زاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعة

قراءة في آية المودة – الجزء الثاني

تفسير «القربى» في نظر الشيعة:

 يتفق علماء الشيعة على أن المراد من «القربى» في هذه الآية الشريفة هم أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، ولاشكّ أن «الولاية» هي استمرار للرسالة وعدل النبوّة، ولهذا فإنّ هذا الأجر «مودّة القربى» ينسجم مع الرسالة، مضافاً إلى أن الولاية تقود الناس في خطّ الإيمان والتقوى والإنفتاح على الله تعالى.

 إذا فسّرنا آية المودّة وفقاً لما ذكره علماء الشيعة ومفسّروهم فسوف يتّضح جيداً المعنى الكامل في آية المودّة مضافاً إلى الآيات الاُخرى المتعلقة بها، وسوف يتبين أن الإرتباط فيما بينها هو ارتباط منطقي وصحيح، والملفت للنظر أن دعاء الندبة الذي هو في الحقيقة دورة كاملة من المعارف الإلهية المشحونة بالولاية يذكر في مضامينه الآيات الثلاث المذكورة آنفاً، ويستنتج منها نتيجة مهمة ويتّضح أن الأئمّة هم الطرق والوسائل إلى الله تعالى والذين يقودون الناس إلى رحمة الله ورضوانه.

نظرات أهل السنّة في معنى «القربى»:

 وقد ذكر أهل السنّة تفاسير مختلفة لهذه المفردة القرآنية لا تنسجم كلّها مع الآية الشريفة، وإليك بعض النماذج منها:

 1 ـ قيل إن المراد من القربى هو محبة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ومودتهم ولكن من دون الولاية والإمامة والخلافة، أي الإكتفاء بالإرتباط العاطفي والعلاقة الظاهرية فقط بأهل بيت النبي (ص).

 ولكن هل يمثل هذا المعنى والمفهوم من المودّة عدلاً للرسالة؟

 هل أن المحبة العاطفية فقط وبدون الولاية والإمامة يمكنها أن تكون أجراً للرسالة وبمثابة العدل لها؟

 مضافاً إلى ذلك كيف يطلب نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) أجر الرسالة بالمعنى الذي ذكروه لها، في حين أن جميع الأنبياء السابقين لم يطلبوا من أقوامهم مثل هذا الأجر بل كانوا يطلبون أجرهم من الله تعالى؟ وعليه فإنّ مثل هذا التفسير لا يمكن قبوله.

 2 ـ وذهب آخرون إلى أن المراد من «القربى» هو الأعمال الصالحة التي تقرب الإنسان من الله تعالى، وعليه فإنّ «المودّة في القربى» تعني العشق والشغف بالأعمال الحسنة والرغبة في الصلاة، الصوم، الحجّ، الجهاد، صلة الرحم، احترام الكبار وأمثال ذلك، فهذه الأعمال الصالحة والسلوكيات الحسنة هي التي تمثل أجر الرسالة.

 3 ـ وذهب البعض إلى أن كلمة «في» الواردة في هذه العبارة بمعنى «اللام»، وفي هذه الصورة يكون معنى الآية هو «أن أجر رسالتي وما عملته في تبليغ الرسالة الإلهية لكم هو أن تحبونني لأنني من أرحامكم وأقرباءكم» ثمّ ذكروا شجرة النسب للنبي (صلى الله عليه وآله) وتفاصيل ارتباطه النسبي مع قريش لبيان مقصودهم بحيث تبيّن أن جميع القبائل العربية يرتبطون بشكل أو بآخر مع النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)في النسب.

 ولكن هذا التفسير واضح البطلان لأنه:

 أوّلاً:إن استعمال «في» بمعنى «اللام» قليل جداً ونادر في لغة العرب وليس هناك دليل وشاهد على أن المراد من العبارة المذكورة هو هذا المعنى.

 ثانياً:إنّ محبة النبي(ص) لوحدها لا تمثل عدل النبّوة و الرسالة و یجب أن یکون أجر الرسالة متناسبة مع الرسالة نفسها.

 فهل أن قوله عليكم أن تحبونني ولا تؤذونني لأنني من أقربائكم يمثل عدل الرسالة؟

 ألا يكون مثل هذا التفسير باعثاً على هبوط المعنى السامي للآية الشريفة؟

 4 ـ والتفسير الآخر الذي هو أوهن من التفسير السابق هو أن يقال: إنّ المراد من الآية الشريفة هو المودّة في قرباكم وأن أجر رسالة النبي هو أن تحبّوا أقرباءكم وأرحامكم.

 الإنسان يجد في نفسه رغبة شديدة في عدم تصديق وجود مثل هذا التفسير، ولكنّ مع الأسف نجد البعض يصرّحون بذلك.

 إنّ بطلان هذا الرأي هو أوضح من أن يحتاج إلى كلام، فهل أنّ مودّة الأقرباء للإنسان المسلم تمثل عدل للرسالة؟ وهل أن مودّة الأقرباء تعتبر استمراراً للنبوّة؟

 أجل، عندما نتعامل مع الآيات الشريفة بسذاجة وسطحية ونحكّم المسبوقات الفكرية عليها فسوف نبتلي بمثل هذه الأخطاء والتفاسير التعسفية.

 فهل أن هذا التفسير والتفسير السابق يتناسب وينسجم مع الآية الشريفة، أو أن كلّ إنسان له اطلاع قليل على لغة العرب وبلاغتهم سوف يلتفت إلى عدم انسجام مثل هذه التفاسير مع الآية الشريفة؟ ولهذا السبب فإنّ هؤلاء العلماء أنفسهم اعترفوا أن هذه التفاسير مجازية وغير حقيقية، أو أنها من قبيل الإستثناء المنقطع وهو أيضاً بدوره نوع من المجاز.

 لماذا نفسّر الآية القرآنية بشكل يوقعنا في هوة المعاني المجازية وغير الحقيقية؟

 لماذا لا نفسر المودّة في القربى بمعنى الولاية والإمامة والذي ينسجم تماماً مع الآية محل البحث وسائر الآيات المتعلّقة بها؟

 ومن عجائب الأيّام أن الكثير من مفسّري أهل السنّة رووا حديثاً مفصّلاً عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ذيل هذه الآية الشريفة حول محبّة أهل البيت ومودتهم، بحيث إنّ الإنسان عندما يقرأ هذا الحديث الطويل والجذّاب ويتفكر قليلاً في مضامينه السامية ومعانيه الراقية يمتلكه العجب والحيرة من تلكم التفاسير الجوفاء والبعيدة عن روح الآية الشريفة وأجواءها.

 وهنا ننقل ما أورده الفخر الرازي في تفسيره من الحديث النبوي حيث يقول:

 نَقَلَ صاحِبُ الكَشّافِ([1]) عَنِ النَّبِيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله…ثمّ يورد اثني عشر فقرة جذّابة وعميقة المضامين في هذا الحديث الشريف.

 1 ـ مَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد ماتَ شَهيداً.

 فهل أن مثل هذه المحبّة هي محبّة عادية وطبيعية وفارغة من الولاية والإمامة؟

 إذا كانت كذلك فهل يعقل أن يكون هذا المحبّ في صفوف الشهداء؟

 أو أن المراد من هذه المحبّة هي الحالة التي تدفع الإنسان في مدارج الكمال والمعنويات إلى أن يصل إلى مرتبة الشهداء، وهي المحبّة المشروطة بالولاية والإمامة؟

 2 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد ماتَ مَغْفُوراً لَهُ.

 ما هي هذه المحبّة التي تعمل على تطهير الإنسان من الذنوب والآثام بحيث أنه عندما يحين أجله فإنه سيموت طاهراً من كلِّ ذنب وستغفر له جميع الذنوب والمعاصي؟ هل أن مثل هذه المحبّة والمودّة هي محبّة اعتيادية؟

 3 ـ أَلا ومَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد ماتَ تائِباً.

 أي أن هذه المحبّة تقع بديلاً للتوبة، فلو أن الإنسان لم يوفق للتوبة من الذنوب في هذه الدنيا وكان محبّاً لأهل البيت فإنه يموت كما يموت التائب من الذنوب، فما هي حقيقة هذه المحبّة؟

 4 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد ماتَ مُؤْمِناً مُسْتَكْمِلَ الاْيمانِ 

 فهل يعقل أن يرتبط الإنسان بأهل البيت (عليهم السلام) برابطة اعتيادية وطبيعية ثمّ يفضي ذلك إلى كمال الإيمان؟

 من المسلّم وجود مضمون عميق في هذه الكلمات بحيث يؤدي بالإنسان إلى الترقّي والسير في خطّ الإيمان والتقوى ليصل بالتالي إلى أعلى مرتبة منه.

 5 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد بَشَّرَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ مُنْكِرٌ وَنَكيرٌ

 ونتساءل: ما هذه المحبّة والمودّة التي تسبب في أن ينال الإنسان البشارة بالجنّة عند موته؟

 6 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد يُزِفُّ إلَى الْجَنَّةِ كَما تُزِفُّ الْعَرُوسُ إلى بَيْتِ زَوْجِها

 أي سوف يقاد إلى الجنّة باحترام فائق وتقدير كبير، أجل فإنّ إكسير محبّة آل محمّد (عليهم السلام)له مثل هذه الآثار والمعطيات العجيبة.

 7 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد فُتِحَ لَهُ فِي قَبْرِهِ بابانِ إلَى الْجَنَّةِ.

 8 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد جَعَلَ اللهُ قَبْرَهُ مَزارَ مَلائِكَةِ الرَّحْمَةِ

 هل يعقل أن تكون المحبّة العادية سبباً في تحويل قبر المؤمن إلى مزار للملائكة؟

 9 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد مات عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَماعَةِ

 في هذه العبارات المذكورة أعلاه، نرى بوضوح آثار المحبّة والمودّة لأهل البيت، ثمّ إن الحديث الشريف يذكر ثلاث عبارات اُخرى تتحدّث عن العاقبة السيئة لبغض وعداوة أهل البيت (ع).

 10 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى بُغْضِ آلِ مُحَمَّد جاءَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ

 إنّ من يعيش البغض لآل محمّد (صلى الله عليه وآله) من شأنه أن يهوي إلى أسفل درجات الشقاء بحيث يكون آيس من رحمة الله.

 11–  أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى بُغْضِ آلِ مُحَمَّد ماتَ كافِراً

 هذا الأثر السيىء لبغض آل محمّد هو أسوأ مما قبله.

 12 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى بُغْضِ آلِ مُحَمَّد لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ

 والجدير بالذكر أن رائحة الجنّة كما ورد في بعض الروايات تصل إلى مسافة ألف عام ([2]).  

 وطبقاً لهذه الرواية الشريفة فإنّ معنى العبارة أعلاه أن الشخص الذي يعيش حالة البغض لآل محمّد ليس فقط أنه يكون محروماً من دخول الجنّة، بل سوف يبتعد عنها بمسافة 500 عام بحيث لا يتمكن من شم رائحتها، والخلاصة أن مثل هذا الشخص بعيد عن الجنّة جداً.

 لكن مع الأسف الفخر الرازي يروي هذه الرواية الجميلة والعميقة المضمون والمحتوى وبكلّ هذه المعطيات المهمة والآثار الجليلة ثمّ يفسّر المحبّة والمودّة ومن دون التدبّر في هذه المضامين بالمحبّة الظاهرية والعاطفة الطبيعية؟ والأعجب من ذلك أنه بعد أن نقل الرواية المذكورة آنفاً شرع بتوضيح المراد من آل محمّد (عليهم السلام) الذين هم محور هذه الرواية.

 فقال:..هذا هو الذي رواه صاحب الكشاف وأنا أقول: آل محمّد صلّى الله عليه وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم أشدّ التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر([3]).للبحث بقية ستأتي إن شاء الله.



[1]– جاءت هذه الرواية في تفسير الكشّاف: ج 4، ص 220 و 221.

[2]– ميزان الحكمة: الباب 553، ح 2585. يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا لرواية:
أخبرني جبرئيل أن ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام، ما يجدها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان.

[3]– تفسير الفخر الرازي: ج 27، ص 165 و 166. وأصل الرواية في تفسير القرطبي: ج 8، ص 5843 وكذلك نقلت في تفسير الثعلبي، ذيل الآية محل البحث.

……………………………………………………………………………………………………

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 51 – السنة الثانية – بتاريخ 12-7-2011 م – 10 شعبان 1432 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى