زاوية الدعوة اليمانيةعقائد أهل الكتابغير مصنف

النصوص التي استدل بها المسيحيون على عقيدة التثليث -8-

استدلوا بقول عيسى(ع): (كل ما للآب هو لي)([1])، وقوله: (كل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي)([2]).

ويذكر بعضهم تعليق القديس لوثر على هذه الآية بالقول: (قد يمكن لأي مؤمن أن يقول الجزء الأول من هذه الآية العظيمة: (كل ما هو لي فهو – للآب-)، ولكن من ذا الذي يقدر أن يضيف قائلاً: (وما هو – للآب -) هو لي)؟

وبرأيهم أن كلمة عيسى هذه تعني، ضمن ما تعنيه أن لعيسى أزلية الآب، وقداسته، وكماله، ومجده، وصفاته، وعرشه.

ولكن ما معنى كل ما هو للآب هو لي ؟ وما معنى ما هو لك فهو لي ؟ هل يمكن أن نفهم من هذه الكلمات أن عيسى(ع) لاهوت مطلق ؟

من الواضح إننا نستطيع أن نفهم منها أن عيسى هو تجلٍ للّـه في الأرض، أو إنه خليفة للّـه، وإن اللّـه قد منحه سلطاناً، فيكون ما للّـه من سلطان هو لعيسى(ع) لأن اللّـه تعالى قد فوض له هذا.

وليس في هذا ما يدل على أنه لاهوت مطلق، فهو يبقى فقيراً نسبة إلى اللّـه تعالى الذي فوضه ومنحه السلطان، ولهذا في الحقيقة قال:

(وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته)([3]).

فالإله الحقيقي هو اللّـه تعالى.

إن ( كل ما للآب هو لي ) أي بموجب التفويض الإلهي له فقط، فاللّـه هو الذي أعطاه اسمه كما يقول عيسى: ( … أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن )([4]). فعيسى واللّـه واحد لأن عيسى يعبر عن إرادة اللّـه، ولأن اللّـه فوضه سلطاناً. 

ولا ننسى أن عيسى قال هذه الكلمات في حال الدعاء والتضرع إلى اللّـه تعالى، والدعاء فضلاً على كونه يدل على وجود اثنين منفصلين، يدل أيضاً على أن عيسى أقل شأناً، بل هو فقير للّـه الذي يتضرع له. 

16- (والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم)([5]).

إن اللّـه تعالى هو من يمجد عيسى(ع)، فالعلاقة بينهما هي علاقة غني هو اللّـه وفقير هو عيسى، أما كون مجد عيسى عند اللّـه قبل كون العالم فلا يعني هذا إن عيسى(ع) أزلي، بل المقصود إن عيسى ممجد أي إنه من عباد اللّـه الصالحين، وهو نبي في علم اللّـه تعالى، حتى قبل أن يخلق اللّـه الخلق، فعلم اللّـه هو الأزلي لا عيسى.

على أن قوله: ( قبل كون العالم )، يعني قبل خلق هذا العالم، وهذا العالم ليس أزلياً، وكلمة   ( قبل ) لا تعني الأزلية بالضرورة.

17- (كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: (يا رب يا رب: أ ليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟) حينئذ أصرح لهم إني ما أعرفكم)([6]).

هذا النص يمكن أن نستدل به على نقيض مرادهم فنقول إن المقصود منه إن عيسى(ع) سينكر من يسميه ربي بمعنى الإله المطلق، ولا يمكن لأحد أن يقول إنه ينكرهم لأنهم لا يؤمنون به، وكيف لا يؤمنون به وهم يسمونه: رب ؟

ولكن مع ذلك نقول إن قولهم: يا رب، يا رب، لا يعني سوى أنهم يرونه مربيهم أي معلمهم، فقولهم منشؤه التعبير المتعارف بين الناس وهو إطلاق لفظ رب الأسرة مثلاً على الأب، لأنه يربي الأولاد ويعلمهم، فربي هنا بمعنى معلمي، وربما كانت في الأصل ( رِبوني ) بكسر الراء، وهو لقب يعني المعلم. فقد ورد في يوحنا: ( 16 قال لها يسوع يا مريم . فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم . 17 قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي . ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم . 18 فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا )([7]).

وفي يوحنا أيضاً: ( فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان . فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث )([8]).

وبهذا المعنى أيضاً استخدمها بولس في رسالته إلى أهل أفسس على ما يبدو:

(كي يعطيكم إلهُ ربِنا يسوعَ المسيح، أبو المجد، روحَ الحكمةِ والإعلان في معرفته)([9]).

إذ لا معنى لقوله ( إله ربنا ) إذا كان يقصد أن عيسى إلهاً مطلقاً كما هو اللّـه.

وحتى لو قلنا إن المراد من الرب هو الإله، فلا دليل فيه أيضاً على كونه رباً مطلقاً، أو إلهاً مطلقاً.

18- واستدلوا بقول المسيح: (تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم)([10]).

والنص لا دلالة فيه على إلوهية عيسى(ع)، فهو يريح المتعبين وثقيلي الأحمال، أي المخطئين من خلال إسماعهم كلمات اللّـه تعالى وإرشادهم إلى طريق اللّـه، وحملهم على التوبة من ذنوبهم التي أثقلت كواهلهم.

وحتى لو كان المراد أنه يغفر لهم ذنوبهم، فهو بتخويل من اللّـه تعالى.

19- واستدلوا بهذا النص: (إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً)([11]).

سنعرف لاحقاً إن ابن الإنسان شخص آخر غير عيسى(ع)، ومع ذلك فالرب هنا بمعنى السيد، وابن الإنسان هو سيد يوم السبت بمعنى أن ثمة خصوصية تربطه بالسبت.

وفي كل الأحوال لا يدل النص على أن عيسى أو ابن الإنسان لاهوت مطلق، وهو محل النزاع.

20- واستدلوا بقول عيسى(ع): (لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم)([12]).

أقول من الممكن أن يكون المقصود من هذا النص إن اللّـه يرعاهم أو يسددهم كرامة لعيسى(ع)، فيكون حضوره بينهم من باب المجاز، لذلك قال لهم قبلها: (18اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ. 19وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 20لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ)([13]).

فتسديد اللّـه لهم من خلال الملائكة يكون بمثابة حضور عيسى(ع) نفسه لتسديدهم، فالمقصود هنا هو بقاء التسديد للمؤمنين الذي كان موجوداً أيام حياة عيسى، حتى كأن عيسى نفسه بينهم يسددهم ويرعاهم، وكل ذلك بفضل إيمانهم بعيسى(ع).  

21- واستدلوا بالنص التالي: (لِذَلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ)([14]). نعم عيسى بوصفه خليفة للّـه في الأرض وتجلٍ أو صورة له، يمكنه أن يرسل رسلاً لأن اللّـه فوض له هذا، لا لأنه هو اللّـه تعالى، وقد سبق أن بينا هذا.


([1])  يوحنا:16: 15.

([2])  يوحنا: 17: 10.

([3])   يوحنا: 17- 3.

([4])   يوحنا: 17- 11.

([5])   يوحنا:17- 5.

([6])  متى:7- 22.

([7])  يوحنا: 20.

([8])  يوحنا:1- 38

([9])  أفسس: 1-17

([10])  متى: 11- 28.

([11])  متى:12- 8.

([12])  متى: 18- 20.

([13])  متى:18.

([14])  متى: 23- 34.

(صحيفة الصراط المستقيم  ـ العدد 10 ـ الصادر بتاريخ 19 شوال 1431 هـ الموافق ل 28/09/2010 م)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى