زاوية الأبحاثعقائد الشيعة

ماذا تعرف عن توقيع السمري – الحلقة الاولى

ماذا تعرف عن توقيع السمري
ماذا تعرف عن توقيع السمري

السؤال الذي نحاول الإجابة عليه من خلال هذا البحث هو التالي: هل التوقيع الصادر من الإمام المهدي عليه السلام لسفيره الرابع علي بن محمد السمري يستلزم تكذيب من يدعي مشاهدة الإمام المهدي أو اللقاء به ؟ وهل يقتضي القول ببطلان السفارة أو انعدامها في زمن الغيبة الكبرى، أم إن شيئاً من هذا لا يترتب عليه؟

نص توقيع السمري:

روى الشيخ الصدوق ،قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري – قدس الله روحه – فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته : (بسم الله الرحمن الرحيم؛ يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا. وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم)، قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك ؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه (كمال الدين وتمام النعمة : ص 516. ورواها الشيخ الطبرسي في الاحتجاج: ج2/ ص296، وغيبة الطوسي: ص395 ، وبحار الأنوار: ج53 / ص318 ).

سأناقش التوقيع من جهات متعددة وعلى وفق نقاط، وكما يلي:

النقطة الأولى: المناقشة المتعلقة بالسند.

وهي مناقشة من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، لا تبنياً منّا لقواعد علم الرجال والدراية؛ وذلك لكونها لا دليل عليها، فالأولى أن يقيموا دليلاً شرعياً على حجيتها قبل أن يجعلوها هي الدليل والمرجع الذي يُرجع إليه.

وسأبين في هذه النقطة أمرين، من خلالهما نعرف أنهم لا يحق لهم الاحتجاج بالتوقيع لنفي رؤية الإمام محمد بن الحسن ع .

الأمر الأول: إنّ أتباع المدرسة الأصولية والقواعد الرجالية يقسمون الأخبار إلى أقسام، منها الخبر المتواتر، وهو الخبر الذي يفيد القطع واليقين، كحديث الغدير الوارد بطرق متعددة، ومنها خبر الواحد، وهو كل خبر يفيد الظن ولا يفيد العلم. على أن بعضهم يعتبر خبر الواحد المحفوف بالقرينة خبراً قطعياً يفيد العلم.  

والمعروف عندهم أنّ خبر الواحد لا يعمل به في العقائد، لاشتراط العلم أو القطع فيها، بل يعمل به في الفقه فقط، ومن هنا لا يصح نفي الرؤيا والمشاهدة بهذا التوقيع؛ لأنه خبر ظني لا يستدل به على مسألة مرتبطة بالإمامة وهي من الأمور العقائدية التي لا تثبت عندهم بخبر الواحد الظني. إذن، لا يحق لهم الاستدلال بهذا الخبر لنفي الرؤيا والمشاهدة؛ طبقاً لما بينوه في طريقة عملهم بالأخبار.

ولا تفهموا مما تقدم أني أُقر طريقة تقسيمهم للأخبار،بل فقط ألزمهم بما  بما ألزموا به أنفسهم، وسيأتينا أننا نقر بهذا التوقيع لكننا نختلف معهم في التفسير.

الأمر الثاني: إنّ هذا التوقيع مبتلى بمحذورين؛ إمّا مجهولية الرواي، وإمّا الإرسال،ومنهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني، وعليه فلا يمكن العمل به طبقاً لما قرروه في طريقة عملهم بالأخبار.

المحذور الأول: مجهولية الراوي، فتكون الرواية ضعيفة السند، والمجهول هو من لم يترجم له في كتب الرجال، فقد ذكره السيد الخوئي في معجم رجال الحديث عند ذكره التوقيع فقط ولم يترجم له، وذكره بهذا الإسم (أحمد بن الحسن المكتب) (معجم رجال الحديث: ج31/ص 182). بينما نجد صاحب مكيال المكارم يعقد تنبيهاً يبيّن فيه أنّ الذي نُقل عنه التوقيع ليس (أحمد بن الحسن المكتب)، بل هو(حسن بن أحمد المكتب). وهذا كلامه: (  قال: تنبيه: قد وقع هنا سهوان في كتابين من كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، ينبغي التنبيه عليهما:

 الأول: في كتاب الغيبة للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رضي الله عنه) ففيه في النسخة التي عندي ، هكذا أخبرنا جماعة عن أبي جعفر ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب ، قال : كنت بمدينة السلام ، وساق الحديث مثل ما نقلناه عن كمال الدين لابن بابويه (رضي الله عنه)، وقد عرفت أن الذي روى عنه ابن بابويه حسن بن أحمد ، والظاهر أنّ السهو في كتاب الشيخ الطوسي وقع من النساخ، ويؤيد وقوع السهو فيه من بعض النساخ أنّ الحاج ميرزا حسين النوري (رضي الله عنه) نقل هذا الحديث في جنة المأوى من غيبة الشيخ عن الحسن بن أحمد المكتب والله تعالى هو العالم.

والثاني : في كتاب مستدرك الوسائل للعالم المحدث المتتبع الحاج ميرزا حسين النوري (رضي الله عنه) فإنه مع سعة باعه ، وكثرة اطلاعه ، واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق ، غفل عن ذكر هذا الشخص الجليل ، الذي روى عنه الصدوق مكرراً مترضيا مترحماً وأمثال هذه الأمور مما يبعث العالم على الفحص والتتبع ، ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله ، فعليكم يا إخواني بالسعي ، والاجتهاد ، فإن الله لا يخيب كل طالب مرتاد . ومما يدل أيضا على وقوع السهو والاشتباه في كتاب الشيخ ، وعلى غفلة صاحب المستدرك عن ذكر ذلك الشيخ (رضي الله عنه) أنّ المولى عناية الله المذكور ، نقل الحديث المسطور ، عن كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس ، حاكياً عن الحسن بن أحمد المكتب ، فتبين بحمد الله تعالى وعونه ، أنّ الراوي عن أبي الحسن السمري (رضي الله عنه) هو الحسن بن أحمد الذي روى عنه ابن بابويه (رضي الله عنه) . ومما يدل على صحة هذا الحديث وصدوره عن الإمام أيضا ، أنّ الشيخ الطبرسي (رضي الله عنه) صاحب كتاب الاحتجاج ذكره مرسلاً ، من دون ذكر السند ، والتزم في أول الكتاب وصرح بأنه لا يذكر فيه سند الأحاديث التي لم يذكر أسانيدها ، إما بسبب موافقتها للإجماع ، أو اشتهارها بين المخالف والمؤالف ، أو موافقتها لحكم العقل . فظهر أن الحديث المذكور أيضا كان غنياً عن ذكر السند . إمّا لموافقة الإجماع أو لاشتهاره ، أو لكليهما جميعاً . ومما يدل أيضا على صحته ، أنّ علمائنا من زمن الصدوق (رضي الله عنه) إلى زماننا هذا استندوا إليه ، واعتمدوا عليه ولم يناقش ولم يتأمل أحد منهم في اعتباره كما لا يخفى على من له أنس وتتبع في كلماتهم ومصنفاتهم فتبين من جميع ما ذكرناه أنّ الحديث المذكور من الروايات القطعية ، التي لا ريب فيها ، ولا شبهة تعتريها ، وهو مما قال فيه الإمام ع (فإن المجمع عليه لا ريب فيه ) ).(مكيال المكارم  للميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج 2/ص 334).

 وطبقاً لما ذكره صاحب مكيال المكارم يكون من مشايخ الصدوق كما صرّح بذلك السيد الخوئي في معجم رجال الحديث، حيث قال: (قال السيد الخوئي: الحسن بن أحمد المكتب : أبو محمد ، من مشايخ الصدوق (قدس سره) ترحم عليه ، كمال الدين ، الباب 49 ، الحديث 41 ). (معجم رجال الحديث:ج5/ص 272).

بينما نص صاحب مستدركات علم رجال الحديث على أن الراوي للتوقيع هو (حسن بن أحمد المكتب) كما يقول صاحب مكيال المكارم ، إلاّ أنه ينص على مجهوليته ! فقد قال: ( الحسن بن أحمد المكتب ، أبو محمد : لم يذكروه . روى عنه الصدوق في ك باب 45 حديث حضوره عند علي ابن محمد السمري قبل وفاته بأيام ، واخراجه توقيع الامام يخبره بموته ، وعدم إيصائه إلى أحد وغيره ). (مستدركات علم رجال الحديث: ج 2/ ص 348). وستأتي مناقشة المتن لاحقاً إن شاء الله.

فالرجل مردّد بن كونه ( أحمد بن الحسن المكتب)، فيكون مجهولاً على رأي بعض ، أو كونه (حسن بن أحمد المكتب)، فيكون من مشايخ الصدوق على رأي الخوئي، وصاحب كتاب مكيال المكارم، ويكون مجهولاً على رأي النمازي صاحب مستدركات علم رجال الحديث.

فالراوي مجهول لم يذكر في كتب الرجال؛ ومع كونه مجهولاً لا يمكن الاعتماد على خبره طبقاً لمبانيهم في علم الرجال. فلا يحق لهم العمل بهذا التوقيع والاحتجاج به؛ لكون سنده ضعيفاً، وممن قال بضعف سنده السيد محمد الصدر رحمه الله ، فقال: ( وأمّا كونه خبراً مرسلاً فهو غير صحيح).( تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر : ص641 دار التعارف : 1992).

إلاّ أنّه مع ذلك يبقى الإشكال قائماً بضعف السند فهذا الخبر (لم يكن كافياً لإثبات الحكم الشرعي ).( تاريخ الغيبة الصغرى : ص641 ).

 والمحذور الثاني: الإرسال؛ وهو لا يعمل به عندهم إلاّ مرسلات بعض الرواة، كابن أبي عمير فيعملون بمراسيله، والحسن بن أحمد المكتب أو أحمد بن الحسن المكتب ليس ممن يُعمل بمراسيله.

يقول السيد مصطفى الكاظمي في بشارة الإسلام: ( إنّ التوقيع خبر واحد مرسل فلا يعارض القضايا الكثيرة والوقائع العظيمة التي تلقاها العلماء بالقبول ودونوها في كتبهم وتصانيفهم مع انه معارض لما رواه الكليني والنعماني والشيخ الطوسي بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبد الله ع قال: ( لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة وما بثلاثين من وحشة )، وظاهره كما صرّح به شرّاح الأحاديث أنه ع يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته وهؤلاء الثلاثون لابد أن يتبادلوا كل قرن لأنه لم يقدر لهم ما قدر لسيدهم من العمر كما لا يخفى) (بشارة الإسلام: ص146 ).

وممن صرّح بكون التوقيع مرسل هو العلامة المجلسي، حيث قال بعد إيراده للحديث الشريف : ( أنّه خبر واحد مرسل ) (بحار الأنوار : ج 35 /ص 318 ).

وعليه فلا يمكن العمل بهذا حتى في الفقه فضلاً عن العقائد.

 ( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 2 – السنة الثانية – بتاريخ 03-08-2010 م – 22 شعبان  1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى