زاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعةغير مصنف

مواقف الإمام السبط الحسن بن علي عليهما السلام

زياره الامام الحسن ع

لو تأملنا سيرة وتأريخ الإمام الحسن ع لوجدناها ذات ارتباط وثيق بنهج ابيه امير المؤمنين وأمه سيدة نساء العالمين من جهة، كما أنه لا ينفك عن دور الإمام الحسين ع من جهة ثانية، فالهدف الذي كان ينتهجه الجميع عليهم السلام هو الحفاظ على مصلحة الإسلام وبقاء الشريعة الخاتمة ممتدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وصيانتها من الانحراف، وإن اختلفت الأدوار لأئمة أهل البيت ع.
ومن هنا نشاهد الإمام الحسن في عهد عثمان بن عفان يشارك في كثير من الحروب التي وجهها أعداء الإسلام من الخارج منطلقاً من مبدأ أبيه أمير المؤمنين الذي قاله حينما تولى عثمان بن عفان الخلافة: (لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ علي خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه) (نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج 1 – ص 124)
فانضم الإمام الحسن مع جنود المسلمين الذين توجهوا إلى أفريقيا بقيادة عبد الله بن نافع، كما وشارك أيضاً في سنة ثلاثين للهجرة عندما غزا المسلمون خراسان وطبرستان وكانت الغزوة بقيادة سعيد بن العاص، فكان في الغزوة بعض أصحاب رسول الله كحذيفة بن اليمان وغيره ومنهم الحسن والحسين عليهما السلام، كما تنص على ذلك الروايات والتواريخ.
كما أنه ع كان حاضراً أيام فتنة عثمان وسوء إدارته لأمور المسلمين وبذخه وبذخ عماله، وسياسته المجانبة لسياسة الإسلام التي يصفها أمير المؤمنين ع قائلاً: (إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله. وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته) (نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج 1 – ص 35)
ولقد حاول المسلمون إصلاح سياسة الخليفة وعماله إلاّ أنهم لم يفلحوا في ذلك، وفشلت كل المحاولات الهادفة للإصلاح التي بذلها المسلمون، فخيروه بين إصلاح سياسته الفاسدة وبين التنحي عن الخلافة، والذي لعب دور الوساطة بين عثمان بن عفان والوفود التي جاءت من مختلف البلاد الإسلامية لكي تضع حدّاً للسياسة الأموية الفاسدة التي سلكها عثمان بن عفان، هو أمير المؤمنين ع وولداه الحسن والحسين عليهم السلام، وكانوا كلما وصلوا لطريق تحل به تلك الأزمة واتفقوا على الحلول الكفيلة بحل الأمور الفاسدة التي عانى منها المسلمون في مختلف الأمصار جاء مروان بن الحكم ونقض كل ما ابرموه واتفقوا عليه من حلول واتفاقات بين الطرفين، حتى تعقدت الأمور ولم يكن هناك طريق لحل الأزمة التي كانت نتيجة السياسة الأموية فهاجم الثوار عثمان بن عفان بتحريض من طلحة والزبير وعائشة التي كانت تنادي:(اقتلوا نعثلاً فقد كفر ) (الفتوح لإبن أعثم:ج1/ص64)
وأخرجت للمسلمين قميص النبي ص وهي تقول: ( يا معشر المسلمين ! هذا جلباب رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته !) (تاريخ اليعقوبي – اليعقوبي – ج 2 – ص 175)
في حين أنّ أمير المؤمنين وولديه يدافعان عن عثمان حفاظاً منهم على مصلحة الإسلام التي عندهم فوق كل شيء، على الرغم من أنّ عثمان غاصب لمنصب الخلافة وكان علي بن أبي طالب وأولاده كسائر المسلمين ناقمين على السياسة التي انتهجها عثمان ابن عفان، إلاّ أنهم يدافعون عنه لدفع الفتنة التي تؤدي لضعف الكيان الإسلامي الذي لا زال فتياً، بل جاء في بعض الروايات – كما يروي ابن كثير- أنّ الإمام الحسن ع أصيب بجروح وهو يدافع عن عثمان.
كما وكانت للإمام الحسن ع مواقفه المشهودة فقد اشترك في حروب أبيه كلها فكان جندياً واعياً، وكما يقول جدّه النبي ص فيه ( لو كان العقل رجلاً لكان حسناً) (شرح إحقاق الحق:ج4/ص502). فكان مطيعاً لكل ما يريده خليفة الله أبيه أمير المؤمنين ع، فكان له دوره في معركة الناكثين المعروفة بحرب الجمل التي كانت بقيادة عائشة، فعندما وصل أمير المؤمنين ع إلى ذي قار أرسله أبوه أمير المؤمنين ع مع عمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد إلى الكوفة ليستنفروا أهلها ويخرجوا مع إمام زمانهم أمير المؤمنين ع، بعد أن أرسل لهم وفداً يطلب منهم النصرة والعون ضد الناكثين إلاّ أن أبو موسى الأشعري حبّط الناس ولم يستجيبوا لطلب أمير المؤمنين ع، ولما دخل الحسن ومن معه الكوفة واستقبلهم أهلها قرأ عليهم رسالة أبيه علي بن أبي طالب ع التي قال فيها: (من عبد الله علي أمير المؤمنين ، إلى من بالكوفة من المسلمين: أما بعد ، فإني خرجت مخرجي هذا ، إما ظالماً، وإما مظلوما ، وإمّا باغياً ، وإمّا مبغياً عليّ، فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا إلاّ نفر إلى، فإن كنت مظلوماً أعانني، وإن كنت ظالما استعتبني . والسلام) (شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 14 – ص 10 – 13).
وأخذ يستنفرهم قائلاً بعد حمد الله والصلاة والسلام على نبيه وآله ص: (أيها الناس ، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله وإلى كتابه وسنة رسوله، وإلى أفقه من تفقه من المسلمين، وأعدل من تعدلون، وأفضل من تفضلون، وأوفى من تبايعون، من لم يعبه القرآن، ولم تجهله السنة ولم تقعد به السابقة، إلى من قربه الله تعالى ورسوله قرابتين: قرابة الدين وقرابة الرحم، إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة، إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلى معه وهم مشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدقه وهم يكذبون. إلى من لم ترد له راية ولا تكفأ له سابقه، وهو يسألكم النصر، ويدعوكم إلى الحق، ويأمركم بالمسير إليه، لتؤازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثّلوا بعمّاله، وانتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون) (شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 14 – ص 10 – 13).
وفي رواية ثانية عن أبي مخنف، قال:حدثني جابر بن يزيد ، قال : حدثني تميم بن حذيم الناجي، قال: قدم علينا الحسن بن علي عليه السلام وعمار بن ياسر ، يستنفران الناس إلى علي عليه السلام، ومعهما كتابه، فلما فرغا من قراءة كتابه ، قام الحسن – وهو فتى حدث، والله إني لأرثى له من حداثة سنه وصعوبة مقامه – فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه، وكان عليلا من شكوى به ، فقال: الحمد لله العزيز الجبار ، الواحد القهار ، الكبير المتعال، ﴿سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾، أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء ، وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء. واشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، أمتن علينا بنبوته ، واختصه برسالته ، وأنزل عليه وحيه ، واصطفاه على جميع خلقه ، وأرسله إلى الإنس والجن ، حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان ، وجحد الرحمن ، فصلى الله عليه وعلى آله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين . أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون ، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – أرشد الله امره ، وأعز نصره – بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب ، وإلى العمل بالكتاب ، والجهاد في سبيل الله ، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون ، فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله . ولقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحده ، وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ، ثم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع مشاهده . وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الاسلام ما قد بلغكم ، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله راضيا عنه ، حتى غمضه بيده وغسله وحده ، والملائكة أعوانه ، والفضل ابن عمه ينقل إليه الماء ، ثم أدخله حفرته ، وأوصاه بقضاء دينه وعداته ، وغير ذلك من أموره ، كل ذلك منٌ من الله عليه . ثم والله ما دعا إلى نفسه ، ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها ، فبايعوه طائعين ، ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ، ولا خلاف أتاه حسدا له وبغيا عليه. فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته ، والجد والصبر والاستعانة بالله والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين. عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإياكم تقواه ، وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه. واستغفر الله العظيم لي ولكم. ثم مضى إلى الرحبة، فهيا منزلاً لأبيه أمير المؤمنين (شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 14 – ص 10 – 13).
إلاّ أنّ أبا موسى وقف كموقفه من الوفد الأول، وبعد جدال دار بين الحسن بن علي وعمار بن ياسر من جهة وبين وأبي موسى الأشعري من جهة ثانية فلم ينثني أبو موسى عن موقفه فقال له الحسن ع :( اعتزل عملنا وتنح عن منبرنا، لا أم لك ).
وكذلك مواقفه المشهودة في حرب صفين حيث أخذ يخطب بالجيش ويعبئهم لقتال البغاة معاوية وجيشه وكان مما قال: ( الحمد لله لا إله غيره ولا شريك له. إن مما عظم الله عليكم من حقه، وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره، ولا يؤدى شكره، ولا يبلغه قول ولا صفة، ونحن إنما غضبنا لله ولكم، إنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم، واستحكمت عقدتهم. فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده، ولا تخاذلوا ، فإن الخذلان يقطع نياط القلوب، وإن الإقدام على الأسنة نخوة وعصمة، لم يتمتع قوم قط إلاّ رفع الله عنهم العلة، وكفاهم جوائح الذلة، هداهم إلى معالم الملة)
كما وكان له ع دوره في الاحتجاج على من نادى بالتحكيم، وله دوره في كشف حقيقة الحكمين الذين وقع عليهما اختيار الغوغاء فخطب قائلاً: ( أيها الناس إنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين وإنما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسم حكما ولكنه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله بن عمر فأخطأ في ثلاث خصال : واحدة أنه خالف أباه إذ لم يرضه لها ولا جعله من أهل الشورى ، وأخرى أنه لم يستأمره في نفسه ، وثالثة أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمارة ويحكمون بها على الناس ، وأما الحكومة فقد حكم النبي عليه بالصلاة والسلام سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بما يرضى الله به ولا شك ولو خالف لم يرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم جلس ) (شرح إحقاق الحق – السيد المرعشي – ج 19 – ص 350، شرح الاخبار :ج2/ص6).
فكشف زيف التحكيم وبين جهل أبي موسى الأشعري وحقده الدفين على أمير المؤمنين ع وخبث سريرته.

 (صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 26 / السنة الثانية ـ بتاريخ 13 صفر 1432 هـ الموافق ل 18/01/2011 م)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى