زاوية العقائد الدينية

هل يمكننا أن نــرى ملكــوت السمــوات ؟؟

ملكوت السموات !!! هذا العالم الذي خفي عنا ، كيف لنا أن نصل إليه أو نتعرفه ؟  عندما نطالع قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام نقرأ الآية الآتية : ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾(الأنعام:75)

ولعل قائل يقول هذه مختصة بالأنبياء والرسل ولا يمكن لغيرهم أن ينظروا في ملكوت السموات !!! وهذه الكلمة طامة كبرى في الحقيقة عرفناها من فقهاء الضلالة وفقهاء الحيض والنفاس الذين لا هم لهم غير استخفاف الناس واستدراجهم لفخهم كي يسلبوا منهم سحتاً حراماً بعنوان الخمس ، ولأنهم اخلدوا الى الأرض ولم يعرفوا غيرها واخلدوا للطين ونسوا حظهم من السموات (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:185)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :«ما من قلب إلاّ وله عينان وأذنان فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين هما للقلب ليشاهد بهما الملكوت.

وعن السجّاد عليه السلام: «ألا إنّ للعبد أربع أعين، عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه، وعينان يبصر بهما أمر آخرته، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته ))وهو الملكوت الذي عُبّر عنه في الآية المباركة ((وَكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ))
فقد حصل إبراهيم عليه السلام على اليقين من رؤيته ملكوت السماوات والأرض، فإذا أبصر الإنسان هذا الملكوت وصل إلى مقام اليقين الذي تحدّثت عنه الآية الكريمة والروايات الشريفة.

ولكن كيف يرى الإنسان ملكوت السماوات والأرض؟

الإنسان لا يعرف كيف يرى طرق الأرض فكيف به وهو ينشد السماء هذه المرة ، أقول لذلك بعث الله الأدلاء وهم الأنبياء والرسل والأوصياء ليرشدوا الناس الى السموات ويخلصونهم من الهبوط الذي هم فيه  (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:38)
لكن كيف يتسنى لنا معرفة هؤلاء الأدلاء ؟؟

هذه المعرفة لا تتمّ إلاّ من خلال تنقية القلوب وتطهيرها من الرجس ((فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور)) وفي نسبة العمى إلى القلب دليل على أنّ للقلب إبصاراً حسب نسبة الملكة وعدمها، وعلى هذا فقد يرى الإنسان ما حوله ويقول: هذه عيني أرى فيها كلّ شيء، فيقال له: إنّك لا ترى شيئاً يقول تعالى (( وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بـِهَا)) لأنّها رؤية لا تتمّ بهذه الأعين الظاهرية بل هي أعين القلب ولذا فإنّهم لا يبصرون بها. وهكذا قوله تعالى (( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبـِهِم ما كَانُوا يَكْسِبُون ))

قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124) ، وقال تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (الإسراء:72) .
يقول السيد اليماني احمد الحسن (ع) العمى في كلا الآيتين : (عمى البصيرة) ، وليس عمى البصر .
وقوله تعالى : (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ، أي من كان ملتفت إلى هذا العالم الجسماني ، وغافل عن ملكوت الله سبحانه وتعالى ، فلا يصدّق ولا يعتـقد بآيات الله الملكوتية ، كالرؤيا والكشف ، بل ولا يعمل للارتقاء بروحه في ملكوت السماوات ، فمبلغه من العلم هذه الحياة الدنيا ، فهو أعمى البصيرة ، لأنه لا يرى الحق ، وان كان كالشمس في رابعة النهار .
اما قوله تعالى :-  (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)
فهي فيمن كان قد ارتقى في ملكوت السماوات ، وهو يرى ما لا يرى الناس ، أي أن بصيرته مفتوحة . ولكن عندما بُعث ولي الله لم يؤمن به حسداً ، كما هو حال (بلعم ابن باعوراء) ، فقد كان يرى ما تحت العرش ، ولكنه لم يؤمن بموسى (ع) حسداً له ، ومال إلى الظالمين قال تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الأعراف:175) والآيات التي بعد هذه الآية تبين هذا المعنى :-
( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) (طـه:125-126) .انتهى كلامه (ع)

فالرسل هم الادلاء الى الله والله يمن على المؤمنين برسله عليهم السلام ليزكوهم ويعلموهم الحكمة فمن تبعهم فقد التحق بالنور وترك الظلام ومن سار بدربهم سلك طريق الهدى وعزف عن طريق الضلال (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)
ومن خلال التعلم من النبع الصافي ومن الفيض النازل من السماء  تصلح النفوس وهذه الطريقة في إصلاح النفوس هي طريقة الأنبياء والرسل (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة:151)
( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)
(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة:129)

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) إلا ليعبدون أي ليعرفون وما خلقهم لكي يلهثوا وراء هذه الدنيا الدنية فهؤلاء قوم موسى  عليه السلام لما آمنوا به وتبعوه أنجاهم الله من فرعون وجنوده واغرق فرعون وجنوده واسكنهم الأرض المباركة وانزل عليهم رزقهم من السماء ( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (البقرة:60)  لكن الناس دائما تلهث وراء المادة ولا تنظر الى ملكوت السماوات فهاهم بعد الذي رزقهم الله من السماء يفضلون ما تنبت الأرض من عدس وبصل  (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة:61)
ورد عن الإمام علي عليه السلام « إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنّة فلا تبيعوها إلا بها» لا بدراهم معدودة أو رئاسة أو جاه محدود وما إلى ذلك من العناوين الاعتبارية التي يتقاتل عليها القوم كلّ يوم صباحاً ومساء .ً

الله سبحانه وتعالى يقول (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)  يقول السيد اليماني  أي يعرفون ، وهذه المعرفة العالية والتي تمثل الغرض من الخلق ، تتحقق في الأولى وهي السماء الأولى (سماء الرجعة) ، وقبلها هي (سماء الذر) ، وبدايتها أي (بداية الأولى) في ظهور الإمام المهدي (ع) ، حيث تبدأ مرحلة الأولى ومقدمات تمهيد لعالم الرجعة (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:70)
وله الحكم :- أي الحاكمية لله بحكم الإمام المهدي (ع) ، والمهديين (ع) ثم الرجعة ، والحكم للأنبياء والمرسلين والأئمة والأوصياء .
واليه ترجعون :- إلى الله سبحانه وتعالى في الرجعة ، أي ليجازي الصالحين بصلاحهم ، والظالمين بظلمهم في الرجعة (من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً) مختصر بصائر الدرجات :الحسن بن سليمان الصفار : ص 24
كما ورد عنهم (ع) فيكال لكل ظالم كيله ، ويكال لكل صالح كيله ، فينتقم الله للأنبياء والمرسلين والأئمة ، من الظالمين الذين محضوا الكفر محضاً .
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة:21) :- ولنذيقنهم من العذاب الأدنى (في الرجعة) .
أما الآخرة فالحمد فيها : أكمل وأتم وأعظم ، لأنها كشف تام للحقائق وكل بحسبه : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (قّ:22)
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:43)
أي رفع (الأنا) من الصدور ، وكلُ بحسبه يغترف من رحمة الله بحسب وعاءه ، ويكال له بمكياله الذي صنعه بأعماله الصالحة .

والحمد لله رب العالمين

Mansoreen24_(at)_yahoo.com


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى