زاوية الأبحاث

قانون معرفة الحجة ( الحلقة الثانية )

علي ابن أبي طالب خير البشر فمن أبى فقد كفر

بسم الله الرحمن الرحيم
قانون معرفة الحجة ( الحلقة الثانية )
في الحلقة السابقة تناولت الدليل العقلي على قانون معرفة الحجة ( التنصيب + الأعلمية + الأمر بالطاعة ) والآن أشرع بالدليل الشرعي على هذه الأمور الثلاثة، مبتدئاً بالدليل الشرعي على ضرورة التنصيب، والبقية تأتي في الحلقات القادمة إنشاء الله تعالى، فأقول:
الدليل الشرعي:
بعد أن ثبت بالدليل العقلي ضرورة أن يكون الخليفة منصوصاً عليه وأعلم الأمة بعد الرسول محمد (ص) ولابد أن يكون منصوصاً على وجوب طاعته والانصياع لأمره.
نأتي الآن إلى إثبات هذه الأمور الثلاثة عن طريق القرآن والسنة المعترف بها من الفريقين: السنة والشيعة، وان كنت سآتي من السنة ما موجود في كتب أبناء العامة، وكما يأتي:

أولاً: التنصيب:
نطق القرآن الكريم والسنة الطاهرة بأن الله تعالى لا يترك الخلق من دون أن ينصب عليهم حجة يكون واسطة بين الله تعالى وبين الخلق، وأن تنصيب الحجج بيد الله تعالى لا يمكن أن يكلها إلى أحد من خلقه إلا على نحو الواسطة، كتعيين الأنبياء (ع) لأوصيائهم عن طريق الله تعالى، وذلك لأن الله تعالى هو خالق الخلق وهو أعرف بالمحسن والمسيء منهم وهو المطلع على ظاهرهم وباطنهم وما تكنه ضمائرهم، ولا يعلم كل ذلك إلا الله تعالى، فلذلك انحصر تنصيب الحجج واختيارهم بالله تعالى، لأن الخلق من الممكن أن يظنوا بفلان هو الأصلح ثم يتبين أنه الأفسد لعدم اطلاعهم على حقائق الخلق وبواطنهم.
بل حصل ذلك حتى من الأنبياء (ع)، أي أنهم ظنوا ببعض الخلق الصلاح ثم تبين أنهم فاسدون، كما في قصة نبي الله تعالى موسى مع الخضر، وقصته (ع) مع الرجال الذين اختارهم من قومه وهو يظن أنهم الأصلح ثم تبين أنهم الأفسد، حيث سألوا رؤية الله جهرة فأخذهم الله تعالى بالصاعقة.
واليكم الأدلة الشرعية التي تدل على أن الله تعالى لابد أن ينصب على خلقه حجة يرشدهم لما فيه صلاحهم دنيا وآخرة، ولا يتركهم أن يختاروا الحجة بعقولهم وآرائهم:
أ‌- القرآن الكريم:
– قوله سبحانه وتعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) .
وقد بيّن الله تعالى في هذه الآيات سنته في خلقه وقواعد الخلافة في الأرض، وبيّن صفات الخليفة والحجة على الخلق،وهي كما يأتي:
= لابد أن يكون الخليفة مجعولاً ومنصباً من الله تعالى ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )، والحكمة من اختيار آدم (ع) للخلافة خفيت حتى على الملائكة على الرغم من عصمتهم، إذ قالوا: ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )، فإذا كان الملائكة غير قادرين على تمييز ومعرفة الخليفة، فمن دونهم يكون بالعجز أولى وأحق.
= الصفة الأخرى للخليفة أن يكون أعلم الخلق، وهذه هي الصفة التي يتميز بها عن غيره من المحجوجين به من الخلق، لقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) فقد احتج الله تعالى على الملائكة وأثبت لهم أن آدم (ع) أحق منهم بالخلافة بالعلم، بل وأعلم منهم حتى بأسمائهم (فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ).
= الصفة الثالثة التي نص الله تعالى عليها في هذه الآيات المباركة والتي يجب أن يتصف بها الخليفة، هي النص والتأكيد على وجوب طاعة الخليفة المنصب، بدليل قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) والسجود هنا بمعنى الطاعة والتكريم لا بمعنى العبادة.
وكما قلت هذه الآيات تبين لنا سنة الله تعالى في اختيار الخليفة منذ بداية البشرية، وسنة الله تعالى باقية ثابتة لا تبديل لها، قال تعالى: ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) الفتح23، وقال تعالى: ( سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ) الإسراء77.

وللكلام بقية حول هذه الآيات، وما يهمنا التركيز عليه في هذه النقطة هو ضرورة تنصيب الخليفة.
– قوله سبحانه وتعالى: ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) الحج75.
وهنا يبين لنا الله تعالى أن اصطفاء الرسل بيده وحده لا شريك له، لأنه السميع البصير بعباده، سواء كان الرسل من الناس أو من الملائكة.
– ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص68.
أي أن الله تعالى كما أنه لا شريك له في الخلق، كذلك لا شريك له في اختيار الخلفاء والحجج على الناس، بل إن الله تعالى ينزه نفسه عن قول الذين أشركوا معه غيره في الخلق والاختيار ( سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )، وهذا يدل على عدم جواز اختيار الحجة سواء كان نبياً أو وصياً إلا من قبل الله تعالى.
– قوله سبحانه وتعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران26.
والملك هو خلافة الله جل جلاله فهي ملك الله تعالى ( مالك الملك )، يعطيها لمن يشاء من عباده الذين اصطفى، الذين وفوا بما عاهدوا الله عليه، وعلم الله تعالى منهم ذلك ( تؤتي الملك من تشاء )،وينزعها – الخلافة – ممن يشاء، من الذين تنجست قلوبهم بظلم أو شرك أو معصية، قال تعالى: ( لا ينال عهدي الظالمين )، فالملك هو الحكم وهو بيد الله تعالى يعطيه لمن يشاء من عباده، وأما الذين أخذوا الملك عن طريق غير الله تعالى فهم سارقون غاصبون، كمن يغصب الثوب من صاحبه، فالثوب ليس للغاصب بل للمالك الشرعي. فلا شريك في الملك مع الله تعالى، قال تعالى: ( أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً ) النساء53.وهناك آيات أخرى تنص على جعل الخليفة واختياره بيد الله تعالى لا شريك معه في ذلك، فلا تغفل عن التدبر بها:
قال تعالى: ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ )ص26.
وقال تعالى: ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة247.
وقال تعالى: ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } البقرة 251.
وقال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) البقرة258.
وقال تعالى: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يوسف101.
وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) القصص59.
وقال تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) النحل36.
وقال تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة124.
ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الله تعالى قد قرن العلم مع التنصيب والخلافة في أغلب الآيات السابقة، فمثلاً النبي قال عنه الله تعالى: ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) جعلناك خليفة … فاحكم، أي أن الله تعالى مكنه من الحكم لما آتاه من العلم والحكمة.
وقال تعالى عن طالوت (ع): ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ), اصطفاه أي اختاره ونصبه، وزاده بسطة في العلم … والله يؤتي ملكه لمن يشاء هو، لا إلى من يشاء الناس.
وقال تعالى عن محاججة نبيه إبراهيم (ع) مع النمرود: (أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)، أن آتاه الملك أي لإبراهيم (ع) …. فبهت الذي كفر، أي إن إبراهيم (ع) انتصر علمياً على النمرود وأفحمه، قال تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) الأنعام83. وقال تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ) الأنبياء51. وقال تعالى: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) النساء54. نعم الملك العظيم – الخلافة – والكتاب والحكمة – العلم – لا يفترقان أبداً، لأن الخليفة لا يكون هادياً إلا إذا كان أعلم الأمة، قال تعالى:  ( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) يونس35.
وقال تعالى في سورة يوسف (ع): ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ … )، ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ )، ( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ).
فانظر هداك الله تعالى إلى ملازمة الملك والتمكين والاجتباء للعلم:
( يجتبيك ربك ويعلمك )، ( آتيتني من الملك وعلمتني )، ( مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه ).
والى هنا أكتفي من الاستدلال على ضرورة التنصيب من خلال القرآن الكريم، ولنعرج الآن على ما ورد في السنة من الأدلة بهذا الصدد.

السنة:
بعد أن ثبت عن طريق العقل والقرآن الكريم بأن الخلافة في الأرض لا تكون إلا بتنصيب من الله تعالى، وأن الأرض لا تخلو من حجة لله يقيم اعوجاج الناس ويأخذ بأيديهم إلى الصراط المستقيم، نأتي الآن إلى ذكر بعض ما ورد عن طرق أبناء العامة من الأحاديث النبوية أو أخبار بعض الصحابة والتابعين، التي تؤكد على ذلك:
عن نافع عن عبد الله بن عمر قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) المحلى لابن حزم ج 1 ص 46.
وعن نافع قال: قال لي عمر : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) المحلى لابن حزم ج 9 ص 359.
وعن أبي هريرة: ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 6 ص 52.
فهذه الأحاديث تثبت بأن الناس لا يسعهم أن يكونوا بلا إمام، وأن من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، وأن طاعة الإمام هي طاعة الرسول محمد (ص) وطاعة الرسول محمد (ص) هي طاعة الله عز وجل، وميتة الجاهلية هي ميتة الكفر والشرك، فمن ليس له إمام فلا يموت إلا كافراً أو مشركاً ( أعاذنا الله من ذلك ).
وهذا الإمام الذي لابد من معرفته وطاعته، وأن من عصاه فقد عصى الله تعالى ومن أطاعه فقد أطاع الله تعالى، لابد أن يكون منصباً من الله تعالى بنص واضح وجلي، لأن الله تعالى وحده المطلع على حقائق خلقه وهو الذي يميّز الأصلح لقيادتهم، ولا يمكن ولا يجوز أن يكون ذلك الإمام من اختيار نفسه أو من اختيار الناس، وقد سبق تفصيل ذلك بالدليل العقلي والقرآني، وقد ثبت أن عدم التنصيب والنص من الله تعالى يفتح الباب للاختلاف والتنازع، وكل يدعي الإمامة لنفسه ويتأول لإمامته أدلة كاذبة، وثبت أيضاً أن هكذا فعل يجانب الحكمة إلى السفه، ومن المعلوم ضرورة تنزيه الله تعالى ورسوله من السفه، إذن فلابد أن ينص الله تعالى ورسوله على أسماء أئمة المسلمين بأسمائهم وصفاتهم التي لا يشاركهم بها غيرهم، ولا أظن أن أحداً يقول: بأن تنصيب وتعيين الخليفة والإمام يعتبر من السفه، وأن الحكمة في عدم التعيين والنص!!!
وهاك بعض الأحاديث التي تثبت بأن ولاة الأمر والأئمة على المسلمين منصبين ومعينين من الله تعالى:
عن أبي هريرة: ( آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وتسمعوا وتطيعوا لمن ولاه الله أمركم وأنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) كنز العمال المتقي الهندي ج 1 ص 100.
وعن عمر بن مالك الأنصاري: ( آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث آمركم أن لا تشركوا بالله شيئاً وأن تعتصموا بالطاعة جميعاً حتى يأتيكم أمر من الله وانتم على ذلك وأن تناصحوا ولاة الأمر من الذين يأمرونكم بأمر الله وأنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 1 ص 205.
وعن سعد بن عبادة: ( من فارق الجماعة فهو في النار على وجهه لان الله تعالى يقول: ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ) فالخلافة من الله فان كان خيراً فهو يذهب به وإن كان شراً فهو يؤخذ به عليك أنت بالطاعة فيما أمرك الله تعالى ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 1 ص 208.
وعن أبي بكرة: ( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله ومن أكرم سلطان الله في الأرض أكرمه الله عز وجل ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 1 ص 215.
وعن ابن عباس: ( من مشى إلى سلطان الله ليذله أذله الله يوم القيامة مع ما ذخر له من العذاب ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 1 ص 215.
عن أبي هريرة: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم فان الله سائلهم عما استرعاهم ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 6 ص 51.
( يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله ) كنز العمال للمتقي الهندي ج 6 ص 53.
فانظر هداك الله تعالى إلى ما ورد في الحديث الأول: ( لمن ولاه الله أمركم ) فهو نص في أن الولاية من الله تعالى لا من الناس، فلا طاعة لمن لم يوَّله الله تعالى رعاية العباد والبلاد.
وفي الحديث الثاني: ( ولاة الأمر من الذين يأمرونكم بأمر الله ) فهو أيضاً واضح الدلالة على أن ولاة الأمر هم الذين يأمرون بما أمرهم الله تعالى به، أي نحن نطيعهم لأن الله أمرهم بتولي أمورنا وأمرنا بطاعتهم، حيث قال جل جلاله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ … ) النساء-59.
فلا يمكن أن يأمرنا الله تعالى بطاعة أولي الأمر ولا يعَّينهم لنا، بحيث تبقى المصاديق مجهولة فتنطبق حتى على يزيد والمأمون والأمين !!! ولذلك قال الرسول محمد (ص) لبريدة: ( يا بريدة إن علياً وليكم بعدي فأحب علياً فإنه يفعل ما يؤمر ) كنز العمال ج11 ص612.
وفي الحديث الثالث: ( فالخلافة من الله ) وهو واضح في بيان أن الله تعالى هو واهب الخلافة لمن يشاء، ولا يمكن لأحد أن ينصب خليفة لله بمحض إرادته.
وفي الحديث الرابع: ( من أهان سلطان الله في الأرض ….. أكرم سلطان الله في الأرض )، وسلطان الله تعالى هو من نصبه بنفسه ليكون خليفته في أرضه، ولا يمكن للناس أن تنصب سلطاناً لله تعالى باختيارهم وبمحض إرادتهم، من دون إذن الله تعالى بذلك وتعيين السلطان باسمه وصفته، فأنت لا تقبل أن يدعي أحد النيابة عنك في أدارة أعمالك إذا لم يكن مأذوناً منك، وكذلك لا يمكن أن تعطي إذناً عاماً للجميع في ممارسة إدارة أعمالك، لأن ذلك ينتج التعارض والاختلاف والفوضى، مما يسبب فساد العمل، وبذلك تكون قد جانبت الحكمة إلى السفه، فإذا كنا لا نجوّز لأنفسنا ذلك، فكيف نجوِّزه على الله تعالى وهو أحكم الحاكمين وأبصر الناظرين!!!
وفي الحديث السادس: ( حقهم الذي جعل الله لهم )، أي إن الذي يجعل الحق لولاة الأمر هو الله تعالى فحسب، فلا طاعة ولا تسليم ولا نصرة لمن لم يجعل الله له ذلك.
وفي الحديث السابع: ( اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي )، وهو يدل على أن التأمير بيد الله تعالى، يخصه فيمن شاء من خلقه، قال تعالى: ( الله أعلم حيث يجعل رسالته )، لا الناس التي تعلم موضع الرسالة وأهلها، فالأمير الذي يجب على الأمة طاعته هو من أمَّره الله تعالى، لا من أمَّره الناس، وكيف يجعل الله تعالى الاختيار بيد الناس وقد وصفهم في محكم كتابه العزيز بأن أكثرهم للحق كارهون وأكثرهم مضلين ومفسدين؟!! حيث قال الله تعالى:
( لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) الفجر78.
( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) الطور106.
( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) الفجر116.
( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) الطور36.
( وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) الطور102.
( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) الطور70.
( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) الطور44.
( يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) الطور223.
( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) الفجر36.
( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) الفجر70.
( إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) الفجر59.
فكيف يجعل الله تعالى تنصيب الخليفة موكولاً إلى الناس ( شورى ) من غلب على شيء فعله، وهل هناك من حكيم عليم يوكل الاختيار إلى من هو أجهل منه؟!! لماذا ؟ هل الجاهل أدق في التشخيص والتعيين من العالم ؟!! هل عجز الله تعالى عن اختيار الخليفة فأوكله إلى خلقه الذين وصفهم بأن أكثرهم للحق كارهون وأكثرهم لا يعلمون ولا يفقهون ولا يشكرون , .. و … و… ؟!!!
ثم هاك أيضاً روايات أو أخبار أخرى ناطقة بأن الملك والسلطان بيد الله يضعه حيث شاء هو سبحانه لا حيث تشاء الناس:
عن وهب بن منبه : ( “والله يؤتي ملكه من يشاء” الملك بيد الله يضعه حيث يشاء ، ليس لكم أن تختاروا فيه ) جامع البيان لابن جرير الطبري ج 2 ص 820.
وقال ابن جريج ، قال مجاهد : ( ملكه : سلطانه ) جامع البيان لابن جرير الطبري ج 2 ص 820.
وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( والله يؤتي ملكه من يشاء: سلطانه ) جامع البيان لابن جرير الطبري ج 2 ص 820.
وعن ابن عباس : ( سأل إبراهيم عليه السلام أن يجعل من ذريته إمام ، فأعلمه الله أن في ذريته من يعصي فقال : ” لا ينال عهدي الظالمين” ) تفسير القرطبي ج 2  ص 107.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في ( قوله لا ينال عهدي الظالمين ) قال: ( لا اجعل إماماً ظالماً يقتدى به ) تفسير القرطبي ج 2  ص 107.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس في الآية قال: ( يخبره انه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئاً من أمره) تفسير القرطبي ج 2  ص 107.
وعن ابن عباس: ( ” قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ” يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي أن يوليه شيئاً من أمره وإن كان من ذرية خليله ومحسن ستنفذ فيه دعوته وتبلغ له فيه ما أراد من مسألته ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 172.
فإن الله تعالى هو الذي جعل ونصب إبراهيم إماماً ( إني جاعلك للناس إماماً )، وذلك بعد امتحان وبلاء، ومن سعادته بهذه المنزلة تمناها لذريته، فاستفهم من الله، قائلاً: ( ومن ذريتي )، أي هل تجعل من ذريتي أئمة كما جعلتني؟ فأجابه الله تعالى: ( لا ينال عهدي الظالمين )، أي إني لا أجعل للظالمين من ذريتك عهد الإمامة.
فإبراهيم (ع) رغم نبوته وعصمته وكمال عقله وعصمته، لم يكل الله تعالى إليه جعل وتنصيب الإمامة، بل سأل الله تعالى مستفهماً هل سيجعلها في ذريته؟ فالاختيار والجعل والتنصيب كله بيد الله سبحانه لا يشركه أحد، سواء كان تنصيب إبراهيم (ع) أو المحسنين من ذريته.
وهذا دليل قاطع على أن الإمامة منحصرة في ذرية نبي الله إبراهيم (ع)، وأنها لا تعطى لظالم أو مسيء، وأنها جعل من الله تعالى، كما جعلها لنبيه إبراهيم (ع)، يجعلها في المعصومين من ذريته (ع) لا أن يكلها إلى اختيار الناس، التي لم تجتمع على حق قط من نبي الله آدم والى يومنا هذا.
والى هنا اكتفي بهذا المقدار حول ( التنصيب ) وقد ثبت بما لا يقبل الشك عن طريق القرآن والسنة والعقل بأن تنصيب الإمام والخليفة بيد الله تعالى وحده، بل إن إيكال هذا الأمر العظيم إلى اختيار الناس يعتبر سفهاً لا حكمة وحاشا الله تعالى ورسوله من السفه، وأخيراً أختم هذا الموضوع بقول الرسول محمد (ص): ( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ) تفسير القرطبي ج 1 ص 358.
( يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى