أخبار سياسية منوعة

معركة كسب ولاء العشائر بين حزبي المالكي والحكيم

بعد أن وطئت القدم الأمريكية أرض الرافدين ، تسللت الكثير من الأقدام الباحثة عن مواطئ لها في الأرض المستباحة ، وفي هذا الوقت المبكر كان المتسللون من ذوي الإتصال المسبق بدوائر الدول الغازية يعرفون جيداً طبيعة اللعبة التي يُخطط لها في العراق ، وكان جلياً أن هؤلاء المتسللين لا يفكرون أبداً في مشروع آخر غير مشروع المحتل نفسه ، فلم يكن يدور بخلدهم التأسيس لمشروع مقاوم يستهدف تحرير الأرض من دنس الإحتلال ، بل كان كل همهم التفكير في كيفية تحقيق مطامحهم الشخصية في إطار اللعبة السياسية التي ينوي المحتل إرساءها أو قل استزراع نبتتها الغريبة في أرض الرافدين .

في هذا الصدد كانت قراءة الواقع العراقي ترشح قوتين إثنتين تملكان أكبر التأثير في توجيه الرأي العراقي العام هما فضلاً على المرجعية الدينية في النجف الأشرف رؤساء العشائر الذين ينشط دورهم دائماً في فترات ضعف الدولة ، أو ضعف الشعور بالإنتماء لها لأسباب متعددة لست بصدد الخوض فيها .

وقد كان حزب الحكيم سبّاقاً في التوجه نحو العشائر الشيعية في الجنوب والوسط بهدف كسب ودهم ، وضمهم تحت خيمته ، فباشر بإنشاء مجالس للعشائر في مختلف محافظات الوسط والجنوب مستغلاً اسم المرجعية النجفية ، وكانت وفود العشائر تتقاطر على مكتب السيد محمد باقر الحكيم ، وبموازاة اسم المرجعية ، استثمر الحزب إمكاناته المالية الكبيرة في شراء ولاء رؤساء العشائر ، فقد أغدق الكثير من الأموال على هؤلاء الرؤساء ، وكان ناشطوه يستغلون النزاعات العشائرية ليقدموا أنفسهم بوصفهم الطرف المصلح المهتم بشأن الشيعة ، وبعد أن سيطروا على بعض المواقع المهمة في الدولة من قبيل وزارة الداخلية ، ومجالس الكثير من محافظات الجنوب والوسط أدخلوا الكثير من أبناء العشائر في سلك الشرطة والقوى الأمنية الأخرى ، فضلاً على الوظائف المدنية .

ولم يكن حزب الدعوة بعيداً عن هذا العمل ، فقد كان ناشطوه يتحركون بدورهم على العشائر وزعمائها ، وكان لهم دور كبير في توظيف أبناء الشهداء وعوائلهم في دوائر الدولة الأمنية والمدنية على حد سواء ، وإقامة السفرات الدينية للحج والعمرة وزيارة المراقد المقدسة في إيران ، ولكن نشاطهم الأكبر تأثيراً شرع بعد قرار حزب الحكيم دخول إنتخابات مجالس المحافظات في قوائم مستقلة عن حزب الدعوة . في هذه الأثناء عين المالكي رجلاً يدعى السيد ستار عبدالنور مستشاراً له لشؤون العشائر ، وهذا الرجل هو نجل السيد عبدالنور وهو عضو معمم في مجلس النواب عن حزب المالكي ، وهو أيضاً مسؤول الإعلام في حزب الدعوة – المقر العام ( جناح المالكي ) ، قام السيد ستار عبدالنور بمساعدة أبو هادي الصالحي وبعض رؤساء العشائر المنتمين أصلاً لحزب الدعوة بالتحرك على عشائر البصرة والناصرية والسماوة

من قبيل عشائر ( أبو صالح ، وبيت الرميض وغيرهم ) ، ومثلهم عشائر البادية المحاذية للحدود السعودية والكويتية ، واستطاعوا أن يستميلوا رؤساء عشائر هذه المنطقة ، مستغلين عناوين الدولة ، ومنصب المالكي ، والجدير بالذكر هنا إن هذه العشائر كانت تنضوي تحت لواء ما يُسمى الجبهة العربية لعشائر الجنوب التي أسسها مزاحم مصطفى التميمي الزعيم العام لعشيرة تميم بالإتفاق مع الأردنيين والمصريين وبعض دول الخليج العربي ولاسيما دولة الإمارات العربية ، وقد انعقدت لقاءات لزعماء هذه الجبهة مع ملك الأردن عبدالله في العاصمة عمان ، ومع مدير جهاز الإستخبارات الإماراتية وأمير منطقة الشارقة الشيخ أحمد الهزاع وهو ذو أصول قبلية تعود به الى تميم ، وكان الهدف من وراء تشكيل هذه الجبهة سحب البساط من تحت أقدام الإئتلاف العراقي ، وضرب فكرة الفيدرالية التي ينادي بها حزب الحكيم ، وقد دفع الهزاع لزعماء الجبهة ما يقارب الـ ( 300 ) مليون دولار على دفعات .

استغل السيد ستار العلاقة المشبوهة التي تربط الجبهة العربية لعشائر الجنوب بالدول العربية وروج بين العشائر في إجتماع عقده لهم في منطقة صفوان فكرة إن ثمة مؤامرة عربية تستهدف الشيعة والدولة العراقية ، وحثهم على الإبتعاد عن دول الخليج ، وأغدق عليهم الكثير من المال وأغراهم بتعيين أبنائهم في دوائر الدولة الأمنية والمدنية ، ومنح لشيوخ العشائر إمتيازات خاصة من قبيل السماح لهم بتشكيل مجالس للصحوات بأمر من رئيس الوزراء تتولى حماية الحدود من المتسللين ، وزودهم بعجلات ومناطق لتشكيل الأفواج . وفيما بعد بعث لهم المالكي بمستشار أمن الدولة لشؤون العشائر الذي رتب لهم لقاء مع المالكي ، وعلى إثرها ثارت ثائرة حزب الحكيم وقام بعقد مؤتمر للعشائر بتنسيق من مؤسسة شهيد المحراب وحضر اللقاء عمار الحكيم .

إن اقتراب موعد الإنتخابات لم يدع الأمور تسير على وفق نظام العمل مع الإحتفاظ بالروح الرياضية ، لاسيما بعد أن اتضح للجميع إن حزب الحكيم يسعى لتأميم المرجعية النجفية لمصلحته ، الأمر الذي لم ير معه المالكي بداً من الإستئثار بولاء عشائر الجنوب والوسط ، فعمد الى توجيه ضربته المعروفة حين أمر بتشكيل صحوات في الجنوب ظاهر ولائها للدولة وحقيقتها الولاء لحزبه ، وأمر من جهة أخرى بحل كل التجمعات التي يعود ولاؤها للأحزاب ( أي لحزب الحكيم حصراً ) ، وهي الخطوة التي تسببت بنزاعات مسلحة بين الطرفين كما حدث في الكوت والحلة ، وأججت بين الفريقين حرب إغتيالات تجري على قدم وساق ، ترافقها حرب كلامية شرسة تجاوزت مرحلة المجاملات الى الإتهامات العلنية باستغلال المنصب وأموال الدولة في شراء الذمم ، نسأل الله تعالى أن تأكل نارهم حطبهم ، لينالوا خزي الدنيا قبل خزي الآخرة ، فالفرج كل الفرج في نزاع هؤلاء الأراذل الخونة . عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن علي (ع) يقول: (لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير. فقال الحسين (ع): الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله) (غيبة النعماني213). وعن أبي عبدالله (ع): (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل يعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يُسمي بعضكم بعضأ كذابين) (غيبة النعماني214). وعن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (ع): (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا – وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (ص) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) (غيبة النعماني214). وعن أمير المؤمنين (ع) : (كونوا كالنحل في الطير… الى قوله (ع): فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يُسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم – أو قال من شيعتي – إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام…) (غيبة النعماني217-218).

ولو نظرنا الآن الى واقع الشيعة لرأينا بوضوح أنهم في حال لا يُحسدون عليها، بل هم في أسوء حال، فمن جهة تفتك بهم العُصب الأموية، وتقتل منهم المئات يومياً، وتشرد الآلاف، ومن جهة أخرى يستذلهم المحتل الكافر، ويمعن بهم قتلاً وتنكيلاً وهتكاً للأعراض والكرامات، وكل ذلك وهم في أشد ما يكون التفرق والشقاق والإختلاف، و(كل حزب بما لديهم فرحون)، وما أصدق ما وصفهم به أمير المؤمنين (ع) بقوله: (لا تنفك هذه الشيعة حتى تكون بمنزلة المعز، لا يدري الخابس على أيها يضع يده، فليس لهم شرف يشرفونه ولا سناد يستندون إليه في أمورهم) (غيبة النعماني : 197). وعن الإمام الباقر (ع)، إنه قال: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكر فذروه، إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة و وليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) (غيبة النعماني 210). وعن أبي عبدالله (ع) إنه قال: (والله لتُكسرنّ تكسر الزجاج، وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتُكسرنّ تكسر الفخار، وإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، ووالله لتُغربلنّ، ووالله لتُميزنّ، والله لتُمحصنّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعّر كفه) (غيبة النعماني 215). وعن الإمام الرضا (ع): (والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُمحّصوا وتُميّزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر) (غيبة النعماني 216). وعن أبي جعفر (ع): (لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها) (غيبة النعماني214) ، يعلق الشيخ النعماني على هذا الحديث قائلاً : (أليس هذا دليل الخروج من نظام الإمامة، وترك ما كان يعتقد منها ) (الغيبة215).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى