غير مصنف

السر وراء عرض فوكوياما لنظرية نهاية التاريخ، وإدعائه هيمنتها

نظرية نهاية  التاريخإن نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما، تم بناءها على أساسات نظرية التحديث، القائمة على مقابلة التقليدية بالحداثة، والتي تذهب إلى إن عماد التطور الاقتصادي للشعوب يستند إلى تحول المجتمعات المتخلفة،

وترى النظرية إن هذا التحول لابد أن يتم بشكل خطي وباتجاه النموذج الغربي الأمريكي. وبصيغة أخرى وكما نظر لها العالم الثالث فإن نظرية الحداثة أصبحت عملية تجنيس لشعوب العالم الثالث، أو تبعية للنموذج الغربي، وبذلك فقد تم رفض هذا الطرح من قبل شعوب العالم الثالث، وبالنتيجة رفض نظرية التحديث، مما جعل الغرب ينظر إلى نظريته على إنها فشلت في أن تتخذ لها موقعا في المجتمعات الإنسانية، حتى إن بعض مفكري الغرب مثل ايمانويل ولرشتاين(كما أشار إلى ذلك في نظريته عن النظم العالمية في أواخر السبعينات) كان يرى موت نظرية التحديث وكرامة الميت دفنه.

إلا إن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وما تبعه منانفراط عقد حلف وارشو، واتجاه أعضاءه نحو اقتصاد السوق، جعل من فرانسيس فوكوياما ينشط في تقديم الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق على إنها النماذج المشروعة الوحيدة على الساحة العالمية للتنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأنهما سوف يتم تبنيهما في أنحاء العالم كافة حتى لو تأخرت هذه العملية.
من خلال ذلك نرى إن ادعاء نجاح التجربة الديمقراطية لم يأتي من نجاح حقيقي ملموس بقدر ما كان مستمداً من انهيار التجارب المقابلة وبقاء الساحة خالية إلا من الديمقراطية الغربية، وهي بذلك وكما يرى واضعوها خير حل ممكن للمشكلة الإنسانية، متناسين حجم المشاكل في المجتمعات الديمقراطية، ومتجاهلين التفكك الاجتماعي وضياع القيم الإنسانية في المجتمعات الغربية التي أصبح فيها الإنسان مجرد آلة للإنتاج وتحصيل المقابل في إطار تنظيمي ضمن المجتمع.
فلو أخذنا احد الجزئيات التي تنسبها نظرية فوكوياما إلى عطاء الديمقراطية واقتصاد السوق، ونظرنا من خلالها لتفاعل مكونات المجتمع فيما بينها، وهي الضريبة على الدخل، فكل من أفراد المجتمع (أصحاب الدخل المنتظم) يساهم من خلال دفع جزء من دخله في بناء مؤسسات الدولة المتنوعة، ويحصل بالمقابل جميع أفراد المجتمع على خدمات متساوية. رغم إن المبدأ فيه صورة من صور التكافل الاجتماعي التي يحث عليها الإسلام، ولكن من يدفع الضريبة من الناس ليس سعيدا كما هو حال المتلقي من أفراد المجتمع والمنتفع من وجوده فيه، بل إننا جميعا نسمع من الأفراد من دافعي الضرائب في الدول الغربية التذمر من استنزاف طاقاتهم ودخلهم الشهري رغم إنهم من المستفيدين من ذلك أيضا، ولولا العقوبات التي يفرضها القانون لما بادر أفراد المجتمع لدفع الضرائب التي تفرضها الدولة، فالذي يقف وراء ذلك ليس النظام الديمقراطي بل هو قوة القانون وصرامة المنفذين له لما له من أهمية في قيام الدولة وتأديتها لواجباتها تجاه المجتمع.
باختصار إن مجموعة النظم الإدارية أو الاجتماعية المطبقة في الغرب ليست من مختصات الديمقراطية، بل إنها من الممكن أن تتوافر في أي نظام حكم بغض النظر عن اتجاهاته الفكرية، إذا ما توفرت الإدارة والقانون والتطبيق الصحيح.
ولدينا في الإسلام نظاما أفضل بكثير من ضريبة الدخل، نظام اقره الإسلام وعمل به الرسول الكريم (ص) وال بيته الطاهرين، متمثلا بالزكاة والخمس، وتتوافر لدينا الآلية الكاملة والصحيحة للتطبيق، أضف إلى ذلك إن استعداد الناس للعمل بنظام الزكاة والخمس أعلى بكثير من الاستعداد للعمل بنظام ضريبة الدخل رغم التشابه الكبير بينهم، ولكن مصيبتنا في كيفية التطبيق لدينا، فلقد أجاز المجلس (الاعوى) لنفسه أن يجمع الخمس والتبرعات من اللاجئين العراقيين في مخيم رفحة (الذي هرب إليه من انتفض على الطاغية بعد حرب الخليج في التسعينات) ليملأ بها كروش جلال الحقير والدنبكجي ويشتري لقادته ومؤسسيه العرصات والأطيان، غير آبهين بمعاناة من بادر لدفع هذه الأموال بعد أن اقتطعها من قوته البسيط. ومثال آخر حي أمامنا في حرص معممي الخمس على استنزاف الناس في دفع المال من خلال شبكة أخطبوطية متشعبة من الوكلاء ومسوقي فتاوى الخمس الذين أصبحوا بفضل خنوع الناس وتبعيتهم لمستحمريهم من أصحاب الأعيان، ومع ذلك ترى حجم الفقر والحرمان في جوار أباطرة الخمس والفجور، فلا سلطة تحاسب على استعمال الأموال التي تجمع من الناس ولا يوجد من يدقق من بعدهم بل لا يوجد دفاتر حسابات مطلقا.
إن هذه الحيثية فقط (ولنسميها التكافل الاجتماعي في الإسلام) لو تم تطبيقها من قبل مؤسسات ملتزمة، تعمل لرضا الله وخدمة الإنسانية، مع تاريخ الإسلام الممتد لأربعة عشر قرنا، لعكست صورة مشرقة ومشرّفة عن الإسلام، ولربما كانت السبب في انتشار الإسلام بين دول العالم الغربي المتعطش للمثل الاجتماعية الصحيحة، ولكننا بالعكس ننظر لخصوم الإسلام وهم يطبقون ذلك بصورة لا تقترب في مستواها من الأثر الإسلامي، على إن لهم قدم السبق في نظام التكافل الاجتماعي، ونعود لنطالب أنفسنا بالاقتداء بتجربتهم المستحدثة وننسى إن الأصل لدينا.
ألا نحاسب أنفسنا لنرى من وراء ذلك، هل هو ضعف في الإسلام؟؟ أم هل إن الرسول الكريم (ص) قصر في إيصال الرسالة؟؟ أم تراه (حاشاه) قد قصر في التطبيق؟؟ أم إن من جاء بعده ويدعي انه على هداه هو الذي انحرف بالأمة إلى طريق الشيطان؟؟ ليصبح من على رأس الإسلام ومن يسيس الناس اكلآ للسحت ومانعا الفقراء من أرزاقهم التي كتبها الله لهم في أموال الأغنياء.
يجب أن تنهض الأمة، وتنفض الغبار عن نفسها، بل يجب أن تنتفض ضد الظلم والطغيان الذي يمارس ضد المسلمين ممن يدعون قيادة الأمة إلى النهج السليم، إنها لمهزلة كبيرة أن نرى الحسين يقتل في كل يوم قتلة ولا يرف لنا جفن، وستبقى الأمة ترفع شعار كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء ولا تعرف معناه ولا حتى تتفكر به، بل تبقى لاهثة خلف ديمقراطية أمريكا، التي يؤيدها مراجع الناس الذين يدعون نيابة الحسين، وكأن الحسين سيرضى بوجود أمريكا في ارض المسلمين، كما يفعل من يدعي النيابة عنه.
لولا خضوع الأمة واستسلامها لتجار السياسة وطلاب الحكم من المنافقين المنتفعين من الإسلام، الذين انقلبوا بعد وفاة الرسول الكريم على المشروع الإسلامي وتوارثوا ملكه من بعده، ليجعلوا من الأمة التي بذرها الرسول الكريم خاوية من منظومة قيادية تأخذ بأيدي الناس إلى بر الأمان، لكانت الأمة الإسلامية وقيادتها المعينة من الله خير من يضع للناس القواعد الإلهية في الحكم وتسيير أمور الدولة كما أراد لها الله ووضع لها دستورها الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، ولكنها اختارت أن تجعل من القرآن كتاب يُتلى في رمضان، وفي أوقات الفراغ ولا يُعمل به، ولا يوجد على الأرض دولة من بين الدول الإسلامية، التي تحتضن مليار ونصف مسلم، تحكم أبناءها بميثاق الرسول الكريم وأعرافه الإلهية، مما يجعل نظرية فوكوياما النظرية الوحيدة التي لها تطبيق عملي ملموس على الأرض، بعد أن فشلت النظريات الأخرى في الصمود بوجه العقبات المتكررة التي تواجه النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فيا حسرة على امة دأبت على التفريط بعطاء السماء الذي حباها الله به، وانقلبت على أمر الله ورسوله المصطفى، لتجد نفسها اليوم خاضعة لشرار خلق الله، متوسلة بهم من اجل حمايتها من شر المسلمين المتطرفين،
كفى غياً وبعدا عن الله سبحانه وتعالى، واسمعوا نداء الله الذي يصرخ فيكم: أفيقوا يانيام، أفيقوا ياموتى، أبصروا حالكم، وانظروا إلى أين يتاه بكم، والى أي هاوية يقودكم أصنام مرجعية خضراء الدمن.
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) ﴿الشعراء 227﴾ والحمد لله رب العالمين

عبد الله الهاشمي
Alhashimi7_(at)_gmail.com

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى