4 ص283 – 284 / كشف الخفاء للعجلوني ج1 ص269 – 270 / تفسير الرازي ج10 ص13، وغيرها من المصادر.
والخبر صريح بأن حتى النساء اعلم من عمر، وهذا أيضاً باعتراف عمر نفسه، وهذا يدل على أن عمر بن الخطاب يفتقر إلى العلمية فضلاً عن الأعلمية كما تقدم الإشارة إلى ذلك.
7 – وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد: ( وعن رفاعة بن رافع وكان عقبياً بدرياً قال كنت عند عمر رحمة الله عليه فقيل له إن زيد بن ثابت رحمه الله يفتي الناس في المسجد برأيه في الذي يجامع ولا ينزل قال أعجل علي به فأتى به فقال يا عدو نفسه أو لقد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيك قال ما فعلت ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أي عمومتك قال أبي بن كعب وأبو أيوب ورفاعة بن رافع فالتفت عمر رحمه الله إلي فقال ما يقول هذا الغلام فقلت كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سألتم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنا نفعله على عهده قال فجمع الناس واتفق الناس على أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل فقالا إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل قال فقال علي يا أمير المؤمنين إن أعلم الناس بهذا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حفصة رحمها الله فقالت لا علم لي فأرسل إلى عائشة رحمها الله قالت إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل قال فتحطم عمر رضي الله عنه يعني تغيظ ثم قال لا يبلغني أن أحدا فعله إلا أنهكته عقوبة ) مجمع الزوائد ج 1 ص 266.
وهذا الخبر يبين أن عمر بن الخطاب كان يجهل ابسط الأمور والأنكى من ذلك انه يجهل أموراً ابتلائية يجب على كل مسلم معرفتها، فكيف بمن يرتقي مقام رسول الله (ص) ويكون خليفة له ؟!!!
8 – عن كتاب المجتبى لابن دريد ص 35: ( عن أنس بن مالك قال: أقبل يهودي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فأشار القوم إلى أبي بكر فوقف عليه فقال: أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي قال أبو بكر: سل عما بدا لك. قال اليهودي: أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله. فقال أبو بكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهودي ! وهم أبو بكر والمسلمون رضي الله عنهم باليهودي، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما أنصفتهم الرجل. فقال أبو بكر: أما سمعت ما تكلم به ؟ فقال ابن عباس إن كان عندكم جوابه وإلا فاذهبوا به إلى علي رضي الله عنه يجيبه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، قال: فقام أبو بكر ومن حضره حتى أتوا علي بن أبي طالب فاستأذنوا عليه فقال أبو بكر: يا أبا الحسن ! إن هذا اليهودي سألني مسائل الزنادقة. فقال علي: من تقول يا يهودي ؟ قال: أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي. فقال له: قل. فرد اليهودي المسائل: فقال علي رضي الله عنه: أما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود ! إن العزيز ابن الله، والله لا يعلم أن له ولدا. وأما قولك: أخبرني بما ليس عند الله. فليس عنده ظلم للعباد، وأما قولك: أخبرني بما ليس لله فليس له شريك. فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبو بكر والمسلمون لعلي عليه السلام: يا مفرج الكرب ).
والقصص والأخبار كثيرة في هذا الموضوع وفيما تقدم كفاية وهو يدل على ان أبا بكر وعمر ليسا من أهل العلم فضلاً عن الأعلمية وبذلك لا يتوفر فيهم الشرط المهم في قانون معرفة الحجة وهو ( الأعلمية ) والتي ثبت بالدليل الشرعي والعقلي وجوب توفرها في من ينصب نفسه حجة على الناس.
فكيف يعقل أن تكون النساء وعامة الناس اعلم من خليفة رسول الله (ص) وما الحكمة من اختيار الجاهل لإمامة الأمة وترك العالم أو الأعلم ؟!!!

( يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى