زاوية العقائد الدينيةعقائد السنة

تنصيب أبي بكر للخلافة – الجزء الأول

لا يوجد نص معتبر لا في القرآن الكريم ولا في السنة، ينص على تنصيب الرسول (ص) لأبي بكر أو عمر، بل إن عقيدة أبناء العامة في خلافة الشيخين هي الشورى واختيار الناس لا غير، فعندهم أن الرسول (ص) مات ولم ينصب خليفة من بعده وترك الأمة بلا راعٍ، وأن الحجة في خلافة أبي بكر هي مبايعة أغلب المهاجرين والأنصار له، والحجة في خلافة عمر بن الخطاب هي تنصيبه من قبل أبي بكر، والدليل القاطع في عدم تنصيب الرسول (ص) لأبي بكر هو اعتراف أبي بكر وعمر بن الخطاب أنفسهما أمام المهاجرين والأنصار.

ولنأتي الى الحجج التي احتج بها أبو بكر وعمر، في استحقاق أبي بكر للخلافة، سنرى أنها ليس فيها دليل عن رسول الله (ص)، وسنرى أيضاً، أن تلك الحجج لا تفيد أحقية أبي بكر في الخلافة أصلاً:

الاحتجاج الأول:

هو ما ادعاه القوم من أن رسول الله (ص) قد أمر أبا بكر أن يؤم المسلمين قبل وفاته (ص)، وهذا ما جاء على لسان عمر بن الخطاب في احتجاجه على الأنصار:

عن عاصم عن زرعن عبد الله قال: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر رضى الله عنه فقال يا معشر الانصار ألستم تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر رضى الله عنه ان يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضى الله عنه فقالت الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر) مسند احمد ج 1 ص 21.

 أقول: لو كان رسول الله (ص) قد نص على خلافة أبي بكر لاحتج بذلك عمر في السقيفة.

الاحتجاج الثاني:

الخوف من حصول الفتنة بين المهاجرين والأنصار في تنازعهم على الخلافة، فمن أجل فض النزاع تمت البيعة لأبي بكر، وهذا ما جاء على لسان عمر بن الخطاب في فتنة السقيفة بين المهاجرين والأنصار: 

 عن عمر في قصة الخلاف والشجار الذي حدث بين المهاجرين والأنصار في النزاع على الخلافة: (… فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا ابا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الانصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة…) صحيح البخاري ج 8 ص 27- 28.

 ثم يواصل عمر كلامه في نفس القصة ليأتي بحجة أخرى تبرر اختيار أبي بكر للخلافة، قائلاً: (قال عمر وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من امر اقوى من مبايعة أبي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا) صحيح البخاري ج 8 ص 28.

وكلام عمر بن الخطاب واضح وجلي بأن اختيار أبي بكر للخلافة غير مستند الى نص من رسول الله (ص)، بل التنصيب مستند الى اجتهاد عمر ورأيه، بدليل قوله: (وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من امر اقوى من مبايعة أبي بكر) أي إن هذا الخيار هو ما حضرهم أثناء الحادثة لفض الخلاف والنزاع الذي كاد يصل الى القتل!!!

ثم نجد عمر بن الخطاب متذبذباً في تبرير تنصيب أبي بكر للخلافة، فتارة يقول إنه فعل ذلك لتجنب الخلاف والنزاع الذي حصل في نفس الحادثة، فيقول: (فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا ابا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الانصار)، وتارة يقول بأنه فعل ذلك لكي لا يذهب الأنصار بمعزل عن المهاجرين وينصبوا رجلاً من الأنصار للخلافة، وهذا ما لا يرضى به عمر بن الخطاب، حيث قال: (وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من امر اقوى من مبايعة أبي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يبايعوا رجلا منهم بعدنا فاما بايعناهم على ما لا نرضى واما نخالفهم فيكون فساد)، والظاهر ان هذا هو هدف عمر الرئيسي، وكأن خلافة رسول الله (ص) هرج ومرج من غلب عليها نالها، ولله في خلقه شؤون !!! 

ومن كلام عمر يتضح أن تنصيب أبي بكر لم يستند حتى الى الشورى واجماع الحاضرين من المسلمين، فضلاً عن الغائبين والمعارضين، ففي قمة الخلاف والاعتراض على تنصيب أبي بكر يباغت عمر الناس ويبايع أبا بكر للالتفاف على هذا الاعتراض وتذويبه، وفي معنى ذلك فليتأمل المتأملون.

والقول في أن تنصيب أبي بكر لم يستند الى اختيار المسلمين، ليس رأيي الخاص، بل هذا ما صرح به عمر نفسه، حيث قال بعد أن وصف الفوضى الحاصلة أثناء تنصيب أبي بكر: (فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا)، أي ان من يفعل مثل ما حصل في تنصيب أبي بكر، لا يجوز اتباعه، بل يجوز قتل المبايِع والمبايَع، وكلامه واضح جداً في أن الطريقة التي نصب بها أبا بكر للخلافة خاطئة.

ولذلك نجد عمر بن الخطاب يصف مبايعة أبي بكر بأنها فلتة وقى الله شرها المسلمين، إذ قال: (ثم انه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرؤ ان يقول انما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت الا وانها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس منكم من تقطع الاعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا) صحيح البخاري ج 8 ص 26.

وكلام عمر صريح في أن بيعة أبي بكر لم تستند الى مشورة المسلمين، وأنها فلتة كان يتوقع منها الشر على المسلمين ولكن الله وقاهم من ذلك الشر المرتقب!!!

فبربكم يا مسلمين يا مؤمنين يا عقلاء هل تتقبلون أن تتأسس خلافة الرسول الأعظم (ص) على فلتة؟!! ومن المعلوم أن أبا بكر هو الذي نص على خلافة عمر، فتكون خلافة عمر مبنية على فلتة، وعمر هو الذي رشح عثمان بن عفان ضمن ستة للخلافة، فتكون خلافة عثمان مبنية على فلتة أيضاً، ولم تنته الفلتات الى أن استلم علي بن أبي طالب الخلافة، لأنه لم ينص عليه أحد من أصحاب الفلتة بالخلافة، بربكم أ ترضون لدين محمد (ص) أن يكون بهذه الفوضى والاضطراب؟!!! للبحث بقية ستأتي إن شاء الله.

…………………………………………………………………………………………………

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد48 – السنة الثانية – بتاريخ 21-6-2011 م – 18 رجب 1432 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى