أخبار سياسية منوعة

أمراء الطوائف ينحازون لدويلاتهم على حساب وهم الوطن الواحد

كشفت السنوات القليلة المنصرمة السابقة للإحتلال واللاحقة له عن تهافت نظريات الوهم الكبيرة التي ظللت سقوف أوطاننا العربية ، ولطخت كتبنا المدرسية لسنوات طويلة ، فالأكذوبة القومية الكبرى ( من المحيط الهادر الى الخليج الثائر ) سرعان ما طوحت بها عاصفة الصحراء كورقة خريف عجفاء ، فالأشقاء العروبيون كما تسميهم الأسطورة أدركوا أخيراً أن ما يسمونه قومية عربية ليست حقيقة مقدسة لا تقبل النقض ، ومن الممكن جداً تفضيل الأموال الأمريكية على أفكار ساطع الحصري المنقولة عن أدبيات الفكر الألماني ، فجيشوا جيوشهم وصوبوا أسلحتهم نحو أبناء جلدتهم بقرار من جامعة الدول العربية الموقرة جداً .

ولم يكن ما سقط هو الفكرة القومية الرومانسية فحسب ، فالتداعيات التي أعقبت عاصفة الصحراء دفعت بزوابع صحراوية كثيرة كانت كفيلة بإيقاظ الوجد القبائلي الذي استحضر كل الإحن التي أطاحت بفكرة الجماعة السياسية ، فلم يبق مما يسمى جامعة الدول العربية سوى هيكل نخر تحفظه المصالح المصرية والسعودية لا غير .

بعد الإحتلال الأمريكي للعراق سقطت ورقة خريفية أخرى ، فالأوطان التي رسمت حدودها إتفاقية سايكس – بيكو على قاعدة المصالح البريطانية – الفرنسية أثبتت لعبة السياسة العراقية إنها شطحة من شطحات المخيلة الطوباوية ، فالوطن الذي يفترض به أن يكون واحداً قابل تماماً للتشظي الى أوطان وإمارات ومحميات ، بل إنه وطن واحد بالعرض وبقوة القهر لا أكثر ، أما الحقيقة التي تنطوي عليها النفوس والضمائر فهي إنعدام الشعور بالإنتماء لهذا الوطن المدرسي – الخرائطي .

نعم الوطن العراقي الواحد هو وطن الخرائط المدرسية التي فشلت كلياً في التسرب الى النفوس .. النفوس التي يسكنها الإنتماء للطائفة والعرق ، ولمصالح أمراء الطوائف قبل كل شئ ، وليس صحيحاً أبداً ما يقال من أن مظلة الإحتلال الأمريكي للعراق هي التي حرّفت مرآة الوعي العراقي فأنتجت هذه الإنعكاسات المتشظية ، فالأمة لا تستورد شيئاً إلا إذا كانت على وشك إنتاجه ، وهذه المقولة تصح في هذه القضية على الأقل .

وعلى سبيل المثال لم يكن مشروع الفيدرالية ( فيدرالية الشمال والجنوب على حد سواء ) وليد مصادفة أو قرار عرض لسياسيي المجلس الأعمى نتيجة ملابسات أفرزتها مسيرة اللعبة السياسية ، فالقرار كان مبيتاً منذ البداية وتجدون تفاصيله وشذراته في كل الأداء السياسي للمجلس المذكور ( ولا أقول المشار إليه لأن الأعمى أصدق وصفاً لحزب الحكيم من كلمة الأعلى ) ، فلم يكن وارداً أبداً في خلد قادة الحزب الحكيم شئ اسمه الوطن العراقي ، وهذه الحقيقة يكشف عنها موقف هذا الحزب من الإحتلال ، فقد كان جلياً منذ البداية إن موقفه هذا تحكمه قاعدة النفعية ، والشعور بأن الإحتلال يوفر فرصة قد لا تتكرر لتحصيل مكاسب ذاتية ، وهو ما اصطُلح عليه بالتأسيس الجديد للدولة العراقية .

ولا يختلف موقف الطرف السني عن موقف المجلس ونظرته لوهم الوطن العراقي ، فهذا الطرف كان على الدوام يشعر بأن مصدر القلق هو الطرف الشيعي الذي يُتوقع منه منازعة السنة على المكتسبات التي حصلوها في يستقرأ مواقف الطرف السني السياسية على هذه القاعدة يمكنه تفسير كل المواقف التي قد تبدو متضاربة أو متناقضة ، فالحق إنها منسجمة دائماً على الأساس المتقدم ، وها نحن نشهد موقف هذا الطرف من الإتفاقية الخيانية الذي ينحو منحى المساومة على المكتسبات الذاتية ، دونما أي شعور بما قد تجره الإتفاقية على الإطار الكلي الموهوم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى