زاوية الأبحاثعقائد الشيعة

ماذا تعرف عن المهديين الذين يحكمون في دولة العدل الإلهي – الحلقة السادسة

وردت روايات كثيرة عن رسول الله وأهل البيت عليهم السلام تتحدث عن وجود مهديين يحكمون في دولة العدل الإلهي، وهذه الروايات من الكثرة بحيث قال عنها السيد محمد الصدر رحمه الله في موسوعته المهدوية بأنها تفوق حد التواتر بكثير. وسنحاول في هذه الحلقات إيراد ما وقعت عليه اليد منها، من مصادر الشيعة والسنة وبعض الكتب السماوية، والرد على بعض الشبهات التي اعترضها بها البعض، لنثبت بذلك واحدة من أهم القضايا العقائدية بعون الله تعالى.

ومفاد هذه الشبهة إنهم يقولون إنه قد وردت روايات كثيرة جداً تحصي من الأئمة إثنا عشر إماماً، فهذه الروايات لا تقول إن الأئمة أربعة وعشرون إماماً ، وبالنتيجة هي تعارض ما ورد من وجود إثني عشر بعد الإثني عشر.

وللجواب عن هذه الشبهة أقول قبل كل شيء هذه الشبهة من التهافت بدرجة تثير الاستغراب، ولكننا نجيب عنها طالما طرحها بعضهم. والحق إن التعارض لا يُتصور فيها، فالمهديون يحكمون بعد الإثني عشر إماماً، فلا تزاحم مكاني أو زماني من هذه الناحية، وكذلك فإن ما ورد من إن الأئمة إثني عشر إماماً لا يعني إن هؤلاء الحجج الإثني عشر هم كل الحجج من آل محمد ، فلم ترد رواية عن آل محمد  تقول إن الأئمة الإثني عشر  لا شيء بعدهم، بل ورد العكس كما تقدم.

أقول ولعل منشأ الشبهة هو إن الروايات التي ذكرت الأئمة  ذكرت أنهم إثنا عشر إماماً، وكذلك ما يعرف من تسمية الطائفة المحقة بالإثني عشرية.

 وقد ذكر  السيد المرتضى جواباً عن هذه الشبهة بقوله : ( وسئل ( رضي الله عنه ) عن الحال بعد إمام الزمان عليه السلام في الإمامة فقال : إذا كان المذهب المعلوم أن كل زمان لا يجوز أن يخلو من إمام يقوم بإصلاح الدين ومصالح المسلمين ، ولم يكن لنا بالدليل الصحيح أن خروج القائم يطابق زوال التكليف ، فلا يخلو الزمان بعده عليه السلام من أن يكون فيه إمام مفترض الطاعة ، أو ليس يكون . فإن قلنا : بوجود إمام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية ، وإن لم نقل بوجود إمام بعده ، أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب ، وهو قبح خلو الزمان من الإمام .

 فأجاب ( رضي الله عنه ) وقال: إنا لا نقطع على مصادفة خروج صاحب الزمان محمد بن الحسن عليهما السلام زوال التكليف ، بل يجوز أن يبقى العالم بعده زمانا ” كثيرا ” ، ولا يجوز خلو الزمان بعده من الأئمة . ويجوز أن يكون بعده عدة أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ، وليس يضرنا ذلك فيما سلكناه من طرق الإمامة ، لأن الذي كلفنا إياه وتعبدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر ، ونبينه بيانا ” شافيا ” ، إذ هو موضع الخلاف والحاجة . ولا يخرجنا هذا القول عن التسمي بالاثني عشرية ، لأن هذا الاسم عندنا يطلق على من يثبت إمامة اثني عشر إماما ” . وقد أثبتنا نحن ولا موافق لنا في هذا المذهب ، فانفردنا نحن بهذا الاسم دون غيرنا )([1]).

فالجواب الذي يذكره السيد المرتضى يقول إننا طالما انفردنا بإثبات إثني عشر إماماً لا يضرنا بعد هذا أن نؤمن بوجود إثني عشر مهدياً ولا يخرجنا القول الأخير عن التسمي بالإثني عشرية ، إذ لا موافق لنا في مذهبنا .

والحقيقة إن قلة روايات المهديين نسبة للروايات التي تنص أو تذكر الأئمة  منشؤها – والله أعلم – أن الهم الأساس في زمن الرسول  والأئمة  هو التركيز على إثبات وجود الأئمة الإثني عشر  فهو موضع الخلاف والحاجة كما قال السيد المرتضى. وقد وردت رواية عن الإمام الصادق ع يستشف منها هذا المعنى عن أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال : ( الوصية نزلت من السماء على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) كتابا مختوماً ، ولم ينزل على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كتاب مختوم إلا الوصية ، فقال جبرئيل (عليه السلام) : يا محمد هذه وصيتك في أمتك إلى أهل – بيتك(4) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ فقال : نجيب الله منهم وذريته ليورثك علم النبوة قبل إبراهيم وكان عليها خواتيم، ففتح على(عليه السلام) الخاتم الأول ومضى لما أمر فيه ثم فتح الحسن(عليه السلام) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به ، ثم فتح الحسين(عليه السلام) الخاتم الثالث فوجد فيه أن قاتل وأقتل وتقتل واخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك ففعل وثم دفهعما إلى على بن الحسين(عليهما السلام) ومضى، ففتح على بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه أن أطرق واصمت لما حجب العلم، ثم دفعها إلى محمد بن على(عليهما السلام) ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك العلم واصطنع الأمة، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله، ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه، فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو؟ فقال: ما بك في هذا إلا أن تذهب يا معاذ فترويه عني نعم أنا هو، حتى عدد على اثني عشر اسما ثم سكت ، فقلت : ثم من؟ فقال : حسبك )([2]).

فمن الواضح إن قوله ع : ( حسبك ) يُشعر بأن ثمة من هو بعد الأئمة، فهو u لم يقل لا يوجد بعدهم أحد، وأما قوله (حسبك) فهو إشارة إلى أن هذا المقدار من المعرفة يكفيك وهو موضع حاجتك كما عبر السيد المرتضى .

صحيفة الصراط المستقيم – العدد 7 – السنة الثانية – بتاريخ 07-09-2010 م – 27 رمضان 1431 هـ.ق) 



  ([1])رسائل المرتضى : ج 3 – ص 145 – 146.

([2])  الغيبة للنعماني : ص52 – 53 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى