زاوية الأبحاث

الأوصياء بعد المهدي

يرغب الناس دائما بالخوض في المواضيع التي تلامس واقعهم المعاش وتعالج مشكلاتهم الحياتية اليومية وحتى مسألة ظهور  الإمام المهدي فإنهم ينظرون إليه كقائد يأتي لتخليص المظلومين من ظلم الظالمين حيث ينشر العدل ويعم الرخاء والرفاهية ولكون موضوع الامام (ع) هو الغيب فأن قلة من الناس تتناوله وان تناولته فباقتضاب شديد  اما اذا ذهبنا إلى ابعد من ذلك وطرحت قضية أو مسألة مرحلة ما بعد المهدي
فأ ن الامور تزداد تعقيدا مما يجعل أحتمال ركنها على الرف واردا وأذا ما تجرأ أحد وتناولها فأن العديد من المطبات تظهر أمامه يقع في مقدمتها عدم الفهم لروايات أهل البيت (ع) وذلك لملحوظة بسيطة وهي أن رواياتهم (ع) تعتمد على الرمز والايحاء في الاعم الاغلب بل إن الروايات الخاصة بالسيرة المهدوية تحمل هذه الصفة خاصة . ولا يخرج الباحث من هذا المأزق إلا وقد قد قميصه من دبر فهو صادق ولكنه لا يعرف الحقيقة من كافة وجوهها وغالبا ما يقع في مالا  تحمد عقباه إذ كلما أوغل في بحثه تزداد الامور ضبابية حتى لايكاد يميز الغث من السمين ويختلط عنده الحق والباطل .  وهذا الامر يبدو واضحا في المؤلفات التي  تناولت هذا الموضوع مثل كتاب الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة لمحمد بن الحسن  الحر العاملي خاصة عندما تناول المؤلف مرحلة مابعد المهدي (ع) حيث حصرها بالرجعة على الرغم من إن الرجعة تبدأ بعد حكم المهدي (ع) وحكم اثنى عشر مهديا من بعده وكما ورد عنهم (ع)في رواياتهم التي وصلت حد التواتر  والغريب في الامر إن الحر العاملي قد ذكر العديد من هذه الروايات في مؤلفه حيث روى عن الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة في جملة الاحاديث التي رواها من طرق العامة في النص على الائمة قال : أخبرنا جماعة عن أبي عبدالله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري عن علي بن سنان الموصلي العدل عن علي بن الحسين عن أحمد بن محمد الخليل عن جعفر بن أحمد البصري عن عمه الحسن بن علي عن أبيه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع)  عن أبيه عن ابائه عن رسول الله (ص) إنه قال في الليلة التي فيها وفاته (( ياأبا الحسن إحضر دواة وصحيفة فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى أنتهى إلى هذا الموضع فقال : يا أبا الحسن أنه يكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا فأنت ياعلي أول الاثني عشر إماما وذكر النص ( عليهم بأسمائهم إلى أن إنتهى إلى الحسن 
العسكري (ع) فقال : فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من ال محمد(ع)فذلك إثنا عشر إماما ثم يكون من بعده إثنا عشر مهديا فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى إبنه أول المقربين له ثلاث أسامي أسم كأسمي وأسم أبي وهو عبدالله وأحمد والثالث المهدي هو أول المؤمنين )غيبة الطوسي 150 | ح111 ، عنه مختصر البصائر :39 ،والرجعة :189 ح | 108 ، والبحار |36 ،260 ، ح81 ، وج|53 ،147 ،ح 6 مختصرا ،وإثباة الهداة 1|549 ،ح 376 ، وعوالم العوالم :15 |3 -236 ،ح227 ،وغاية المرام : 56 ،ح 58 ، وص 189 ،ح 106 والايقاظ من الهجعة : ص 422 .
وروي عن الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة  في اخره عن محمد بن عبدالله الحميري عن أبيه عن محمد بن عبد الحميد  ومحمد بن عيسى عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل قال :-  ( يا أبا حمزة إن منا بعد القائم إثني عشر مهديا من ولد الحسين (ع)… ) غيبة الطوسي :478 ،ح 504 ،عنه مختصر البصائر : 38 ، والرجعة : 192 ،ح 110 ، والبحار : 53 | 145 ،ح 2  . 
وروى الشيخ أيضا في ( المصباح الكبير ) حيث أورد دعاء ذكر أنه مروي عن صاحب الزمان خرج إلى أبي الحسن الضراب الاصفهاني في مكة بإسناد لم نذكره إختصارا ،ثم 
أورد الدعاء بطوله إلى أن قال : (( اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضى والحسين المصفى وجميع الاوصياء ، مصابيح الدجى … إلى أن قال : وصل على وليك وولاة أمرك والائمة من ولده ومد في أعمارهم وزد في اجالهم ؤبلغهم أقصى اَمالهم دينا ودنيا واخرة … )) مصباح المتهجد : 286 
وروى في المصباح بعده في غير فصل مرويا عن الرضا (ع) فقال : روي عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (ع) أنه كان يأمر لصاحب الامر( ع)  بهذا الدعاء :- ((اللهم أدفع عن وليك وخليفتك إلى أن قال وصل على ولاة عهدة ولائمة من بعده،وزد في اجالهم وبلغهم امالهم …)) مصباح المتهجد ،49 ، مختصر البصائر : 192 ، الرجعة : 135 ،ح 79 ،
ويعلق الحر العاملي على هذا الدعاء بقوله : الدعاء وهو يشتمل على أوصاف والقاب لاتكاد تستعمل إلا في غير المهدي ،( الايقاظ من الهجعة ص423 ) وفي باب اتصال الوصية من لدن ادم (ع)من كتاب (كمال الدين ) لابن بابويه عن ابي عبدالله الصادق (ع)قال  : (( مازلت الارض إلا ولله تعالى فيها حجة يعرف الحلال من الحرام ويدعو إلى سبيل الله ولا تنقطع الحجة من الارض إلا أربعين يوما قبل القيامة … )) كمال الدين : 1|229 ، ح24 ، عنه البحار :6 | 18 ، ح 1 ، المحاسن : 1|236 ،ح 3 -2 ، الايقاظ من الهجعة : 424  
وينقل الحر العاملي قول الطبرسي في كتاب ((أعلام الورى ))في أخر الباب الرابع  قد جاءت الرواية الصحيحة ( إ نه ليس بعد دولة المهدي (ع) دولة إلا ما ورد من قيام ولده مقامه إلا ما شاء الله …) أعلام الورى :166 ، عنه البحار :53 | 145 ، ح 4 ،الايقاظ من الهجعة : 425 .
بعد ذلك يعطي العاملي وجوها عديدة لمرحلة مابعد الامام المهدي (ع)  إذ يقول : -أما حديث وفاة المهدي (ع) قبل القيامة بأربعين يوما فتدور من طرق متعددة لاتحضرني الان ،والاحاديث في إن الارض لاتخلو من حجة كثيرة والادلة العقلية على ذلك قائمة وأحاديث حصر الائمة في الاثني عشر كثيرة جدا ويحتمل هنا وجوه … , وقد ذكر عدة وجوه وهي تتلخص في موت الامام ،ورفع التكليف عن الناس ، أو فقدانهم عقولهم فيسقط التكليف ،وقد ذكر وجوها اخرى نعرض عن ذكرها لغرابتها وبعدها عما ورد في رواياتهم (ع) عن أحداث مرحلة ما بعد المهدي (ع)وهذا ليس تقصيرا من الحر العاملي بل قصورا لغموض المرحلة التي يخوض فيها  وهي مرحلة الرجعة وعدم التفاتته إلى المرحلة التي تسبقها وهي مرحلة الاوصياء من بعد المهدي (ع) بالرغم من أنه قام بنقل العديد من الروايات عنهم (ع) فقد نقل عن السيد المرتضى ( إنه جوز الاقرار بإمامة إثني عشر مهدي بعد الائمة الاثني عشر على وجه الامكان والاحتمال وقال :- لايقطع بزوال التكتيف عند موت المهدي (ع)بل يجوز أن يبقى بعده إئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ، ولايخرجنا ذلك عن التسميه بالاثني عشرية لاننا كلفنا أن نعلم إمامتهم وقد بينا ذلك بيانا شافيا فأنفردنا بذلك عن غيرنا ) الايقاظ من الهجعة / ص428 
(1) وبعد ذلك نجد إن العاملي يقع في إشكال اخرلتبرير تضعيفه لروايات الاؤصياء بعد المهدي(ع) وتقوية ترجيحه لروايات الرجعة بقوله : (( وأما أحاديث ألاثني عشر بعد ألاثني عشر فلا يخفى إنها غير موجبة للقطع واليقين لندورها وقلتها وكثرة معارضتها . .قد تواترت الأحاديث بان الأئمة أثني عشر وأن دولتهم ممتدة إلى يوم القيامة ، و مع إقرار  العاملي بوصية رسول الله (ص) التي نصت على وجود إثنا عشر مهديا بعد الامام المهدي (ع) ولكنه يلغي هذه المرحلة بكاملها ويعطيها أحتمالات وحسب رأيه فهو يرى المهديين أنهم في زمن المهدي  ويجوز أن يكونوا نوابا له كل واحد ناب جهه أو في مدة –لاحظ ص429 من كتابه الايقاظ من الهجعة – ،ثم يذكر في نفس الصفحة إنهم قد يكونون سفراء ة ووكلائه وهذا الرأي يجانب الصواب لانه يتعارض مع روايات أهل بيت النبوة (ع) والتي أجمعت على أن الرجعة لاتكون بعد وفاة الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع) أو أستشهاده لان من بعده (ع) تكون دولة ابنائه المهديين (ع)والتي يحكم فيها إثنا عشر خليفة والتي اشار اليها الرسول الاكرم  واهل بيته الاطهار (ع) إذأختار الله تعالى للخلق هؤلاء القادة والذرية الطاهرة بعدد طبيعي يكفي لتكوين حضارة وأمة متقدمة لاثني عشر جيلا  وبعد وفاة المهدي الثاني عشر (ع)والذي لاعقب له تبدأ مرحلة الرجعة لمن محض  الايمان محضا ومحض الكفر محضا وبعبارة اخرى تكون رجعة الائمه بعد ,وفاة المهدي الثاني عشر ، وهو (ع) الذي لا صلب له ولا ذرية ، وعليه يخرج الإمام الحسين بن علي (ع) في الرجعة حيث ، روى الشيخ الفضل بن شعبان النيسابوري في غيبته قال دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا {ع} فقال له : 
( أنت إمام ؟ قال نعم . فقال له أني سمعت جدك جعفر بن محمد {ع} يقول لا يكون الإمام إلا وله عقب فقال أنسيت يا شيخ أو تناسيت ؟ ! ليس هكذا قال جعفر {ع} إنما قال جعفر {ع} لا يكون الإمام إلا وله عقب ، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي {ع} فانه لا عقب له . فقال له صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول ) 
وهذا الإمام هو غير الإمام المهدي قطعاً فقد ثبت عند من طالع حديث أهل البيت (ع) وجود الذرية للإمام المهدي وهذا الموضوع من الاهمية بمكان لانه يتعلق بمعرفة إمام الزمان وأن عدم معرفته تعني الموت على الجاهلية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى