زاوية العقائد الدينيةزاوية تربية وإجتماع

الفرق بين الحضارة المادية و الأخلاقية .. الحلقة الأولى

الفرق بين الحضارة المادية و الأخلاقية .. الحلقة الأولىكثيرا ما نرى انغماس الناس في المادة و اعتبارها ميزاناً محضاً للتقدم و الرقي. في حين، نرى في الجهة المقابلة جهد الأنبياء عليهم السلام في إبعاد البشرية عن اللهث وراء الدنيا و الإنشغال بطلبها.

 

فهل يوجد علاقة بين التقدم الأخلاقي و المادي؟

 

للإجابة على هذا السؤال، نعرج الى قول الإمام أحمد الحسن عليه السلام في كتابه الموسوم: الجهاد باب الجنة، حيث قال:

 

{الحقيقة أنه يوجد خلط كبير لدى أكثر الناس بين التقدم المادي والتقدم الأخلاقي للإنسان فيجعلون كل متقدماً مادي متقدم أخلاقيا وذلك من خلال خلط الحضارة المادية بالحضارة الأخلاقية وجعلهما واحداً لكل أمة  ، وهذا ميزان باطل وقياس باطل وإلا لكان الأنبياء والأوصياء (ع) وأتباعهم ممن خلت أيديهم من قليل وكثير زخرف هذه الدنيا وحضارتها المادية وسلطانها الزائل هم الأحط أخلاقيا وحاشاهم ، ولكان فرعون ونمرود وأشباههم ممن بنوا الأهرامات والأبراج والقصور والمدن الزاخرة هم أصحاب الأخلاق والفكر النير المتقدم وأنى لهم ذلك .

وأيضا لكان المتهم الأول هو هادم ومخرب الحضارات المادية بالعقوبات والمثلات سبحانه عما يشركون .

بل والله ما عرفوا أمرهم فاتعظوا بما كان فيمن سبقهم .

والحقيقة أن التقدم الحضاري الأخلاقي هو مشروع الأنبياء وهو ما جاءوا به من الله سبحانه وتعالى وكل ما موجود لدى الإنسانية من أخلاق كريمة ما هو إلا رشحات من تلك الأخلاق الإلهية التي جاء بها الأنبياء والأوصياء (ع) . وسيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد (ص) حصر بعثه للناس بأنه ليتمم الأخلاق الإلهية قال (ص) ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فالحق إن أصل ومعدن الأخلاق الكريمة هي تعاليم الأنبياء (ع) والأخلاق هي مقياس التقدم الحقيقي للأمم ولاقيمة لتقدم مادي (حضارة مادية) مهما كان كبيرا إذا لم يرافقه تقدم أخلاقي (حضارة أخلاقية ) ومع وضوح هذه الحقيقة وبساطتها لم يتبينها أكثر الناس .   

وكانت النتيجة المنكوسة التي تحصلت لدى كثير من الناس من  المقدمات الفاسدة هي أن الحروب التي تخوضها أمريكا ((المتقدمة ماديا وبالتالي لانقاش في تقدمها الأخلاقي !!!)) حق لأنها تهدف لأزالة الظلم والطغيان وإرساء الديمقراطية وحاكمية الناس والحرية . فمن يقف بوجه أمريكا أو القانون الذي وضعته أمريكا وتريد إرساءه على هذه الأرض يكون ظالماً وطاغياً وهكذا انقلبت الموازين ثم أن الخلط الموجود في الساحة العالمية اليوم ساعد على عدم وضوح الرؤية وتشويش الأفكار وأصبح طلاب الحق أندر من الكبريت الأحمر .

وربما لو وجه الناس لأنفسهم هذا السؤال (( من يضع القانون وينصب الحاكم الله أم الناس؟! )) لاتضحت الرؤية لديهم ولعادت لديهم أمريكا وديمقراطيتها وحريتها صنماً يعبد من دون الله حالها حال الطواغيت الذين أزالتهم في أفغانستان والعراق فأمريكا مسخ شيطاني تماما كما أن صداماً وابن لادن (لعنهم الله) وأتباعهم مسوخ شيطانية ، لأنهم جميعا ( أمريكا ، صدام ، ابن لادن وأشباههم ) لم ينصبهم الله سبحانه وتعالى كما أنهم لا يعرفون القانون الإلهي ولا يريدون إرسائه كما يدعي بعضهم ليخدع الناس باسم الدين وهو لا يفقه من الدين شيئاً .

ومن البديهي في الديانات الثلاث أن القانون  يضعه الله والحاكم ينصبه الله والنصوص الدالة على ذلك كثيرة في التوراة والإنجيل والقرآن وببساطة فإن القانون في هذا الزمان هو القرآن والإنجيل والتوراة والحاكم هو المهدي وعيسى وإيليا عليهم السلام والكتب السماوية كلها واحد أنزل من واحد والأنبياء والإئمة كلهم واحد أرسل من واحد . أقول لو سأل الناس أنفسهم هذا السؤال وأجابوا بهذا الجواب البين لاجتمعت كلمتهم على التوحيد ولعبدوا الله سبحانه وتعالى وأقروا خليفته في أرضه وقانونه سبحانه ، ولايوجد موحد حقيقي لكل أهل الأرض إلا القانون الإلهي والحاكم الإلهي وهما يوحدان أهل الأرض على الحق والعدل والرحمة . فلابد للمؤمنين من الجهاد لإرساء القانون الالهي والحاكم الإلهي خليفة الله في أرضه لتمتلئ الارض قسطاً وعدلاً وأخلاق كريمة وحضارة أخلاقية كما هي اليوم مليئة بالظلم والفساد.

بل إن الحاصل هو أن جند الشيطان لعنه الله يقاتلون لإرساء حاكمية الشيطان وخلق الشيطان ، فلماذا لايقاتل جند الله لإرساء حاكمية الله سبحانه وتعالى والأخلاق الإلهية والحال إن قتالهم وجهادهم هو دفاع عن الحضارة الأخلاقية للأنبياء والمرسلين (ع) في مقابل هجوم يشنه الشيطان وجنده أصحاب الحضارة المادية لمحق الأخلاق الالهية .

والحقيقة أنه لايوجد حياد فإما أن تنصر الله وتقر حاكميته وإما أن تقاتل مع الشيطان وعن حاكميته لعنه الله والساكت شيطان أخرس فالذين مع الله مع الله والذين مع الشيطان مع الشيطان والذين على التل كما يسمون أنفسهم شياطين خرس}.

ــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد32 /سنة 2 في 01/03/2011 – 25 ربيع الاول 1432هـ ق)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى